الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التغيير في حياة الأمم
وعوامل الثبات والاهتزاز
بقلم الدكتور / أحمد محمد العسال
الأستاذ بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالرياض
حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة كامبرج سنة 1968م.
حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون من معهد الدراسات العربية العالمية بالقاهرة سنة 1959م.
تلقى تعليمه قبل ذلك بثانوية طنطا، ثم بكلية الشريعة بجامعة الأزهر.
معنى التغيير:
قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: التغيير يقال على وجهين: أحدهما لتغيير صورة الشيء دون ذاته، يقال: غيرت داري إذا بنيتها بناء غير الذي كان. والثاني لتبديله بغيره نحو: غيرت غلامي ودابتي إذا أبدلتهما بغيرهما نحو قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1).
وقال في اللسان: (وتغير الشيء عن حاله: تحول، وغيره حوله وبدله كأنه جعله غير ما كان وفي التنزيل العزيز {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (2) قال ثعلب: معناه حتى يبدلوا ما أمرهم الله.
والغير الاسم من التغيير، وأنشد عن اللحياني قوله:
إذ أنا مغلوب قليل الغير
…
. . . . . . . . .
قال: ولا يقال إلا غيرت، وذهب اللحياني إلى أن الغير ليس بمصدر، إذ ليس له فعل ثلاثي غير مزيد، وغير عليه الأمر: حوله. وتغايرت الأشياء اختلفت، والمغير الذي يغير على بعير أداته ليخفف عنه ويريحه. . .
وغير الدهر: أحواله المتغيرة: وورد في حديث الاستسقاء «من يكفر بالله يلق الغير» أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد.
والمتأمل فيما أورده الراغب واللسان يجد الكلمة تأتي لثلاثة معان:
أحدها: تغيير صورة الشيء دون ذاته، وثانيها: تبديله بغيره وهو معنى تحويله وجعله غير ما كان، وثالثها: التخفيف وإصلاح شأن الشيء كما يخفف صاحب البعير عن بعيره من رحله ويصلح من شأنه، وبحثنا سيكون في التغيير بمعنى
(1) سورة الرعد الآية 11
(2)
سورة الأنفال الآية 53
التبديل، والذي وردت الآيتان القرآنيتان فيه، والذي استشهد كل من اللسان والمفردات بهما في توضيح المراد من التبديل، ذلك أننا نريد أن نكتشف عوامل الاهتزاز والضعف التي تودي ببنيان الأمة وتوهنها وتجعلها مستحقة لعقوبة الله ونقمته، ونريد أيضا أن نكتشف عوامل القوة والثبات التي تورث الأمة العزة والقوة والطمأنينة والأمن وتجعلها مستحقة لخلافه الله في الأرض على نحو ما وعد الله أسلافنا ووعدنا في قوله المحكم:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1). لقد قص الله علينا في محكم كتابه قصص أنبيائه ورسله وما حدث لهم مع أممهم وأقوامهم ليبين لنا سننه ونواميسه، وليكون هذا القصص لنا عبرة نتعلم منها، ودروسا نعيها ونستفيد منها لما يحدث في حياتنا وينزل بنا، قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2).
وجعل أيضا في حركة الزمن وتدافع الأمم وصراعاتها ومداولة النصر والهزيمة بينها عبرة تؤخذ، وامتحانا وابتلاء يعرف به الصادقون من غيرهم، وتعرف به سنن الخير والصلاح وسنن النصر والتمكين، وأسباب الهزيمة والفشل، يقول الله تعالى في نهاية قصة سيدنا داود وما حدث له من نصر على جالوت:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3){فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (4).
(1) سورة النور الآية 55
(2)
سورة يوسف الآية 111
(3)
سورة البقرة الآية 250
(4)
سورة البقرة الآية 251