الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر
بقلم الشيخ / الغزالي خليل عيد
الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض - سابقا-
ولد بإقليم المنصورة، بجمهورية مصر العربية، حفظ القرآن الكريم وجوده ثم التحق بالأزهر حتى نال الشهادة العالية وتخصص التدريس.
اشتغل بالدعوة والتدريس بالمعاهد الدينية وكلية الشريعة ببغداد، ثم بإدارة معهد بني سويف، ثم ندب للتدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
معظم مؤلفاته وكتاباته تتصل بالقرآن الكريم وعلومه وتجويده وتفسيره، ومن مؤلفاته: أثر الحدود الإسلامية. أعمال النسك تفسير سور: الأنفال، الرعد، يس، الزمر، وغيرها من السور وكثير منها مخطوط لم يطبع حتى الآن.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله (وبعد) فإن للإيمان بالله واليوم الآخر ثمرات كثيرة: منها ما هو عاجل كباكورة الفاكهة، قطوفها دانية في هذه الحياة، ومنها ما هو آجل ناضج يانع مستطاب يدرك في الدار الآخرة، ثم يستمر ويدوم ويزداد، لا ينقطع، ولا يمتنع، ولا ينقص ولا يفنى، بل عطاء غير مجذوذ، ونعيم دائم، لا يشوبه خوف ولا كدر ولا حزن، فالإيمان بالله واليوم الآخر، كشجرة طيبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
باكورة الثمرة أو (ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر في الدنيا):
إن الإنسان الذي يؤمن بأن للعالم ربا واحدا، خالقا رازقا، وإلها عليا عظيما لا شريك له في ربوبيته، ولا يجوز أن يشرك معه أحد في عبادته، ويؤمن بأنه ساع إلى ربه سعيا فملاقيه، وأنه قائم مسئول أمامه عما قدم وأخر {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} (1){يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (2).
هذا الإنسان الذي آمن بربه وبلقائه وجزائه، يحيا في هذه الدنيا حياة طيبة، دائرا في فلك الرضا والطمأنينة والأمان: شاكرا لفضل ربه وعطائه، صابرا على قضائه وابتلائه، مؤمنا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فتراه دائما رضي القلب، مطمئن النفس، واثقا بأن ما عند الله خير وأبقى، وأعلى وأثمن وأنقى من كل ما في هذه الدنيا من زينة وبهجة ومتاع، إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر؛ لعلمه بأن هناك جزاء حسابا، ومن هذا المنطلق يقضي حياته العاجلة في طاعة ربه ما استطاع، وفي نفع نفسه، وأهله، ومجتمعه ما أمكنه ذلك، وفي دعوة الناس -بحاله وقيله - أن يسلكوا هذا السبيل السوي المستقيم. فهو من الله في
(1) سورة المطففين الآية 5
(2)
سورة المطففين الآية 6
رضى، ومن الناس في نصح وعافية، ومع نفسه في جهاد وحساب لكنه جهاد مستلذ مستطاب، لأن ذلك كله مقرون بالطمأنينة والأمن والأمان:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} (1){الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2){وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (3).
هذه هي باكورة الثمرة (للفرد المؤمن) يقطفها في هذه الحياة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (4).
أما الثمرة التي يقطفها (المجتمع المؤمن) المؤلف من أولئك الأفراد المؤمنين فثمرة الأمن والسلام، والحب والوئام، والتعاون على البر والتقوى، والاطمئنان على النفوس والدماء، وعلى الأموال والممتلكات، وعلى الأعراض والأنساب، وعلى الحرية والقيم والمعتقدات.
وهل هناك ثمرة أطيب من هذه الثمرة للمؤمن ولمجتمع المؤمنين؟
ويمكنك يا أخي أن تقدر قيمة هذه الثمرة إذا وازنت بين مجتمعين:
أحدهما: مؤلف من أفراد عقلاء حازمين، ينظرون لعاقبة أمورهم، ويقدمون خير الزاد لغدهم، ويوقنون بأنهم مبعوثون ومسئولون عما قدموا وأخروا، قائمون مع الأولين والآخرين لرب العالمين.
والثاني: مجتمع شغلته دنياه وزينتها الفانية الزائلة، عن آخرته وعاقبته الباقية الدائمة فقصر نظره على هذه الحياة، وأنكر وكفر بما بعدها من بعث وحياة وجزاء {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (5).
