الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأطعمة أو لبس صنفا من الثياب فلا يقال فيمن لم يفعل ذلك إنه تارك (1) لسنة فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا قام دليل خاص على أن هذا الفعل الجبلي مشروع مثل الأكل باليمين لا بالشمال.
ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ومكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض (2).
(1) انظر الأحكام للآمدي 173/ 1 ورسائل الإصلاح 74/ 3.
(2)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 153/ 15 وإغاثة اللهفان 204/ 1
2) ما ثبت كونه من
الأفعال الخاصة به صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد:
فلا يدل ذلك على التشريك بيننا وبينه فيه إجماعا وذلك كاختصاصه بوجوب صلاة الضحى والأضحى والوتر والتهجد بالليل والزيادة في النكاح على أربع نسوة والوصال في الصوم إلى غير ذلك من خصائصه (1) صلى الله عليه وسلم فليس لأحد من المسلمين أن يقتدي به فيما هو مختص به من أمثال ما ذكر على النحو المطلوب منه صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر الأحكام للآمدي 173/ 1، وتيسير التحرير لأمير بادشاه 120/ 3
3) ما عرف كون فعله بيانا لنا: فهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم دليل على مشروعية التأسي به كقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن فعل الصلاة «صلوا كما رأيتموني أصلي (1)» رواه (2) البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه (3)» رواه مسلم (4)، قال هذا صلى الله عليه وسلم وهو يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، فهذا الفعل هو
(1) صحيح البخاري الأذان (631).
(2)
بلوغ المرام باب الصلاة رقم 59
(3)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(4)
نيل الأوطار 74/ 5
بيان لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (1) ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (2) الآية.
وكقطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3) وحكم الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم في هذا حكمه المبين من وجوب أو استحباب أو إباحة.
(1) سورة البقرة الآية 110
(2)
سورة آل عمران الآية 97
(3)
سورة المائدة الآية 38
4) ومن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن جبليا ولا خاصا به ولا بيانا للقرآن فهذا يبحث في ظروفه:
أ- فإن كان ثمة ما يدل على حكمه في حقه صلى الله عليه وسلم من وجوب أو ندب أو إباحة فأمر أمته فيه كأمره صلى الله عليه وسلم سواء بسواء إذ الأصل تساوي المكلفين بالأحكام.
ب- أما إن فعل صلى الله عليه وسلم أمرا ولم يقم دليل خاص على أنه فعله على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة: فهذا إما أن يظهر فيه معنى القربة كصلاة ركعتين لم يواظب عليهما فهذا يحمل على أقل مراتب القرب وهو الندب ويكون التأسي به مستحبا.
وإما ألا يظهر فيه معنى القربة كإرساله صلى الله عليه وسلم شعر رأسه إلى شحمة الأذن وإرسال ذؤابة العمامة بين كتفيه، فهذا فيه خلاف بين العلماء:
1 -
فمنهم من يرى أن فعله صلى الله عليه وسلم محمول على الندب نظرا إلى أنه صلى الله عليه وسلم مشرع فالأصل في أفعاله التشريع.
2 -
ومنهم من يرى أن هذا الفعل مباح وهو من قبيل العادة لا العبادة فلا
يحكم مثلا على من حلق شعر رأسه أو من لم يسدل ذؤابة عمامته أو من لم يلبس عمامة بأنه تارك لسنة (1).
3 -
والذي اختاره هو الرأي الأول القائل بدلالة هذه الأفعال على الندب لعموم الأدلة الواردة في اتباعه صلى الله عليه وسلم والاستنان به كقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا} (2) وقوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3) وكقوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية المتقدم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (4)» وهذا فعل فيكون من سنته. وكقول عمر لما قبل الحجر الأسود: ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، وهذا اقتداء بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فيعم موضوع النزاع لعدم الفارق، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الرجل يتخذ الشعر فقال: سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه (5) والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور هو المتمشي مع الأدلة التي ذكرنا شيئا منها والتي يحمل الأمر فيها على أقل درجات القرب وهو الندب لأنه المتيقن.
(1) انظر رسائل الإصلاح 76/ 3 ومقاصد الشريعة لعلال الفاسي 181
(2)
سورة الأنعام الآية 155
(3)
سورة آل عمران الآية 31
(4)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(5)
المغني والشرح الكبير 73/ 1
ترك الرسول عليه الصلاة والسلام لبعض الأشياء متى يكون سنة يقتدى به فيها ومتى لا يكون: وتفصيل القول في هذا الموضوع
تروك الرسول صلى الله عليه وسلم تختلف أحكامها باختلاف أنواعها كما يتضح من التفصيل الآتي.
1) النوع الأول: أن يكون ترك الرسول الفعل جبلة كما امتنع من أكل الضب فتركه صلى الله عليه وسلم أكل الضب أمر جبلي ليس من مواضع التأسي لأنه صلى الله عليه وسلم قال له خالد بن الوليد: «أحرام هو يا رسول الله؟ قال: " لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه "، فما لبث خالد بعد سماع هذا الجواب أن جر إليه الضب فأكله (1)» .
(1) صحيح البخاري الأطعمة (5391)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1946)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4317)، سنن أبو داود الأطعمة (3794)، سنن ابن ماجه الصيد (3241)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 89)، موطأ مالك الجامع (1805)، سنن الدارمي الصيد (2017).
2) النوع الثاني: أن يتركه صلى الله عليه وسلم: لتحريم يختص به كما في تركه صلى الله عليه وسلم أكل بعض البقول ذوات الريح فهذا ليس التأسي به فيه من السنة لظهور اختصاصه به صلى الله عليه وسلم يدل لهذا ما جاء عن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى الله عليه وسلم: أتى بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها - إلى بعض أصحابه - فلما رآه كره أكلها. قال: " كل: فإني أناجي من لا تناجي (1)» رواه البخاري (2).
ووجه الدلالة منه: أنه صلى الله عليه وسلم: امتنع من أكل هذه البقول لأنه يناجي جبريل عليه السلام وأمر أصحابه بأكله لعدم المانع فيهم، فدل ذلك على أن هذا الترك ليس موضع تأس به صلى الله عليه وسلم لظهور ما يدل على انفراده صلى الله عليه وسلم بهذا الترك دون أمته.
(1) صحيح البخاري الأذان (855)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (564)، سنن أبو داود الأطعمة (3822).
(2)
كتاب الأذان جماعة.
2 -
ما تركه صلى الله عليه وسلم لأمر غير جبلي ولا خاص به:
أ- فإن علم حكم هذا الترك في حقه من حرمة أو كراهة كان الحكم شاملا الأمة لأن الأصل عدم الخصوصية ومثال هذا: تركه صلى الله عليه وسلم: الشهادة لمن نحل بعض ولده دون بعض، فإنه قال: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: