الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا دين لمن لا عهد له (1)» والعهد من الأمانات.
وتأتي الأمانة في كثير من الأوامر الشرعية، مقترنة بالإيمان، فهما متلازمان، وما ذلك إلا أن صفة الأمانة مع كون اشتقاقهما اللغوي واحدا، لا تتأصل إلا في جذور الأفئدة الطيبة المؤمنة، ولا تستقر إلا في سويداء القلوب، المطمئنة الطاهرة، المستنيرة بنور القرآن الكريم، والحريصة فهما واستيعابا، ثم تطبيقا وعلما، للسنة المطهرة.
(1) ينظر هذا الكتاب 7: 223 - 224 برقم 2661، 2663 الطبعة الأولى 1413 هـ - 1993 م مكتبة النهضة الحديث بمكة.
حفظ الأعراض:
لئن كانت قد عصفت بالمسلمين في الصدر الأول عاصفة وقع فيها من وقع، إما عن حسن نية من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم، أو خبث طوية من بعض الوافدين على المدينة - من غير الصحابة رضي الله عنهم الذين يحملون نزعات وغايات، وبعض الشبهات التي وقع فيها من وقع، كما يمر بالأفراد والجماعات، في كل زمان ومكان مثلها أو أقل منها ضررا.
هذه العاصفة تعتبر أول فتنة، في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبرز ضحاياها: الخليفة الراشد الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعض
الصحابة الأخيار، فإن من الأمانة: قديما وحديثا عدم الدخول فيما شجر بينهم، وعدم تكرار الحديث: تحليلا وتفسيرا.
فقد فسره بعضهم من باب التلبيس على الصحابة وغيرهم - بمنظرهم المخالف لما ارتسم في مخيلة علماء الإسلام، الذين سكتوا عن الخوض فيها، حفظا للأعراض، وتورعا ومهابة، وإجلالا للرعيل الأول، وهم الصحابة خير هذه الأمة، وقالوا عمن شارك: كل منهم مجتهد، فرضي الله عن مصيبهم، وغفر الله لمن أخطأ منهم.
وقد ندم واعتزل بعضهم، بما ينير الدرب للآخرين. للابتعاد عن الأمور المشتبهة بعدما أقدموا على سفك دم حرام، فيه وعيد من الله ورسوله.
ولم يتعرضوا للصحابة، بقدح، ولا للعمل بتأييد .. وهذا من أمانة حفظ اللسان، وأمانة الذب عن أعراض الجيل الأول، لأنهم خير القرون من بعده صلى الله عليه وسلم، ومن أمانة السكوت عن الفتنة «لأن من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة (1)»
وجاء عند أبي داود، حديث عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمى مؤمنا من منافق، بعث الله له ملكا
(1) أخرجه الترمذي عن أبي الدرداء مرفوعا، وحسنه: ينظر كشف الخفاء للعجلوني الطبعة الثالثة عام 1352 هـ ج 2: 250.
يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، حتى يخرج مما قال (1)»
وبين فينة وأخرى يأتي من ينبش هذا الموضوع، إرضاء لأهل الأهواء، ولمن يحب الإثارة في التلبيس والكذب والدس، في تاريخ الإسلام، وبوقا أصحاب الغايات التي تتكرر من آن لآخر، ليفسروا الوقائع كما يحلوا لهم، وفق تحليل المستشرقين للوقائع. من زاوية الدس في تاريخ الإسلام، باسم الدراسة التحليلية، وإعادة قراءة التاريخ، ومثلهم من يخوضون في أعراض: علماء وقادة الإسلام، بما يريدون، لما فيه من إرضاء لأولئك المستشرقين .. .
لكن الله سبحانه وتعالى يقيض رجالا يدافعون، وينقضون تلك الشبهات، ويذبون عن أعراض أسلافنا، وهم كثير بحمد الله، في كل زمان ومكان.
وقد وقع نظري على كلام للشيخ: محمد الغزالي رحمه الله سخر قلمه لما رأى رؤوسا للفتنة، بدأت تبرز في وقته، في كتابات: عبد الرحمن الشرقاوي، وروايات: جرجي زيدان، وما صارا يلبسان فيه، لأغراض في النفوس، مما لا يحكي تاريخا إسلاميا محترما كما جاء في كلام الشيخ محمد الغزالي، لأن:
(1) ينظر جامع الأصول لابن الأثير، تحقيق الأرناؤوط بيروت عام 1392 هـ - 1972 م ج 8:449.
الأول: يساري: جعل الإسلام وتاريخه، مصبوغين باللون الأحمر، والتفكير المادي وخان أمانة النقل، في تحليله للحوادث، سوقا لخدمة هذا الغرض.
والثاني: صليبي ينفث ضغائنه على الإسلام بلؤم في كتاباته ورواياته.
ليرد عليهما فيما أورداه من مغالطات وافتراءات، يجددها أصحاب الأهواء، ويعيد صداها في كل وقت من يتبنون فكرهم، ويريدون نشر شبهاتهم، نقلا لآراء من وراء تلك الافتراءات، ليرضوهم بكونهم ينقلون رجع أصدائهم، كنموذج لما يتجدد على الساحة، بين آونة وأخرى.
والشيخ الغزالي رحمه الله، بما لديه من غيرة، هو واحد من علماء هذا العصر، الذين سخروا علمهم وأقلامهم، كجزء من الأمانة، للدفاع عن الإسلام، وتفنيد الشبهات الوافدة وما أكثرها: حمية وغيرة.
ولنا معه عودة، بعد المرور بنماذج من جهود السابقين، في رعاية هذه الأمانة، ليعرف القارئ والمستمع: الشبه بين الليلة
والبارحة، وما أكثرها.
لقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، الذي جاء فيه:«بأنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، وفي استفتاح الرجل الثالث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينكت الأرض بعود، قال عليه الصلاة والسلام، يا عبد الله بن قيس - وكان هذا هو اسم أبي موسى الأشعري -: قم فافتح له الباب، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. قال: فقمت ففتحت الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان، وعليه التكلان ثم دخل فسلم وقعد (1)»
هذه المصيبة التي حلت بعثمان، ونسج حولها المستشرقون روايات وشبهات، تعتبر باب فتنة، انكسر ولم يغلق، نشأ عنه نحل، وملل، وتبناها أناس أضاعوا أمانة الكلمة، وفتحت بابا للفتن، وتعدد الطوائف، ذات النزعات والغايات ضد الإسلام، ووحدة المسلمين، ببث الفرقة، واختلاف الكلمة ونشر الأكاذيب.
فاهتم علماء الإسلام للتفنيد وبذل الجهد، لتعرية أصحاب
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب نكت العود في الماء والطين حديث رقم (6216)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير إصدار كتاب الشعب القاهرة معه 1984 م، ج 3: 586 - 587.
الأهداف، ودحض تلك الشبهات، في حماسة لأداء الأمانة، في تصحيح المسار وحماية الأعراض، ومن أولئك الكثيرين - بحمد الله - شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلاميذه وأحمد بن حنبل، وابن حزم، والشهرستاني، في كتبهم وغيرهم في ردودهم .... ومحاولاتهم كشف ما وراء أقاويلهم.
تلك التعددية التي برزت لأول مرة في تاريخ الإسلام، ثم بدأت دائرتها تتسع، أوقد جذوتها، أناس وفدوا للمدينة لمآرب وغايات خفية، وسعوا جاهدين لإشعال نار الفتنة والفرقة، في المجتمع الإسلامي، ولا يريدونها أن تنطفئ. ممتطين راحلة الخيانة في الكلمة: سواء كانوا من جلدتنا ويتسمون بأسمائنا، أو كانوا متصفين بصفات وأعمال من فضحهم الله في سورة التوبة.
إن أعداء الإسلام لا يكلون ولا يملون - كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عجبت لأهل الباطل وتصلبهم لباطلهم، ولأهل الحق، ونكوصهم عن حقهم (1).
إلا أن تلك الأمور، التي تأتي في معرض الحق، ويراد بها
(1) تراجع سيرة عمر رضي الله عنه، في سير أعلام النبلاء للذهبي، القسم الخاص بالخلفاء الراشدين.
الباطل، تبرز وتظهر بثوب جديد، وأكاذيب تقلب الحقائق، وتغلف بكساء يراد منه تغيير الاسم، مع أن الجوهر واحد.
فيهيئ الله - في كل مكان وزمان - من يتحمس للدفاع وتفنيد تلك الأمور، المراد منها التلبيس، وصرف الأمانة العلمية، عن مسارها الصحيح، حتى يبرزوها لنظر قاصري الاطلاع، براقة تتمشى مع الواقع، الذي هدف إليه صاحب الشبهة، ويسميها دراسة تاريخية جديدة، أو تنقية التاريخ والحوادث.
فيقيض الله من يشعر بأمانة الدفاع، ونقض الشبهات، من أمة الإسلام لينبري للدفاع - ذلك أن أمة الإسلام لا تزال بخير، ما دامت النوايا طيبة، والعقيدة التي عليها مدار الأعمال سليمة، ومحبة دين الله صادقة في القلوب، فإن الغيرة تتحرك بالعلم، أداء لأمانة المدافعة، ورد الشبهات، والله سبحانه هو المعين، لقوله عز وجل:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
فالشيخ محمد الغزالي رحمه الله لما رأى هجوما شديدا على المسلمات التاريخية، في تراث الإسلام، مما يراد طمسه أو مسخه، باسم الدراسة التاريخية، أو القراءة الجديدة للتاريخ، نتج عنها هجوم شديد، وقلب للحقائق، فتحمس في الرد، وقال: إن أعداء
(1) سورة البقرة الآية 282
الإسلام، يريدون تحويل الهزائم العسكرية للإسلام، إلى انسحاب عام من كل ميدان، بل إلى اندحار شامل، يقطع يومنا عن الأمس الزاهر، ويجعل المسلمين أمما متقطعة، ذات اليمين وذات الشمال، كذلك يريد الغزو الثقافي، وبهذا يتحرك في الصحف وسائر مجالات الإعلام، ولكننا لهم بالمرصاد.
ونحن نعلم أن أمة سلخت أكثر من أربعة عشر قرنا، وهي تحمل رسالة كبيرة، لا بد أن يكون لها سلبيات وإيجابيات، وهزائم وانتصارات، لكن هذا لا يقدح في تاريخها، ولا جهود رجالها.
ولذا فإن دراستنا للتراث، بل لعلها جزء من الغيبوبة، التي نالت منا ولا تزال.
ولقد كنا إلى أمد بعيد، نحارب الاستعمار الثقافي، الذي يريد اقتلاعنا من جذورنا، ويشدنا إلى ملل ونحل، لا نعرفها ولا نريد أن نعرفها.
حتى فوجئنا بمن يغوص في تراثنا، ليحرف الأمانة العلمية، ويحرف الكلم عن مواضعه، ويبرز لنا سلفنا الأول، أقزاما ملتاثين، أو سباعا تتهاوش على أعراض الدنيا، ومآربها الخسيسة.
ومن ثم يمكن الالتواء بزمامنا، كي نقلد أو نلحق بفلسفة
أخرى ونستبدل بوحي الله، هوس أهل الأرض.
هكذا يرى الغزالي بصفة عامة: الغزو الثقافي وحملته، الذين ضيعوا الأمانة لينساقوا مع فكر وتحليلات أعداء الإسلام، في رغبتهم هدم قاعدته الأساس، ثم يوضح دوره في الرد عليهم بقوله: وقد حاولت في أحد كتبي تجفيف المنابع التي ترشح بالحقد، وتفيد أعداء الإسلام وحدهم.
ولما كانت دراسة الماضي، تقع للعبرة لا للتجريح، وللبناء لا للهدم، فإن أئمة الفقه والتاريخ، والتوجيه العام قالوا، عما حصل من فتنة: دماء طهر الله أيدينا منها، فلا نلوث أفواهنا بها، وقد حكت كثرة المسلمين: بأن فلانا أصاب، وفلانا أخطأ، وكان ذلك عن اجتهاد، يعرف علام الغيوب، ما وراءه من قصد، وسيحكم بينهم في اللقاء الأخير.
فيجب أن نقف حيث وقفوا، فكيف يأتي من ينبش الماضي، ويفسر وقائعه على هواه، ألا يكون الأجدر به دراسة ما يثير الدهشة، بكون المدينة أصبحت مفتوحة، لمن هب ودب: من المجوس واليهود، وأتباع الملل التي اجتاحها الإسلام، فإذا هم يملكون في
داخلها، حرية الكيد والفتك، وإذا بثلاثة من الخلفاء بعد أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، يقتلون كأنهم ذهبوا ضحايا أحقاد شخصية، أو ثورات محلية - يعني: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا.
ورغم أن العرب في تاريخهم الطويل يمقتون الغدر، فإن الإسلام هذب طباعهم، وحرم: دماءهم وأموالهم وأعراضهم، عليهم يومهم ذلك: وهو يوم الحج الأكبر، في بلدهم وهي مكة، في شهرهم وهو شهر ذي الحجة، ومن الأشهر الحرام.
ثم يطلب تحليلا عن بعض الوقائع، التي عصفت بالمجتمع المدني في ذلك الوقت، فيقول:
بل كيف يقتل مجوسي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتلك السهولة، وكيف يزعم أحد اليهود أنه وجد مقتله في التوراة.
وكيف قتل سعد بن عبادة زعيم الأنصار، قبل أن يقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم يشاع أن الجن، هم الذين قتلوه.
