الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن النظر المتدبر في الآيات القرآنية يبين لنا بالنص الصريح الجازم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1){وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (2)
(1) سورة الحج الآية 6
(2)
سورة الحج الآية 7
(نظرة متدبرة في الأكوان)
قارئي الكريم: إن المتأمل في هذا العالم يراه مكونا من نوعين من الموجودات:
نوع محسوس: مشاهد يدركه الإنسان بسمعه، أو ببصره، أو بأية حاسة من حواسه الخمس وهذا هو عالم الشهادة، وتندرج تحته أجناس الحيوان، والنبات، والجماد: سائلا، وصلبا وغازا.
ونوع غير محسوس ولا مشهود بذاته، ولكننا نعرف أنه موجود، ونعرف عنه ما نعرف بطريق من طريقين:
(إما) بإدراك آثاره، وما يصدر عنه ويدل عليه - و (إما) بإخبار من صادق مجزوم بصدقه، ومن أمثلة هذا العالم غير المشاهد بذاته:(الكهرباء، والمغناطيسية، والروح، والجن، والملائكة، والشياطين).
فالكهرباء: ليست مرئية لنا ولا مشاهدة، ولكننا نقطع بوجودها بدلالة آثارها من إضاءة، وتبريد، وتدفئة، وحركة. . وغير ذلك.
والمغناطيسية: لا نعرف حقيقتها الذاتية، ولكننا نجزم بوجودها مستدلين بما نشاهده من آثارها، جذبا، وتنافرا بين سوالبها وموجباتها.
والروح التي بين جنبينا، والتي هي أقرب الأشياء إلينا لا نعرف عنها إلا ما علمنا الله، كالآثار التي تصدر عنها من حركة، وإرادة، وتنفس، وتفكير، وما إلى
ذلك من مظاهر الحياة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلًا} (1).
أما عوالم الجن، والملائكة، والشياطين: فمعلوماتنا عنها مستقاة من وحي السماء: قرآن كريم، أو سنة صحيحة، وما وراء ذلك رجم بالغيب.
ولندع الحديث عن عالم الغيب مؤقتا ولنتجه بنظرنا إلى عالم الشهادة المحسوس، إننا نراه مصنفا من:
معادن أو جمادات: لا تتغذى، ولا تنمو، ولا تحس، ولا تفكر، ولا تتناسل، ولا تتحرك باختيارها - كالماء، والحديد، والغاز.
ومن نباتات: تتغذى وتنمو، وقد تتناسل باللقاح أو غيره، ولكنها لا تحس ولا تفكر، ولا تتحرك باختيارها.
ولنترك - أيضا - عالمي الجماد، والنبات اللذين لا يحسان، ولا يتحركان باختيارهما، ولنقف لحظات أمام عالم الحيوان الحساس المتحرك باختياره.
إن هذا العالم الحيواني: تتجلى فيه مظاهر الحياة بدرجات متفاوتة، وإذا تتبعنا الأجناس الحيوانية فإننا نجد أن أرقاها حياة إنما هو الإنسان الذي استطاع بما آتاه الله من مواهب وقوى وخصائص أن يسخر بقية الحيوانات وأن يفيد منها بل إن الله تعالى سخر له ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (2).
إن هذا الإنسان الذي شارك بقية الحيوانات الأخرى في التغذي، والنمو، والتناسل، والحس والتحرك الاختياري قد تميز عنها كلها بخصائص وميزات لم تتوفر لغيره.
(1) سورة الإسراء الآية 85
(2)
سورة الجاثية الآية 13
أبرز هذه الخصائص والمزايا أربع:
1 -
التفكير.
2 -
القصد أو الإرادة.
3 -
القدرة على تنفيذ ما قصد إليه وأراده، أو الأخذ في أسباب ذلك.
4 -
الصلاحية - بفطرته - أن يتجه إلى الخير، أو إلى الشر.
وهذه المزايا الأربع التي امتاز بها الإنسان على عوالم الحيوان الأخرى، وبالتالي على عوالم الجماد والنبات - جعلته (أهلا) أن يستفيد من ماضيه لحاضره، وأن يتطلع إلى مستقبله، ولذلك ترى رغباته ومتطلباته لا تقف عند حد.
وجعلته (أهلا) أن يعمل جاهدا لتحصيل الخير لنفسه، ولمن يهمه أمره، وأن ينتظر ثمرة عمله.
وجعلته (أهلا) من ناحية ثالثة أن يكون مسئولا عن عمله وعن تصرفاته ومجزيا عليها عاجلا أو آجلا.
ومعنى ذلك: أن هذه الميزات والخصائص جعلته - وحده - من بين العالم المشاهد كله - أهلا للتكليف والمسئولية، لأن طريقي الخير والشر ممهدان أمامه، ولأن وسائل السلوك إلى أي الطريقين متوفرة لديه:
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (1){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (2). {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (3){إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (4){فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (5)
(1) سورة البلد الآية 10
(2)
سورة الشمس الآية 8
(3)
سورة البقرة الآية 256
(4)
سورة الإنسان الآية 3
(5)
سورة الكهف الآية 29