الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستقيم يبين ذلك قول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1){وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (2) والنوع الآخر سنن فاسدة مدمرة تقود إلى الباطل وإلى طريق البوار وذلك على نحو ما أشار القرآن في قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نَعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} (3) وقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (4)» قال في اللسان: يريد من عملها ليقتدي به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سنه (5) والآن وبعد أن وضع لنا معنى التغيير، ودور السنن بقسميها نريد أن نعرف مكان الفطرة البشرية من هذه السنن، وكيف يحدث التغيير فيها، وما العوامل المؤثرة في هذا التغيير إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
(1) سورة النساء الآية 26
(2)
سورة النساء الآية 27
(3)
سورة إبراهيم الآية 28
(4)
رواه مسلم
(5)
لسان العرب / 13/ 225
الفطرة والسنن:
خلق الله عز وجل الفطرة البشرية وأودع فيها حب الخير والاستجابة للحق والرغبة فيه، وجعلها ودينه القيم الذي شرعه لعباده شيئا واحدا، يقول سبحانه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْنَاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1) وانظر إلى تعبير القرآن {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (2) أي جميعهم، ثم قوله سبحانه:{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (3) أي لا تغيير ولا اختلاف ثم قوله في نهاية الآية: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (4)
ويؤكد ذلك ويقرره قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه
(1) سورة الروم الآية 30
(2)
سورة الروم الآية 30
(3)
سورة الروم الآية 30
(4)
سورة الروم الآية 30
أبو هريرة رضي الله عنه: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (2)» الآية.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: (إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا (3)» .
إن أصل سنن الخير والفلاح مصدرها من عند الله عز وجل فله سبحانه المثل الأعلى والأسماء الحسنى والصفات العلا، وهو يحب معالي الأمور ويكره سفسافها؛ لذلك كان الإيمان به مصدر الخير كله وكان الإشراك به ظلما عظيما للفطرة وانتكاسا لها ومخالفا لطبيعتها وللموثق الذي أخذ عليها في عالم الذر، يقول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (4).
ومن هنا إذا دعيت هذه الفطرة إلى الإيمان بالله والقيام بشرائع البر والحق والعدل استجابت، ووجدت في ذلك سعادتها وأمنها وامتدادها، وحققت بذلك سنن الخير والصلاح في حياتها وحياة مجتمعها. أما إذا التوى زمامها وأضلها أولياؤها عن جادة الحق والإيمان بالله، وغذيت بمناهج وعقائد بعيدة عن هداية الله. . انفرط عقدها، وانحلت عروتها فصارت مستعدة لقبول سنن الفساد والضلال ومصداق ذلك ما حدث في الجاهلية قبل الإسلام، ثم ما أحدثه الإسلام في العرب والنقلة التي نقلهم إليها ثم ما نراه اليوم في جاهلية القرن المعاصر، أما العرب في الجاهلية فقد تخبطوا في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم وسياساتهم، عبدوا الأصنام وجعلوها واسطة بينهم وبين الله، وفي عباداتهم طافوا بالبيت عراة وهامت كل قبيلة حول صنم تعظمه وتقدسه، وفي أخلاقهم استحلوا الخمر والزنا، ووأدوا بناتهم وظلموا نساءهم، وفي
(1) صحيح البخاري الجنائز (1385)، صحيح مسلم القدر (2658)، سنن الترمذي القدر (2138)، سنن أبو داود السنة (4714)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 275)، موطأ مالك الجنائز (569).
(2)
سورة الروم الآية 30 (1){فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
(3)
صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 162).
(4)
سورة الأعراف الآية 172