وكيف اقتحمت وفود مجلوبة من أقاصي البلاد، دار الهجرة، وأصبحت سيدة الشارع الإسلامي، وصاحبة السطوة فيه، لتقتل الخليفة الثالث، بكل هدوء.
أليس ظاهرا أن اليهود والمجوس، تظاهروا على ارتكاب
جرائمهم، في جو البراءة السائد بين المسلمين.
ثم يحكم بأن وقائع عندنا حافلة بالعجائب، وهي كتب تحتاج إلى أمناء يستخلصون الحق، بالنزاهة وتحري الأصوب، وتنقيته من الشوائب والأهواء، ومن دس أعداء ديننا، الذين يسعون جاهدين في تشويهه، ورميه وقادة الإسلام وعلماءه، بما ينقص قدرهم ويحط من مكانتهم ونحمد الله أن في المجتمع كثيرا، أمثال الغزالي حمية وحماسة.
وحتى لا يكون العارفون والحاملون للإرث الشرعي، مقصرين وسائرين في منحدر أهل الكتاب، في تضييعهم الأمانة في المأخذ والتأدية، حيث بين سبحانه وتعالى: أن منهم فئتين: ضعيفة الإيمان، ومن يدعي لنفسه الإيمان.
ومعلوم عند العلماء: أن الإيمان ليس بالتحلي والتمني، وإنما هو اعتقاد في القلب، وعمل بالجوارح، وقول باللسان .. فلا بد من تحقيقه على هذه الصور الثلاث.
يقول جل وعلا عن أهل الكتاب: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (1).
(1) سورة آل عمران الآية 75
فهم بهذه الآية الكريمة فئتان: واحدة تتهاون بالأمانة، ولا ترى لها حرمة، ولا تؤدي إلا بالمتابعة والملاحقة، والخوف من البشر، وليس من الله، ولا بوازع عقدي، فمن خان الأمانة أو تهاون بها من المسلمين فهو شبيه بهم.
والثانية: فيرجى من أصحابها، إذا سمعوا الذكر، وبانت لهم حقيقة الرسالة، وما فيها من مخاطبة للضمائر التي تزن الأمور، أن ترعوي لدين الله الحق.
ويؤخذ مقياس هذا الإيمان: بأركانه الستة، بالأمانة والمحافظة عليها، أداء أو خيانة أو جحدانا، وما ذلك إلا أن الأمانة، التي بين الله سبحانه ثقلها، وأثرها في مواطن متعددة من الكتاب الكريم، وأكد هذه المكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم: بفعله ودعوته.
فقد بين سبحانه، ثقلها في سورة الأحزاب، وحث على أهمية أدائها، وجعلها مقرونة بالإيمان، الذي هو عقيدة مع الله، ودعامة كبرى يرتكز عليها دين الإسلام، وركن أصيل من أركان هذه العقيدة، حتى لا يخف ميزانها في القلوب .. ومن ثم في التعامل.
وهذا ما يخشاه ويخافه العاقل، أن يتساهل بعضهم، في حق
الأمانة في أي شأن، لما وراء ذلك من أضرار بالمصالح الفردية والجماعية، في أمور الدين، قبل النتائج الدنيوية.
إذ مع ما وهب الله سبحانه، السماوات والأرض والجبال، من قوة وشدة في التحمل، وعظمة في الخلقة، إلا أن هذه الكائنات، قد تبرأت أمام خالقها من الأمانة، وأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، مخافة من عقاب الله الشديد، لمن قصر في أداء هذا الدور العظيم، وهذا ما يجب أن يدركه في هذا الزمان كثير من الناس، ممن استهوتهم الدنيا ببريقها، وبدؤوا يستخفون بالأمانة، ويفتون أنفسهم بأن الحلال ما حل في يدك.
ولأن الإنسان الضعيف في قدراته، والضعيف في جسمه، والعاجز عن حمل صخرة صغيرة في جبل، قد كلف نفسه فوق طاقتها، ليحمل هذه الأمانة، ذات المسؤولية الكبيرة، والثقل الذي تبرأ منه، أعظم مخلوقات الله - المعهودة عندنا - وكما هو ظاهر لنا بالمقاييس، وثابت ذهنيا وعقليا عند البشر.
ولم تهن الأمانة في بعض القلوب، إلا لأن الشيطان، رانت وساوسه على قلوبهم، واستزلهم ببعض ما كسبوا، تبين هذه المقارنة بمفهوم حديث، رواه الإمام أحمد رحمه الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضمونه: «أن الله سبحانه لما خلق الجبال، قالت الملائكة يا رب