المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: معتدة بالحمل: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌الأوقاف على الجهات العامة لا تجب فيها

- ‌ الموقوف على الضيف وفي أضاحي ووجوه الخير

- ‌الوقف على معين تجب فيه

- ‌إذا ادعى أن المواشي وقف

- ‌الرصيد في البنك المقفل

- ‌الدين لا يمنع زكاة الأموال الظاهرة

- ‌هل تجب في النصاب الذي وجبت فيه

- ‌لا تسقط الزكاة ولو أعسر بعد وجوبها

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ما بلغ نصابا وحال عليه الحول ففيه زكاة

- ‌المال الموضوع في البنك الإسلامي حكمه حكم غيره من الأموال

- ‌حكم التعامل مع البنوك بالربا وزكاتها

- ‌حكم زكاة النقود العربية والأجنبية المجموعة على سبيل الهواية

- ‌حكم زكاة أقلام الذهب

- ‌ما يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة

- ‌الأرض المعدة للبيع تجب فيها زكاة

- ‌قول المالكية في زكاة عروض التجارة قول ضعيف

- ‌حكم زكاة الأرض التي تركت لوقت الحاجة

- ‌لا زكاة في الأراضي التي اشتريت للبناء عليها من أجل السكن أو الإيجار

- ‌حكم زكاة الأرض التي يتردد صاحبها في بيعها ولم يجزم بشيء

- ‌كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع والتأجير

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ هل تتحجب الأم من زوج ابنتها

- ‌ معلومات حول زرع الأعضاء أو نقل أعضاء الإنسان

- ‌هل الطلاق في حديث النفس يقع

- ‌ حكم أكل اللحوم (عدا الخنزير طبعا) والدجاج

- ‌ السباحة المختلطة بين الأطفال

- ‌ هل يجوز لغير المسلم مس مصحف يشتمل على القرآن الكريم وترجمة أعجمية لمعاني الآيات

- ‌ الفوائد التي تدفعها البنوك على الأموال المودعة لديها

- ‌ حكم إزالة المنفسة التي يضعون فيها المريض المهدد بالموت

- ‌ الفوائد الربوية من الأموال المحرمة

- ‌ استثمار أموال الزكاة

- ‌ شروط زواج مسلم بغير مسلمة

- ‌ الفتوى الشرعية بخصوص ولد الزنا إذا أقر به والده وطلب أن ينسب إليه

- ‌ المحاريب في المساجد

- ‌ الصلاة في مسجد فيه قبر

- ‌ حكم الإسلام في الصلاة في المسجد الذي فيه بعض القبور

- ‌ الصلاة في مسجد به ضريح ميت

- ‌البحوث

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌القسم الأول: أثر الصلاة في القضاء الحاجات وكشف الكربات:

- ‌القسم الثاني: الأحاديث الواردة في صلاة الحاجة:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌حديث "المؤمن القوي خير وأحب إلى اللهمن المؤمن الضعيف وفي كل خير .... "دراسة عقدية

- ‌ملخص البحث:

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف

- ‌المبحث الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم «احرص على ما ينفعك واستعن بالله

- ‌المبحث الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم «ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا

- ‌الخاتمة:

- ‌العدة من الموانع المؤقتة للنكاحدراسة فقهية

- ‌الفصل التمهيدي:في التعريف بمفردات البحث:

- ‌الفصل الأولالأصل في وجوب العدة وحكمها وأحكامها والحكمة من مشروعيتها

- ‌الفصل الثانيأقسام المعتدات وأحكام كل منها

- ‌أولا: معتدة بالقروء:

- ‌ثانيا: معتدة بالشهور

- ‌ثالثا: معتدة بالحمل:

- ‌الفصل الثالثمسائل متفرقة ومتعددة في العدة

- ‌الخاتمة:

- ‌حفظ الأعراض:

- ‌مداخل الأمانة:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بدء المخاطبة والكلام بالسلام:

- ‌المبحث الثاني: لين الكلام وطيبه وانتقاء الألفاظ والجمل الحسنة عند مخاطبة الناس:

