الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطائفة الثانية: طائفة اعترفت بالله، ولكنها كفرت بجزائه ولقائه والبعث ليوم عظيم
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) - وظاهر أن كفرها بالبعث واليوم الآخر كفر بالله، لأن أركان الإيمان الستة متآخية متلازمة، فمن كفر ببعضها كان كافرا بها كلها {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (2){أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (3)، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (4).
(1) سورة المطففين الآية 6
(2)
سورة النساء الآية 150
(3)
سورة النساء الآية 151
(4)
سورة البقرة الآية 85
الطائفة الثالثة: صدقت بالله إلها حقا، قادرا عليما، وعدلا حكيما، واستدلوا على ذلك بعقولهم، وفطرتهم:
فقالوا: إننا إذا تأملنا في أي جهاز من الأجهزة المنظمة كالمذياع (والساعة) مثلا - لا يمكن لعقولنا أن تتصور أن هذا الجهاز نشأ هكذا من غير صانع صنعه، وبنظرنا في هذا العالم نجده قد احتوى على نواميس وقوانين وصنعة في غاية الدقة والحكمة والإتقان، تنبئ بيقين عن صانع قادر حكيم عليم.
وصدقت هذه الطائفة بالبعث أيضا - كما صدقت بالإله - واستدلت كذلك على البعث بقولهم وبفطرتهم: فقالوا: إننا كثيرا ما نرى في هذه الدنيا - طاغيا باغيا ظالما عاتيا، يسفك الدماء، ويهتك الأعراض، ويسلب الأموال، ويعسف بالضعفاء الأبرياء، ثم يموت في أوج عظمته من غير أن ينال جزاءه.
وكثيرا ما نرى - أيضا - ضعيفا، مهيض الجناح، وديع النفس، دمث الخلق، صبورا على البلايا والشدائد، رضيا بالقضاء والقدر، وقد يعتدى عليه فلا
يتسخط ولا يتضجر، ويؤذى فلا يتبرم ولا يجزع، ثم يستمر على ذلك حتى يوافيه أجله من غير أن يأخذ بحقه أو يؤخذ له - وإننا قد آمنا بأن لهذا العالم إلها حكيما، قادرا عليما - فمقتضى حكمته أن تكون هناك دار للفصل والعدل ينال فيها كل إنسان جزاءه الذي فاته في هذه الدار الدنيا.
ونظريتهم هذه قد جاء بها القرآن الكريم في أكثر من موضع، فقال تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (1){أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (2)؟ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (3){مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (4)؟ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (5)؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (6){فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (7). {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} (8). هذه الطائفة الثالثة لو أنها آمنت بالله وبالجزاء واستدلت على ذلك بعقلها وفطرتها - حفظت شيئا، وغاب عنها أشياء - فقد نسيت أو تناست أن أمر البعث واليوم الآخر من الأمور الغيبية، التي لا يمكن للعقل والفطرة - وحدهما - أن يعرفا تفاصيلها بيقين، بل لا بد أن يكون بجانبهما (هاد) يأخذ بيدهما وينير لهما السبيل - حتى لا يضل صاحبهما في متاهات وفي خيارات تنكبه الطريق.
وإن من رحمة هذا الإله الحق الحكم العدل - أن بعث ذلك الهادي المنير، وأنزل وحيه على رسله الذين اصطفاهم وأيدهم بالمعجزات، ليبصروا الناس بما يلزم أن
(1) سورة الجاثية الآية 21
(2)
سورة ص الآية 28
(3)
سورة القلم الآية 35
(4)
سورة القلم الآية 36
(5)
سورة القيامة الآية 36
(6)
سورة المؤمنون الآية 115
(7)
سورة المؤمنون الآية 116
(8)
سورة الحجر الآية 85
يعرفوه عن هذا العالم (الغيب) الذي لا تدرك تفاصيله على الوجه الصحيح - بمجرد العقل والفطرة.
نسيت أو تناست هذه الطائفة ذلك، وتغاضت عن مصباح الوحي وهدي الرسل، فضلت في مفهوم (البعث واليوم الآخر)، وقالوا: إنه بعث بالأرواح لا بالأجساد، وقالوا: إن الحكم العدل سيجزي الأرواح على الخير خيرا، وعلى السوء سوءا {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (1) - أما الأجساد فقد فنيت، فكيف تعود؟
وهنا كانت نكستهم، فوقعوا في حمأة الكفر بإنكارهم البعث الجسماني، وكأني بهم قد تحيزوا إلى الفئة التي قالت:{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (2) - ولنا - نقاش - مع هؤلاء الذين - أنكروا البعث الجسماني، والذين أنكروا البعث مطلقا، أو أنكروا الإله.