(1) سورة الأنعام الآية 82
(2)
سورة الرعد الآية 28
(3)
سورة التغابن الآية 11
(4)
سورة النحل الآية 97
(5)
سورة العنكبوت الآية 64
قارئي الكريم: إن رجلا عاقلا يؤمن بهذا البعث والجزاء تراه يسير في حياته هذه سيرة الكيس الكريم، يدين نفسه ويحاسبها، ويوقن بمسئوليته أمام ربه، وبجزائه في يوم آت لا ريب فيه، فيعطي كل ذي حق حقه.
يعلم أن لربه حق العبادة والتوحيد الخالص من كل شائبة، ومنه سبحانه العون، وبه الاستغاثة، وله القربان والتعظيم.
ويعلم أن لوالديه حق البر والإحسان في حياتهما، والدعاء والاستغفار لهما بعد موتهما، ويعرف لأرحامه، وجيرانه، ولأمته وإخوانه المؤمنين حقوقا رسمها الله، وبينها في كتابه وعلى لسانه رسوله، ووعد بالجزاء عليها.
هذا الرجل لا شك يكون لبنة صالحة لبناء مجتمع قوي نقي تقي «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر (1)» .
وبالتالي ترى هذا المجتمع المؤمن بالبعث والجزاء، المؤلف من هذه اللبنات حريصا على تنفيذ ما شرعه الله من عبادات: تهذب النفس وتعزها بربها ودينها، ومعاملات: تترفع عن أساليب الغش والخداع والغرر والضرر وأكل أموال الناس بالباطل، وأخلاق وقيم: تضع الإنسانية في مقام التكريم الذي ارتضاه الله لبني آدم، وتشريعات وأحكام وحدود: تحرس للمرء (حريته) آمنة منظمة، (وعقيدته) نقية سليمة، (ودمه) محقونا محفوظا، (وعرضه) طاهرا نقيا، (وماله) محصنا مصونا وعلى وجه الإجمال تراه مجتمعا قويا تقيا نقيا، متآخي الأفراد، معتصما بحبل ربه، منصورا بنصره العزيز الذي كتبه على نفسه تفضلا منه ورحمة {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
وهل بعد ذلك كله من عز وسعادة في هذه الحياة؟ أما في حياتهم الآخرة التي أيقنوا بها فلهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(1) صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
(2)
سورة الروم الآية 47
وأما المجتمع الثاني: الذي كفر بالله والدار الآخرة، ونسي أن وراء هذه الدنيا حياة دائمة وأن بعد هذه الأعمال جزاء عادلا، وانساق وراء شياطين الإنس والجن {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (1) فاستباح هتك الحرمات، واحتكم إلى الأهواء والطواغيت، وانطلق في دروب الشهوات والمنكرات، وعاش باغيا طاغيا لا يعرف للضعيف حقا ولا مرحمة، وذليلا خانعا لا يعرف لنفسه عزا ولا كرامة، يخنع ويركع أمام الطاغوت العاتي بقلبه أو بجبهته، ويستعلي على الضعيف المستكين ببغيه وسلطانه وجاهه، إن هذا المجتمع أشبه بغابة الوحوش أو حظيرة الحيوان، بل إنه أحط منها {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (2).
إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء أضرى من الحيوانات الكاسرة، وأشرس من الكلاب المسعورة، يلغون في الدماء، ويخوضون في الخبائث والأقذار، ويرون أن هذه هي متعتهم التي إن فاتتهم فلن تستعاض، لأنهم زعموا أن لن يبعثوا، وأن ليس بعد هذه الحياة من حياة، {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (3).
وبالموازنة بين حياة هذا المجتمع الشقي اللاهث، وحياة المجتمع السابق السعيد الآمن، تتجلى لك باكورة من ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر في حياة طيبة مشمولة بالأمن والرضا والسلام، أما ثمرة هذا الإيمان في الدار الباقية فلست أنا ولا أنت ولا غيرنا من المخلوقات بقادر على وصفها الوصف اللائق بها، وحسبك ما جاء في
(1) سورة الأنعام الآية 112
(2)
سورة محمد الآية 12
(3)
سورة الأنعام الآية 29