- ‌المبحث الثالث: اجتناب الكلام الفاحش والألفاظ السيئة:

- ‌المبحث الرابع: استشعار مسؤولية الكلمة وخطورتها:

- ‌المبحث الخامس: مراعاة المخاطبين:

- ‌المبحث السادس: مراعاة أسلوب عرض الخطاب:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ثالثا: معتدة بالحمل:

‌ثالثا: معتدة بالحمل:

تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل مطلقا ولو بعد ساعة من مفارقة زوجها لها حيا أو ميتا، مطلقة بائنة كانت أو رجعية (1) حرة أو أمة مسلمة أو كتابية (2) هذا على الراجح من أقوال أهل العلم (3) استنادا على قول الحق عز وجل:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4).

وقد انقسمت آراء الفقهاء في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها إلى فريقين:

الفريق الأول:

القائل بأن عدة الحامل أقصى الأجلين من وضع الحمل أو التربص أربعة أشهر وعشرا والمقصود بأبعد الأجلين أنها إذا وضعت حملها قبل مضي أربعة أشهر وعشر تبقى معتدة حتى انقضائها، أما إذا

(1) انظر: زاد المعاد 5/ 527، المغني 11/ 194.

(2)

انظر: الفواكه الدواني 2/ 62 - 63.

(3)

انظر: الروض المربع 2/ 902، مختصر اختلاف الفقهاء 2/ 392 - 393.

(4)

سورة الطلاق الآية 4

ص: 215

مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع حملها تنتظر حتى وضع الحمل (1) وهذا القول مروي عن عدد من الصحابة.

أدلة هذا الرأي من الكتاب:

الجمع بين عموم آيتين في كتاب الله: الأولى: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (2) وفيها بيان لعدة المتوفى عنها زوجها.

الثانية: قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3) وفيها انقضاء العدة بوضع الحمل.

والجمع بين الآيتين أنها إذا تربصت أقصى الأجلين عملت

(1) انظر: نيل الأوطار 7/ 88، المجموع 18/ 149.

(2)

سورة البقرة الآية 234

(3)

سورة الطلاق الآية 4

ص: 216

بمقتضى الآيتين (1) وإن عملت بآية وضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة والجمع أولى من الترجيح (2).

من المعقول:

في الآيتين عمومان ولا يمكن تخصيص عموم إحداهما بخصوص الأخرى، ولكن يمكن دخول بعض الصور في عموم الآيتين بمعنى إعمال للعموم في مقتضاه، فإذا اعتدت المتوفى عنها زوجها الحامل أقصى الأجلين دخل أدناهما في أقصاهما (3).

الفريق الثاني:

القائل بأن عدة المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل ولو كان الزوج على مغتسله.

وإليه ذهب جمهور الصحابة ومن بعدهم والأئمة الأربعة.

(1) انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 415، زاد المعاد 5/ 530، بدائع الصنائع 3/ 197.

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 175.

(3)

انظر: بحث حقوق المتوفى في التشريع الإسلامي 709.

ص: 217

3 أدلة هذا الرأي من الكتاب:

عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1) في كل من مات عنها زوجها، أما قوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (2)(3) خاصة فيمن مات زوجها وهي حامل فتنقضي عدتها بوضع الحمل والخاص أولى في الاعتبار من العام.

من السنة:

روت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم «أن امرأة من أسلم يقال لها: سبيعة كانت تحت زوجها، توفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين. فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انكحي (4)»

(1) سورة البقرة الآية 234

(2)

سورة الطلاق الآية 4

(3)

انظر: تفسير فتح القدير 1/ 248، زاد المعاد 5/ 529، المغني 11/ 228.

(4)

أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " رقم الحديث (5318)، ومسلم كتاب الطلاق باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل رقم الحديث (1485).

ص: 218

وهذا صريح في انقضاء العدة بالوضع وفيه دليل صريح على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل وإن كان لدون أربعة أشهر وعشر (1).