(1) سورة الكهف الآية 49
(2)
سورة ق الآية 3
(6 - مناقشات لهذه الطوائف)
الطائفة الأولى: أي التي كفرت بالله، وأنكرت البعث والجزاء: لن أسلك بهذه الطائفة مسلك الفلاسفة، ولن أخوض معهم في تلك المقدمات والأقيسة الطويلة، بل سأكتفي بأن أذكرهم بقانون من كلامهم، وأبني عليه سؤالا قصيرا أوجهه إليهم فإن أجابوا عليه انحل الإشكال {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (1) وإن عجزوا عن الإجابة أحلتهم على موطن الإجابة الكافية الشافية، وإن عاندوا وكابروا - فلا فائدة من مناقشتهم ماداموا مصرين على عنادهم:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (2).
أما قانونهم الذي يقررونه ويدرسونه في العلوم الكونية، ويؤمنون به كإيمانهم بأن السماء فوقنا والأرض تحتنا فهو قانون (القصور الذاتي)، وخلاصته:
(أن كل ساكن يبقى على سكونه حتى يحركه محرك، وكل متحرك يمضي في حركته واتجاهه، فلا يقف عن حركته ولا يلوي عنها إلا بعامل يسكنه، أو يحوله عن اتجاهه).
(1) سورة الأحزاب الآية 25
(2)
سورة البقرة الآية 6
يعني: إن كل شيء يبقى على حالته، ولا يخرج عنها إلا بمخرج يخرجه عنها. هذا هو قانونكم، فاستمعوا لسؤالي:
عناصر الأرض ميتة (أوكسجين أدروجين) وهما (جماد) كما تقولون - ونحن معكم أيضا. فإذا نزل الماء الجماد المركب من عنصرين ميتين على الأرض الميتة - سرت فيها حياة - كما تقولون في (علم الأحياء) ونحن معكم، وقد سبق القرآن بتقرير ذلك أكثر من مرة {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (1){لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} (2){فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (3).
فبالله خبروني: من الذي أخرج الماء الميت المركب من عناصر ميتة، والأرض الميتة - من موتها؟ ومن الذي بعث الحياة في هؤلاء العناصر الأموات؟؟ {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (4).
وبعبارة أخصر وأوضح: (من الذي أخرج الحي من الميت)؟؟؟
(إن أجبتم) بأنه القوي الباطن الذي لا تدركه الأبصار، القادر الظاهر البارئ لما نرى من مخلوقات وآثار، الذي وصف نفسه بقوله:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (5) أكملنا لكم الآية الكريمة من سورة الروم: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (6) وهنا لزمكم الاعتراف بالخالق الباعث.
(وإن عجزتم عن الإجابة) أحلتكم على مواطن الإجابة مسطورة ومنشورة، ومرئية ومسموعة، لكي تنظروها بأعينكم في هذا الكون المملوء بالآيات والآثار والظواهر والأسرار، ولكي تقرءوها، وتسمعوها بآذانكم وتتدبروها وتعوها بقلوبكم وعقولكم - في كتاب ربكم.
(1) سورة الروم الآية 24
(2)
سورة الفرقان الآية 49
(3)
سورة فاطر الآية 9
(4)
سورة الحج الآية 5
(5)
سورة الروم الآية 19
(6)
سورة الروم الآية 19
{انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (1){وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (2){وَفِي أَنْفُسِكُمْ} (3) واقرءوا بتدبر كل آية مختومة بقول الله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} (4) اقرءوا ذلك وأمثاله في سور (الحجر، والنحل، والروم، والنمل، وطه، وياسين، والنبأ، والنازعات، وعبس، والغاشية، والصافات، والطارق، والقيامة، والمرسلات. . .).
(وإن نكلتم عن الإجابة) وأصررتم على العناد - فلا سبيل إلى إقناعكم أو هدايتكم {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} (5){لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (6).
الطائفة الثانية: التي اعترفت بأن للعالم إلها، ولكنها أنكرت البعث وكفرت باليوم الآخر: موقفنا مع هؤلاء في غاية الوضوح:
أنتم صدقتم بأن للعالم إلها حقا - وهذا الإله الحق أخبر عن مجيء اليوم الآخر وعن البعث والجزاء، كما جاء في وحيه وعلى ألسنة رسله، فأنتم بين أمرين:
إما صدقتموه فيما أخبر به من البعث والجزاء. . . إلخ - فأنتم - إذا - مؤمنون بالله واليوم الآخر، فلنحمد الله ولتحمدوه {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} (7).
وإما كذبتموه وأنكرتم ما أخبر به - فأنتم - إذا - مع الطائفة الأولى الكافرة بالله واليوم الآخر - فارجعوا إلى الحوار الذي دار بيننا وبينهم حتى أفحمهم وألجمهم، وألزمهم أن يعترفوا بالإله الحق.
الطائفة الثالثة: التي اعترفت بالإله الحق، القادر، الحكيم، العليم، وآمنت
(1) سورة يونس الآية 101
(2)
سورة الذاريات الآية 20
(3)
سورة الذاريات الآية 21
(4)
سورة الحجر الآية 75
(5)
سورة الأعراف الآية 186
(6)
سورة الشورى الآية 15
(7)
سورة الأعراف الآية 43