الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أُولَئِكَ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ.
وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُعَسْكَرٍ أَقَامُوا بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا فَإِنْ وُجِدَ فِي خِبَاءٍ، أَوْ فُسْطَاطٍ فَعَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا فَعَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جُرِحَ بِهِ رَمَقٌ حَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ، وَلَوْ وَجَدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا وَزُفَرَ لَا شَيْءَ فِيهِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ.
وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَمُحَمَّدٍ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله الْقَسَامَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً وَالْقَاتِلَةُ تُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ.
وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ هُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ أَرْضِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، مِنْ الْهِدَايَةِ.
[الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق فيهلك بِهِ إنْسَان أَوْ دَابَّة]
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ فَيَهْلَكُ بِهِ إنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ، وَفِيهِ مَسَائِلُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ) رَجُلٌ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ حَجَرًا، أَوْ جِذْعًا، أَوْ بَنَى فِيهِ بِنَاءً، أَوْ أَخْرَجَ مِنْ حَائِطِهِ جِذْعًا، أَوْ صَخْرَةً شَاخِصَةً، أَوْ أَشْرَعَ كَنِيفًا، أَوْ جَنَاحًا، أَوْ مِيزَابًا، أَوْ ظُلَّةً فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ كَانَ ضَامِنًا فَإِنْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ وَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ الَّذِي عَثَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَدْفُوعُ كَالْآلَةِ.
وَلَوْ نَحَّى رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ عَلَى أَحَدٍ فَقِيلَ: يُنْظَرُ إنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الَّذِي فِي الْحَائِطِ لَا ضَمَانَ
فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ الطَّرَفَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ مِنْ الْحَائِطِ ضَمِنَ صَاحِبُ الْمِيزَابِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ شَغَلَ بِهِ هَذَا الطَّرِيقَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّهُمَا أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الضَّمَانِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ مِنْ قَاضِي خَانْ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَجَبَ النِّصْفُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ سَقَطَ الْجَنَاحُ، أَوْ الْكَنِيفُ وَأَتْلَفَ إنْسَانًا ثُمَّ عَثَرَ رَجُلٌ بِنَقْضِ الْجَنَاحِ وَرَجُلٌ بِالْقَتِيلِ فَعَطِبَا كَانَ ضَمَانُ الْكُلِّ عَلَى صَاحِبِ الْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ هَذِهِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إخْرَاجُ الْجَنَاحِ والجرصن وَالْمِيزَابِ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ لَا يَسَعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا عَطِبَ بِهِ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ فَعَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ، انْتَهَى.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الطَّرِيقِ أَنْ يَضَعَ فِيهِ خَشَبَهُ وَيَرْبِطَ فِيهِ الدَّابَّةَ وَيَتَوَضَّأَ فِيهِ، وَإِنْ عَطِبَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ.
وَكَذَا لَوْ أَلْقَى فِيهِ طِينًا، أَوْ تُرَابًا لَا يَضْمَنُ فَإِنْ بَنَى فِيهِ بَيْتًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ كَانَ ضَامِنًا وَلِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ الِانْتِفَاعُ بِفِنَاءِ دَارِهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ وَالتَّنُّورِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا أَحْدَثَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يُنْظَرُ إنْ أَحْدَثَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ وَجَبَ الضَّمَانُ وَيَسْقُطُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ حِصَّةِ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شُرَكَائِهِ، وَإِنْ أَحْدَثَ مَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى كَوَضْعِ الْمَتَاعِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدُهُمَا فِيهَا مَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى كَوَضْعِ الْمَتَاعِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ جَازَ كَمَا لَوْ سَكَنَ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، أَوْ رَشَّ الْمَاءَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ.
وَفِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَفِي بَابِ النُّونِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا رَشَّ كُلَّ الطَّرِيقِ، وَفِي بَابِ السِّينِ إنْ لَمْ يَرَهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ رَآهُ لَا يَضْمَنُ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى.
وَلَوْ كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا وَإِنَّمَا كَنَسَ الطَّرِيقَ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمَارَّةُ بِالْغُبَارِ.
وَلَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ فَقُتِلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ خَشَبَةً ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ مِنْ رَجُلٍ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا فَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي فِي مَكَانِهَا حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي وَضَعَ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْوَضْعِ، وَخُرُوجُ الْخَشَبَةِ مِنْ مِلْكِهِ لَا يَكُونُ فَوْقَ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْخَشَبَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ فَإِنْ أَلْقَى خَشَبَةً لِغَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ لَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا مِنْ دَارِهِ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ بَائِعُ الدَّارِ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ الْمُرُورَ عَلَى الْخَشَبَةِ فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي وَضَعَهَا وَقِيلَ هَذَا إذَا أَخَذَتْ بَعْضَ الطَّرِيقِ، وَإِذَا أَخَذَتْ جَمِيعَ الطَّرِيقِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ انْتَهَى.
رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَشْرَعَ لَهُ جَنَاحًا فِي فِنَاءِ دَارِهِ، أَوْ حَانُوتِهِ فَفَعَلَ وَهَلَكَ بِالْجَنَاحِ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَخْبَرَ الْأَجِيرَ أَنَّ لَهُ حَقَّ إشْرَاعِ
الْجَنَاحِ يَضْمَنُ الْأَجِيرُ سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلَ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِشْرَاعِ فِي الْقَدِيمِ، أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَجِيرَ عَلِمَ بِذَلِكَ إنْ سَقَطَ الْجَنَاحُ قَبْلَ فَرَاغِ الْأَجِيرِ مِنْ الْبِنَاءِ يَضْمَنُ الْأَجِيرُ بِمَا عَطِبَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ سَقَطَ الْجَنَاحُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبِنَاءِ ضَمِنَ الْأَجِيرُ لِمَا عَطِبَ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ فَعَلَةً لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ، أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ دُكَّانِهِ فَقُتِلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذِ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ انْتَهَى.
أَمَرَ أَجِيرًا أَنْ يَحْفِرَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ بِئْرًا وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ طَرِيقُ الْعَامَّةِ ضَمِنَ الْأَجِيرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ الْآمِرُ انْتَهَى.
لَوْ وَضَعَ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ خَاصٍّ لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ فَمَشَى عَلَيْهَا إنْسَانٌ فَانْخَسَفَتْ بِهِ وَانْفَعَلَ بِهَا وَمَاتَ إنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَا يَضْمَنُ الْوَاضِعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بِهِ ضَمِنَ كَمَا لَوْ وَضَعَ الْخَشَبَةَ فِي الطَّرِيقِ فَمَرَّتْ بِهَا دَابَّةٌ لَا بِسَوْقِ أَحَدٍ فَعَطِبَتْ كَانَ ضَامِنًا قَالُوا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا لَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الزَّلَقِ، أَوْ التَّعَلُّقِ بِالْحَجَرِ الْمَوْضُوعِ فِي الطَّرِيقِ عَمْدًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ كَبِيرَةً وَيُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا هَذَا إذَا كَانَ النَّهْرُ خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ ضَامِنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
وَلَوْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ يَحْمِلُ حِمْلًا فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ كَانَ ضَامِنًا.
وَلَوْ عَثَرَ إنْسَانٌ بِالْحِمْلِ الْوَاقِعِ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَضَعَ الْحِمْلَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَفَازَةِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمَمَرٍّ وَلَا طَرِيقٍ لِإِنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَعَدَ إنْسَانٌ فِي الْمَفَازَةِ، أَوْ نَصَبَ خَيْمَةً فَعَثَرَ بِهَا رَجُلٌ لَا يَضْمَنُ الْقَاعِدُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَالُوعَةِ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ سُلْطَانٌ بِذَلِكَ، أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فَعَلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءِ دَارِهِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَهَذَا صَحِيحٌ انْتَهَى.
وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ فِي فَصْلِ مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى.
إذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ تَعَدِّيًا بِمَا تَلِفَ بِإِلْقَاءِ غَيْرِهِ هَذِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ، مِنْ الْأَشْبَاهِ.
وَإِذَا حَفَرَ
بِئْرًا تَعَدِّيًا ثُمَّ مَاتَ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَوَقَعَ إنْسَانٌ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى هَاتَانِ فِي الْفَرَائِضِ مِنْهُ.
جَعَلَ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ عَامٍّ بِإِذْنِ رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ فَهَلَكَ بِهَا دَابَّةٌ، الْآذِنُ يَضْمَنُ الْبَانِيَ وَلَا يَعْمَلُ إذْنُهُ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
احْتَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِغَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ فَقَالَ إذَا احْتَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَمْصَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ هُنَاكَ فُسْطَاطًا، أَوْ اتَّخَذَ تَنُّورًا لِلْخُبْزِ، أَوْ رَبَطَ الدَّابَّةَ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي فِي الْفَيَافِي لَهَا حُكْمُ الْفَيَافِي؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا يَمُرُّونَ فِيهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُرُورُ بِخِلَافِ طُرُقِ الْأَمْصَارِ، وَفِيمَا بَيْنَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ لَهُ إلَّا بِالْمُرُورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ فِي طَرِيقِ الْمَفَازَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَضْمَنُ قَالَ رحمه الله: التَّقْيِيدُ فِي غَيْرِ الْمَمَرِّ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ نَصُّ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فَقَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ فَأَمَّا إذَا احْتَفَرَ فِي مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَقَعُ فِيهِ وَهَكَذَا فَصْلُ الْجَوَابِ فِي الْمُحِيطِ فِي نَصْبِ الْفُسْطَاطِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، أَوْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَالْحَفْرُ لِلْمَاءِ وَلِلسَّيْلِ سَوَاءٌ.