من الآثار:

قول ابن مسعود رضي الله عنه: " إذا وضعت المتوفى عنها زوجها فقد حلت ".

وقوله رضي الله عنه: " تجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة "(2).

والمراد بالتغليظ أبعد الأجلين من وضع الحمل أو أربعة أشهر وعشر، والمراد بالرخصة وضع الحمل قبل مضي أربعة أشهر وعشر.

وعليه فآية وضع الحمل مخصصة لآية الاعتداد بالأشهر ومبينة للمراد منها (3) وتخصيص عموم آية وضع الحمل بآية الاعتداد بالأشهر تخصيص عموم بلا دلالة فلا يعمل به (4) أما عموم آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (5)

(1) انظر: فتح الباري 9/ 474.

(2)

سنن النسائي كتاب الطلاق باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها 6/ 197.

(3)

انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 3/ 17، زاد المعاد 5/ 532.

(4)

انظر: أحكام القرآن، للجصاص 3/ 458.

(5)

سورة البقرة الآية 234

ص: 219

فهو مخصص بآية: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (1)(2).

وحديث ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل، فقال:" إذا وضعت حملها فقد حلت "(3).

من الإجماع:

فقد أجمع أهل العلم في جميع الأمصار على أن المتوفى عنها زوجها الحامل أجلها وعدتها تنقضي بوضع الحمل (4).

من المعقول:

إن وضع الحمل يدل على براءة الرحم من الحمل بيقين ومن حكم مشروعية العدة التحقق من براءة الرحم من الحمل (5) فتنقضي

(1) سورة الطلاق الآية 4

(2)

انظر: نيل الأوطار 7/ 89.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ كتاب الطلاق /باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا رقم 1247.

(4)

انظر: المغني 11/ 227.

(5)

انظر: المغني 11/ 228، بدائع الصنائع 3/ 187، الفواكه الدواني 2/ 62.

ص: 220

عدتها بوضع الحمل كالمطلقة (1).

الرد على أدلة الفريق الأول:

(1)

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (2) عامة في المتوفى عنها زوجها ما عدا الحامل فقد خرجت بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3).

(2)

آية العدة بوضع الحمل مخصصة لآية الاعتداد بالأشهر (4).

(3)

صريح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في انقضاء عدة الحامل بوضع الحمل. والصريح أولى بالاعتبار من غيره.

الراجح:

القول الثاني القائل بأن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل لقوة أدلة القائلين به وضعف أدلة القول الأول،

(1) انظر: المغني 11/ 228.

(2)

سورة البقرة الآية 234

(3)

سورة الطلاق الآية 4

(4)

انظر: نيل الأوطار 7/ 89.

ص: 221

إضافة لأن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها قد تكون أكثر من عدة غير الحامل وذلك إذا توفي عنها زوجها وهي في بداية حملها منه والله أعلم.

ومع المعتدة بالحمل نقف وقفتين:

أولا: الحمل الذي تنقضي به العدة.

ثانيا: مدة الحمل.

وتفصيل الوقفة الأولى ما يلي:

الحمل الذي تنقضي به العدة:

عند عامة العلماء تنقضي العدة بوضع ما تبين فيه خلق إنسان ولو خفيا، وإذا ولدت ولدا وفي بطنها آخر لم تنقض العدة حتى تلد الآخر (1) أما إذا كان الحمل علقة فوضعتها المرأة فلا تنقضي به

(1) انظر: الفواكه الدواني 2/ 62.

ص: 222

العدة بإجماع جمهور الفقهاء.

أما ما عدا ذلك فقد وردت اختلافات الفقهاء فيها على النحو التالي:

عند الحنفية: (1) شرط انقضاء العدة أن يكون ما وضعته المرأة قد استبان خلقه أو بعض خلقه، فإن لم يستبن بأن أسقطت علقة أو مضغة لم تنقض العدة لاحتمال أن يكون واحتمال ألا يكون فيقع الشك في وضع الحمل، والعدة لا تنقضي بالشك.

