الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسترى من آيات الأكوان ما يؤكد لك اليقين بأن البعث على الله يسير.
وسترى من آيات القرآن التصريح الحاسم الجازم بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (1)، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (2)، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (3).
(1) سورة فاطر الآية 5
(2)
سورة التغابن الآية 7
(3)
سورة الروم الآية 40
(وقفة متأنية أمام قضيتي الموت والبعث)
أما قضية الموت: فلا أظن، ولا إخال إنسانا يظن أن في الدنيا كلها - أحدا ينكرها، فلتوضع في إطار من اليقين والتسليم مع أخواتها المسلمات السبع التي مر بها الإنسان في نشأته، كما كشفت عن ذلك سورة المؤمنين، في قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (1) إلى أن قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (2) ولذلك لا أرى داعيا - الآن - للكلام عن هذه القضية، اللهم إلا تذكرة بتلك الكلمات الحاسمة القاصمة الجازمة، التي قطعت قول كل خطيب، والتي جاءت في ثلاث سور من كتاب الله المحكم، مقرونة بالبعث والجزاء من ناحية -وبالامتحان والابتلاء من ناحية ثانية - أعني قول الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (3) فقد جاءت هذه الكلمة بالحق اليقين في سورة (آل عمران) متبوعة بالبعث والجزاء، ثم بذكر الاختبار والابتلاء، اقرأ الآيتين الكريمتين:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4){لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (5) إلخ الآيات.
(1) سورة المؤمنون الآية 12
(2)
سورة المؤمنون الآية 15
(3)
سورة آل عمران الآية 185
(4)
سورة آل عمران الآية 185
(5)
سورة آل عمران الآية 186
وجاءت - مرة ثانية في (سورة الأنبياء)، متبوعة بالامتحان والابتلاء، ثم بذكر الرجعة والبعث والجزاء:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (1).
وجاءت - مرة ثالثة في (سورة العنكبوت)، وذكر بعدها البعث والرجوع إلى الله مباشرة:{ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (2) أما الفتنة والابتلاء، فقد شاع هذا المعنى في السورة الكريمة بصورة أوضح:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (3) ?? {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (4){وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (5) واستمع لما جاء في السورة الكريمة من ألوان الفتن والابتلاء التي تتجلى في قصص (نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى)، عليهم السلام، وفي (عاد وثمود، وقارون، وفرعون، وهامان) تذكيرا بقضية الموت، التي نحن بصدد الحديث عنها، ثم بالبعث والجزاء - أي الشق الثاني من شقي العقيدة الصحيحة، الإيمان بالله واليوم الآخر، {اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} (6).
وكأني بهذه الآيات الثلاث، المصدرة بقول الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (7) وبأمثالها من الآيات التي تقرن (الموت المسلم به) بالبعث (المحتوم وقوعه) - تنبه القارئ الواعي، المتدبر الكيس، إلى أمرين: هما الإيمان بلقاء الله، والعمل الصالح استعدادا لجزاء الله العادل:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (8)
واقرأ ما شاء الله أن تقرأ عن هذا القانون الإلهي (قانون الموت والحياة)(قانون الابتلاء والجزاء) في سورة (هود، والملك) وغيرهما - قانون الحكم العدل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (9){وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} (10).
(1) سورة الأنبياء الآية 35
(2)
سورة العنكبوت الآية 57
(3)
سورة العنكبوت الآية 2
(4)
سورة العنكبوت الآية 3
(5)
سورة العنكبوت الآية 10
(6)
سورة العنكبوت الآية 36
(7)
سورة آل عمران الآية 185
(8)
سورة الكهف الآية 49
(9)
سورة الملك الآية 2
(10)
سورة هود الآية 7
وخلاصة القول: أن قضية الموت هذه لا ينازع فيها أحد - أيا كان، فكل إنسان يؤمن بها - طوعا أو كرها - وكل حي خاضع لتنفيذها، وإمضائها، عند الأجل الذي سماه الله لها، واستأثر -سبحانه - بعلم زمانها ومكانها:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (1)، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (2).
مسألة اتفق فيها المسلم والكافر، والمؤمن الرباني والزنديق الملحد، والشرقي والغربي - كما يقولون. . . وإن كنتم في شك من هذا - فهاتوا واحدا من العقلاء أي واحد يقول:(إنني لن أموت).
الله أكبر. . . {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} (3){ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} (4).
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (5) - إي والله {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (6) هذه هي: قضية البعث، نوأم الموت وشقيقه، نعم، توءمه في قبضة القدرة، وشقيقه في دائرة الإمكان العقلي، ونظيره وقرينه في تيقن الوقوع الفعلي.
هذه القضية التي تعتبر أصلا من أصول دين الله الإسلام، والتي دعا كل نبي إلى الإيمان بها مع الإيمان بالله وتوحيده، {اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} (7)
(1) سورة لقمان الآية 34
(2)
سورة النحل الآية 61
(3)
سورة الأنعام الآية 61
(4)
سورة الأنعام الآية 62
(5)
سورة السجدة الآية 11
(6)
سورة السجدة الآية 11
(7)
سورة العنكبوت الآية 36
والتي تقتضي المؤمن بها أن يسلك الصراط المستقيم في حياته، وأن يعتصم بحبل الله في تصرفاته، قصدا، وقولا وعملا بقلبه، ولسانه، وجوارحه، والتي تستلزم بالتالي أن يحيا المجتمع المؤمن بها حياة طيبة مباركة، لا ضرر فيها ولا ضرار، ولا عدوان فيها ولا افتراء، ولا بغي فيها ولا تفاحش، بل عدل وإنصاف، وإحسان وإتقان، وبذل وتعاون، كما أمر الله الذي {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (1) هذه القضية ذات الثمرة العاجلة بحياة طيبة، وذات الثمرة الآجلة الدائمة بأجر عظيم ورزق كريم - هي تذكرتنا - الآن بعقيدة من عقائد ديننا الحنيف {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} (3) وضبطا للحديث عنها سنتناول الأطراف الآتية:
(1)
ما هو البعث وما حقيقته؟ (2) ما هي مكانة هذه العقيدة من دين الله الإسلام؟ (3) ما هو موقف الأنبياء السابقين وأممهم من هذه العقيدة؟ (4) دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بها، والعمل للقاء الله في يومها (5) فرق الناس وموقفهم حيال هذه العقيدة (6) مناقشة هذه الطوائف (7) الرد على الشبه التي أثاروها. (8) أثر هذه العقيدة في سلوك الإنسان (9) أثرها في (2) نظام المجتمع الذي يعتقدها، ويؤمن بمجيئها، وإليك الحديث عن كل ناحية من هذه النواحي:
(1) سورة النحل الآية 90
(2)
سورة الذاريات الآية 55
(3)
سورة الروم الآية 56
1 -
(ما هو البعث؟ وما المراد منه في عرف العقيدة)؟
البعث في لغة العرب: إثارة الشيء المستكن. ومعناه في اصطلاح العقائد والمراد به: (إحياء الله الناس مرة ثانية بعد موتهم، ليجزيهم في هذه الحياة الثانية على