الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الله تعالى في غزوة أحد وما حدث من نصر في البداية ثم هزيمة سببها المتعجلون بجمع الغنائم وتركهم أماكنهم: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (1)، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (2).
(1) سورة آل عمران الآية 140
(2)
سورة آل عمران الآية 152
بين السنن الكونية والسنن الاجتماعية:
لقد خلق الله عز وجل هذا الكون بالحق وجعله محكم الصنع منضبط القوانين لا ترى فيه خللا ولا اضطرابا، يقول سبحانه:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} (1){ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (2) ويقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3).
وهكذا فإنه ما من شيء في بنيان الكون وتركيب العالم والحياة، يخضع للصدفة من أصغر شيء فيه يغور في الطوايا التي لا تراها العيون: نيوترونات، وبروتونات، وإلكترونات، وجينات وكرومسومات، وحتى السدم والمجموعات الشمسية الهائلة والمجرات المنتشرة عبر مساحات لا يحيط بها خيال إنسان!!
كل شيء يجد نفسه مضبوطا ضمن إرادة الله وعلمه وتدبيره للخلق والصيرورة
(1) سورة الملك الآية 3
(2)
سورة الملك الآية 4
(3)
سورة القمر الآية 49
والمصير إنها القدرة الإلهية التي تحكم سنن الكون والحياة فلا تند ولا تطغى (1) يقول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} (2){وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (3){وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (4){لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (5) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تتحدث عن الإبداع والانضباط والتي اكتشف العلم شيئا منها فعاد مقرا بالعجز مسلما بالقدرة المهيمنة الشاملة. . .، وإذا كان الأمر هكذا بالنسبة للكون وسننه ونظامه بهذا الوضوح والدقة، فهل هو كذلك بالنسبة لسنن الله في الحياة الاجتماعية؟ نعم: فإن السنن الكونية وسنن الله في الحياة البشرية متعانقتان مطردتان لا تتخلفان ولا تتوقفان، والقرآن يكرر هذه الحقيقة بالنسبة للحياة البشرية حين يقول:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (6)، ويقول في آية أخرى:{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (7).
ويؤكد هذه الحقيقة ويبينها في أعقاب كل جزاء يحل بقوم نتيجة ما قدمت أيديهم، يقول في قريش وما حل بهم يوم بدر:{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (8) ويردف ذلك بأنها سنة عامة إذ يقول: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (9){ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (10) والسنن نوعان: سنن صالحة هادية إلى الحق وإلى طريق
(1) إشارات قرآنية للدكتور عماد الدين خليل، مجلة العربي، العدد 247 - رجب 1399هـ / يونية 79 ص14
(2)
سورة يس الآية 37
(3)
سورة يس الآية 38
(4)
سورة يس الآية 39
(5)
سورة يس الآية 40
(6)
سورة آل عمران الآية 137
(7)
سورة الأحزاب الآية 62
(8)
سورة آل عمران الآية 182
(9)
سورة الأنفال الآية 52
(10)
سورة الأنفال الآية 53