عند المالكية (2) إن أسقطت الزوجة سقطا لم يتبين شيء من خلقه سواء كان علقة أو مضغة أو عظما أو دما إذا ثبت عند النساء من أنه شيء يستقين أو يكون منه ولد فإنه تنقضي به العدة.

عند الشافعية (3) والحنابلة (4): إذا ألقت المرأة بعد فرقة زوجها

(1) انظر: بدائع الصنائع 3/ 196، البحر الرائق 4/ 147.

(2)

انظر: بلغة السالك 1/ 461.

(3)

انظر: المجموع 18/ 127 - 128، كتاب العدد من الحاوي الكبير 1/ 279 وما بعدها.

(4)

انظر: المغني 11/ 230 - 231، شرح منتهى الإرادات 3/ 218.

ص: 223

شيئا لم يخل أن يكون ما بان فيه هو الشكل الآدمي من الرأس واليد والرجل فهذا تنقضي به العدة بلا خلاف أو أن يكون ما ألقته:

نطفة أو دما؛ فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولد لا بالمشاهدة ولا بالبينة.

2 -

أن تلقي مضغة لم يتبين فيها الخلقة، فشهد أربع ثقات من النساء القوابل أن فيه صورة الآدمي فتنقضي به العدة عند بعض الشافعية والحنابلة (1).

3 -

إذا ألقت مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فلا تنقضي به العدة؛ لأنه لم يثبت كونه ولدا ببينة ولا مشاهدة فأشبه العلقة، ولا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال سواء كان نطفة أو علقة، سواء قيل إنه مبتدأ خلق آدمي أو لم يقل (2).

4 -

أن تضع مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها

(1) عند الشافعية وأحمد قولان في انقضاء العدة به. انظر: المجموع 18/ 128.

(2)

انظر: المجموع 18/ 128.

ص: 224

مبتدأ خلق آدمي فهذا لا تنقضي به العدة.

وأقل ما تنقضي به العدة من الحمل أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله، ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة (1)»

ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن تكون بعد الثمانين، فأما ما بعد الأربعة أشهر فليس فيه إشكال لأنه ينكس في الخلق الرابع (2).

وعليه فيشترط في الحمل الذي تنقضي به العدة:

(1)

أن يتبين فيه خلق الإنسان.

(2)

أن يكون منسوبا شرعا إلى من له العدة. (3) وهذا يتحدد حسب مدة الحمل ويأتي تفصيلها في الوقفة الثانية.

(1) أخرجه البخاري كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة رقم (3208).

(2)

انظر: المغني 11/ 231.

(3)

انظر: الشرح الممتع 13/ 339.

ص: 225

أما تفصيل الوقفة الثانية ما يلي:

مدة الحمل: هناك أقل مدة للحمل وأكثر مدة للحمل وأغلب مدته، أما أقل مدة للحمل فقد اتفق الفقهاء على أن أقل مدة للحمل ستة أشهر وقد سبق القرآن الكريم إلى ذلك بتقرير أقل مدة للحمل الذي يعيش بعد الولادة وهي عند الفقهاء والأطباء (1) ستة أشهر (2) قمرية وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله صاحب كتاب تطور الجنين وصحة الحمل من اعتماد التقويم القمري للحساب الدقيق لمدة الحمل جاء ذلك في قوله (3) " وقد بينت المؤلفات الأجنبية لعلم الجنين أن التقويم القمري (الهجري) أفضل في تقدير عمر الجنين وزمن ولادته من التقويم الميلادي، ووضعت جميع جداولها على التقويم القمري (الهجري) والشهر القمري إما تسع وعشرون ليلة أو ثلاثون ليلة جاء ذلك نصا في قول المصطفى عليه الصلاة

(1) انظر: الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 364، مع الطب في القرآن الكريم 25.

(2)

الشهر في اللغة: معناه القمر، قال ابن الأثير: الشهر الهلال. انظر: لسان العرب مادة (شهر).

(3)

ص 410.

ص: 226

والسلام: «الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (1)»

والمدة مستنبطة من قول الحق عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2).

والثلاثون شهرا هي مدة الحمل والفصال معا، وقوله عز من قائل:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3) مع قوله سبحانه وتعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (4).

(1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (1970).

(2)

سورة الأحقاف الآية 15

(3)

سورة البقرة الآية 233

(4)

سورة لقمان الآية 14

ص: 227

وهذه مدة الفصال فقط - فالباقي من الثلاثين ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل. أخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره قوله تعالى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (1) قال: " إذا حملته تسعة أشهر أرضعته واحدا وعشرين شهرا، وإن حملته ستة أشهر أرضعته أربعة وعشرين شهرا " ثم قرأ (2){وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (3).

روي أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأة وقد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فقال:" ليس عليها رجم، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليه فسأله فقال: " قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (4) وقال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (5) فستة أشهر حمله لا حد عليها أو قال " لا رجم عليها"، فخلى عمر عنها.

وقد استنتج الإمام علي رضي الله عنه من هذا الاستدلال إلحاق المولود لستة أشهر بأبيه (6).

(1) سورة الأحقاف الآية 15

(2)

انظر: المستدرك على الصحيحين 2/ 163، قال الحاكم:" صحيح الإسناد ".

(3)

سورة الأحقاف الآية 15

(4)

سورة البقرة الآية 233

(5)

سورة الأحقاف الآية 15

(6)

انظر: تفسير القرآن العظيم 4/ 169.

ص: 228

جاء في كتاب العدد من الحاوي في تفصيل هذه المدة قوله (1) " ولا تخلو هذه المدة من أربعة أحوال:

إما أن تكون جامعة لأقلهما، أو لأكثرهما، أو لأكثر الحمل وأقل الرضاع، أو لأقل الحمل وأكثر الرضاع. فلم يجز أن تكون جامعة لأقلهما؛ لأن أقل الرضاع غير محدد، ولم يجز أن تكون جامعة لأكثرهما لزيادتهما على هذه المدة، ولم يجز أن تكون جامعة لأكثر الحمل وأقل الرضاع؛ لأن أقله غير محدد، فلم يبق إلا أن تكون جامعة لأقل الحمل وأكثر الرضاع ".

وعلى ذلك فانقضاء أقل مدة الحمل والوضع بعده يثبت كافة الأحكام الخاصة بذلك وهي المدة التي قرر لأطباء إمكانية حياة الجنين بعدها، أما الولادة قبل هذه الفترة تسمى إسقاطا والجنين غير قابل للبقاء حيا فيها - إلا بإذن الله تعالى - أما الولادة بعد هذه المدة تسمى خداجا والخديج من يولد بعد ستة أشهر وقبل تمام

(1) 1/ 351.

ص: 229

تسعة أشهر وهذا المولود قابل للحياة ولكنه يحتاج إلى عناية خاصة - والله أعلم - (1).

أقصى مدة الحمل:

الفراش جهة من جهات النسب المجمع عليها، والنسب يحتاط لإثباته ما أمكن، والنكاح يثبت به الفراش، ومطلق الفراش ينصرف إلى الصحيح (2) فالزوجة تحت الزوج فراش والولد يلحق بصاحب الفراش إلا أن ينفيه باللعان قال صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش، وللعاهر الحجر (3)»

(1) انظر: مع الطب في القرآن الكريم 25، الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 364، مشكلة الإجهاض 10.

(2)

انظر: زاد المعاد 5/ 368.

(3)

رواه البخاري، كتاب الفرائض، باب الولد للفراش (6749).

ص: 230

وقد اختلف الفقهاء في تحديد أقصى مدة الحمل؛ وذلك لأن تقدير هذه المدة لا توقيف فيها ولا اتفاق (1) وعليه فلا دليل من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة على التحديد الدقيق لهذه المدة.

وكل ما احتاج إلى حد أو تقدير إذا لم يتقدر بشرع ولا لغة كان مقداره بالعرف والوجود كالحيض والنفاس ومدة الحمل (2).

أشهر آراء الفقهاء في أقصى مدة الحمل:

الرأي الأول:

أكثر مدة الحمل سنتان، وذلك عند الحنفية (3) ورواية للحنابلة (4).

أدلة الرأي الأول:

1 -

قول عائشة رضي الله عنها " ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين، ولا قدر ما يتحول ظل عود المغزل ".

(1) انظر: المغني 7/ 477.

(2)

انظر: كتاب العدد من الحاوي 1/ 320، شرح الزركشي على متن الخرقي 3/ 470.

(3)

انظر: بدائع الصنائع 3/ 212، المبسوط 6/ 44، مجمع الأنهر 1/ 474، البحر الرائق 4/ 147.

(4)

انظر: المغني 7/ 477.

ص: 231

هذه الرواية عن مجهولة واختلفت الأقوال فيها:

ذهب صاحب بدائع الصنائع إلى (1) أنها رضي الله عنها قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد ولا يظن بها أنها قالت ذلك جزافا أو تخمينا فتعين السماع.

أما صاحبة كتاب الآثار المترتبة على الطلاق (2) فترجع قول أم المؤمنين رضي الله عنها إلى أنه " رأي بناء على ما شاهدته أو سمعته من أحوال النساء، ولم يكن بناء على السماع من رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه المدة وهي السنتان وإن كانت لا تدرك بالعقل ولكن يمكن معرفتها عن طريق المشاهدة أو الإخبار عنها.

وأبعد ما تكون عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام ".

2 -

ما روي أن عمر رضي الله عنه أثبت نسب ولد المرأة التي غاب عنها زوجها سنتين ثم قدم فوجدها حاملا، فهم عمر برجمها فقال له

(1) 3/ 211.

(2)

ص 277 بتصرف يسير.

ص: 232

معاذ: إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها حتى ولدت ولدا قد نبتت ثنياه يشبه أباه، فلما رآه قال:" ولدي ورب الكعبة " فإنما هو بقيام الفراش ودعوى الرجل نسبه.

الرأي الثاني: أكثر مدة الحمل أربع سنوات وذلك عند الشافعية وظاهر مذهب الحنابلة ورأي عند المالكية (1).

وعليه فلو أتت المرأة بولد لأربع سنين فما دونها من يوم طلاقها أو موت زوجها ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء أو الاستبراء ولا بوضع الحمل فإن الولد لاحق بالزوج والعدة منقضية به (2).

(1) انظر: شرح منح الجليل 2/ 380، القوانين الفقهية 157، شرح الزركشي على متن الخرقي 3/ 470.

(2)

انظر: مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام 138، شرح الزركشي 3/ 471.

ص: 233

أدلة الرأي الثاني:

1 -

قول الإمام مالك بن أنس بعد أن ذكر له قول عائشة رضي الله عنها " ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين، ولا قدر ما يتحول ظل عود المغزل ".

فقال " سبحان الله. من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة صدق، وزوجها رجل صدق وحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين ".

السؤال الذي يطرح نفسه: أين مدة الرضاع عند هذه المرأة التي ولدت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل أربع سنوات ثم تلد وهكذا

؟

فقد تكون لم تر الحيض خلال فترة الرضاع، أو انقطع عنها الدم لسبب آخر ثم حملت قبل أن تراه، فحكم على كامل المدة أنها مدة حمل، وقد تكون حالة نادرة وليست عامة - والله أعلم بالصواب -.

2 -

عدة من ارتفع حيضها وهي من ذوات الأقراء ولا تدري

ص: 234

ما سببه أربع سنوات حتى يتيقن براءة رحمها ثم تعتد بثلاثة أشهر وهو قول للشافعي (1).

ولا يخفى ما في هذا من تطويل للعدة بغير حاجة لذلك، وفيه ضرر على الزوجين؛ الزوج بإيجاب النفقة عليه لزوجته طوال هذه المدة، والزوجة بمنعها من الزواج طوال هذه المدة أيضا.

إضافة إلى أن المرأة قد ينقطع حيضها لسبب غير الحمل.

3 -

عدة امرأة المفقود أربع سنوات ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وهذا قضاء عمر وعثمان رضي الله عنهما أخذ به الإمام أحمد وتابعه ابن تيمية (2) وهذا حتى يتيقن براءة رحمها من الحمل.

4 -

أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد الحمل لأربع سنوات (3).

الرأي الثالث: أكثر الحمل خمس سنين (4) وهذا هو المشهور

(1) انظر: المجموع 18/ 136.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى 20/ 576.

(3)

انظر: كتاب العدد من الحاوي 1/ 320، شرح الزركشي 3/ 471.

(4)

انظر: مواهب الجليل 4/ 151، بداية المجتهد 2/ 93، القوانين الفقهية 157.

ص: 235

عند المالكية، وروي عن مالك سبع سنين (1).

أدلة الرأي الثالث: لم أقف عليها ولكن قد يكون قد وجد هذا - والله أعلم -.

الرأي الرابع: أكثر مدة الحمل تسعة أشهر، وذلك عند الظاهرية (2) وبعض فقهاء المذاهب (3).

أدلة الرأي الرابع:

1 -

أن غالب مدة الحمل تسعة أشهر (4) وندرت الزيادة عليها.

2 -

لأن المطلقة ذات الأقراء إذا ارتفع حيضها، ولم تدر ما سببه تعتد سنة، تسعة أشهر منها لتعلن براءة رحمها من الحمل؛ لأن هذه غالب مدته ثم تعتد عدة الآيسات ثلاثة أشهر. هذا مذهب مالك (5) وأحد قولي الشافعي (6) ومذهب

(1) انظر: القوانين الفقهية 157.

(2)

انظر: المحلى 10/ 285.

(3)

انظر: بداية المجتهد 2/ 93، القوانين الفقهية 156، المغني 7/ 477.

(4)

انظر: بداية المجتهد 2/ 93، القوانين الفقهية 156.

(5)

انظر: بداية المجتهد 2/ 93.

(6)

انظر: المجموع 18/ 135.

ص: 236

الحنابلة (1) وقد اختاره ابن قدامة (2) وشيخ الإسلام ابن تيمية (3) وهو مروي عن عمر رضي الله عنه ولا مخالف له من المهاجرين والأنصار (4) وذلك في قوله رضي الله عنه " أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلك، وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر بثلاثة أشهر ثم حلت ".

جاء في المحلى (5) فهذا عمر رضي الله عنه -لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر ".

أمر عمر رضي الله عنه من انقطع دمها أن تنتظر تسعة أشهر حتى يستبين حملها ولم يصرح فيه بأن هذه أقصى مدة الحمل

(1) انظر: المغني 7/ 447.

(2)

انظر: اختيارات ابن قدامة الفقهية 3/ 313.

(3)

انظر: مجموع الفتاوي 34/ 21، تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لابن تيمية 2/ 842.

(4)

انظر: المغني 7/ 466، مجموع الفتاوى 34/ 21.

(5)

10/ 217.

ص: 237

بل أمرها بذلك لأن هذه غالب مدته، ولو كانت التسعة أشهر هي أقصى مدته لبينها أو لحسب معها الحيضتين السابقتين للانقطاع، كما أن الله عز وجل حدد للصغيرة والآيسة ثلاثة أشهر وهي ليست أقصى مدة الحمل فهما لا تحملان أصلا، وللمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا وهي أيضا ليست أقصى مدة الحمل (1).

3 -

التسعة أشهر هي أيضا عدة للمستحاضة - وهي التي جهل حيضها - وذلك عند الإمام أحمد (2) ومالك (3) والظاهرية (4) وما ذلك إلا لأن هذه هي غالب مدة الحمل.

وأرى أن هذا الاستدلال لا أصل له ولم أقف عليه فيما تيسر لي مراجعته من كتب الفقهاء.

الرأي الراجح:

وبعد هذا الاستعراض لآراء الفقهاء وأدلتهم في تحديد أقصى مدة

(1) انظر: ثبوت النسب 65.

(2)

انظر: المغني 7/ 466.

(3)

انظر: الموطأ 2/ 583.

(4)

انظر: المحلى 10/ 271.

ص: 238

الحمل فأنتهي من حيث ابتدأت بأن المتفق عليه أن تحديد هذه المدة لا توقيف فيه ولا اتفاق (1) وما اعتمده الفقهاء من تحديد استند إلى وقائع جزئية لا تفيد تقديرا صحيحا وعاما لأقصى مدة الحمل، وكأنما ارتكزت آراؤهم عليه هو انقطاع حيض المرأة وهو في الغالب علامة حملها وقد تطول فترة الانقطاع ثم يحصل بأمر الله الحمل دون أن ترى المرأة الدم فتبني مدة الحمل على خطأ واشتباه ظنا أن مدة الانقطاع مضافا إليها مدة الحمل الحقيقية كلها مدة للحمل (2).

وتبقى غالب مدة الحمل تسعة أشهر، وإنما بنى فقهاؤنا الأجلاء أحكامهم على ما ثبت وجوده وقد وجد من تعدت بحملها التسعة أشهر فوجب اعتباره لما يترتب عليه من الأحكام الشرعية. وهذا لا يعني الوقوف عندما توصلوا إليه وعدم الاستفادة من التسهيلات العلمية والطبية المتاحة؛ بل إن الرجوع والاستناد إلى أصحاب التخصص في تحديد مدة الحمل أصبح لزاما خصوصا عند الاختلاف والتعارض في تحديده لأن الحمل ومدته أساس ومناط لكثير من الأحكام الشرعية ولنا أخيرا النظر بعين أصحاب التخصص

(1) انظر: المغني 7/ 477.

(2)

انظر: الطفل في الشريعة الإسلامية 49، الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 364 – 366.

ص: 239

- الأطباء - في مدة الحمل.

فللأطباء في تحديد أقصى مدة الحمل آراء تتلخص في الآتي:

1 -

المدة الحقيقية للحمل ستة وستون ومائتا يوم يحدد تاريخ بدء آخر حيضة حاضتها المرأة الحامل ثم يضاف إليها تسعة أشهر وتسعة أيام وذلك موعد الولادة بالتقريب، قد يزيد أياما أو قد ينقص عنها، ولا تزيد أكثر مدة الحمل عند الأطباء عن شهر بعد ذلك.

2 -

غالب مدة الحمل إحدى وثمانون ومائتا يوم أو اثنان وثمانون ومائتا يوم، ابتداء من أول يوم لآخر حيض قبل الحمل. وهذه عشرة أشهر قمرية (1).

3 -

تمام تسعة أشهر أو سبعون ومائتا يوم هي أقصى مدة للحمل (2).

4 -

غالب مدة الحمل أربعون أسبوعا (3) هناك نسبة قليلة من

(1) انظر: المرأة في سن الإخصاب وسن اليأس 89.

(2)

انظر: مع الطب في القرآن 25، الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 364.

(3)

انظر: المرأة في سن الإخصاب وسن اليأس 89.

ص: 240

النساء - ثلاثة بالمائة - من يلدن في الأسبوع الرابع والأربعين أي في مدة أقصاها عشرة أشهر.

وعليه فأقصى مدة للحمل تنحصر بين الأسبوع الثامن والثلاثين إلى الأسبوع الأربعين وهذا ما يعادل بالأيام ستة وستين ومائتي يوم إلى ثمانين ومائتي يوم قد تزيد هذه المدة أياما أو قد تنقص أياما، إلى أن تصل حدها الأقصى في النادر عند بعض النساء وهو أربع وأربعون أسبوعا.

واختلافهم اليسير صدر عن صعوبة تحديد وقت ابتداء الحمل تحديدا دقيقا، وهو يحصل غالبا بعد اليوم الرابع عشر من آخر حيضة حاضتها الحامل.

وأخيرا فمن فضل الله علينا أنه من علينا وكفانا مؤنة البحث والتحديد لمدة الحمل بما يسره عز وجل من إمكانيات علمية وطبية

ص: 241