لَوْ وَضَعَ الْبَائِعُ خَابِيَةً مِنْ السقراط عَلَى الشَّارِعِ وَرَجَعَ الفاواذق بِالْعَجَلَةِ إلَى السِّكَّةِ فَانْكَسَرَتْ تِلْكَ الْخَابِيَةُ وَكَانَتْ فِي غَيْرِ جَانِبِهِ وَمَا رَآهَا يَضْمَنُ.
وَلَوْ وَضَعَ خَابِيَةً عَلَى بَابِ دُكَّانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَقْرِ حِمَارٍ شَوْكٍ فَصَدَمَهَا بَغْتَةً وَهُوَ يَقُولُ: كوست كوست يَعْنِي إلَيْك إلَيْك فَكَسَرَهَا يَضْمَنُ،.
وَفِي الْمُحِيطِ يُعَزَّرُ وَلَمْ يَضْمَنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ.
وَفِيهِ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ كَبَسَهَا إنْ كَبَسَهَا بِالتُّرَابِ، أَوْ بِالْجِصِّ، أَوْ بِمَا هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَفَرَّغَهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ ضَمِنَ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ كَبَسَ الْبِئْرَ بِالطَّعَامِ، أَوْ بِمَا هُوَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْكَبْسِ لَا يَبْقَى بِئْرًا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَقِيَ بِئْرًا، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ وَغَطَّى رَأْسَهَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَرَفَعَ الْغِطَاءَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ ضَمِنَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ احْتَفَرَ الرَّجُلُ نَهْرًا فِي مِلْكِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ جِسْرًا، أَوْ قَنْطَرَةً فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ حَفَرَ نَهْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ وَيَكُونُ ضَامِنًا، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ جِسْرًا، أَوْ قَنْطَرَةً فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إنْ أَحْدَثَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَسِبٌ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِمَا أَحْدَثَهُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا عَطِبَ إذَا لَمْ يَفْعَلْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ مَشَى عَلَى جِسْرٍ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا فَانْخَسَفَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَاضِعُ الْجِسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ مُتَعَمِّدًا كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِ.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ ثُمَّ سَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ، وَفِيهَا إنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ فَقَتَلَ السَّاقِطُ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ، أَوْ الدَّابَّةَ كَانَ السَّاقِطُ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ فِيمَا أَصَابَ السَّاقِطَ وَالْمَسْقُوطَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَفْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِمَنْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ وَالسَّاقِطُ بِمَنْزِلَةِ الْمَدْفُوعِ
فَيَكُونُ تَلَفُ الْكُلِّ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ أَمَّا إذَا حَفَرَ فِي مِلْكِهِ فَسُقُوطُهُ لَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ فَكَانَ تَلَفُ الْمَسْقُوطِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى السَّاقِطِ كَرَجُلٍ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ دِيَةَ الْقَتِيلِ.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ، وَإِنْ لَمْ يُوقِعْ فِيهَا نَفْسَهُ فَسَقَطَ وَسَلِمَ مِنْ السُّقُوطِ وَمَاتَ فِيهَا جُوعًا، أَوْ غَمًّا لَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَاتَ فِيهَا جُوعًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا غَمًّا بِأَنْ أَثَّرَ الْغَمُّ فِي قَلْبِهِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ الْحَافِرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْحَافِرُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ آخَرُ وَحَفَرَ مِنْهَا طَائِفَةً فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فِي الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ كَانَ الْأَوَّلُ كَالدَّافِعِ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْقَعْرِ الَّذِي حَفَرَهُ صَاحِبُهُ فِي أَسْفَلِهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي الْحَفْرِ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَ رَأْسَهَا فَسَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا قَالُوا تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثَّانِيَ وَسَّعَ رَأْسَهَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِي مَوْضِعٍ بَعْضُهُ مِنْ حَفْرِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي، فَأَمَّا إذَا وَسَّعَ الثَّانِي رَأْسَهَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَفَرَهُ الثَّانِي كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ وَعِنْدَ الطَّرِيقِ حَجَرٌ وَضَعَهُ إنْسَانٌ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَتَعَقَّلَ بِالْحَجَرِ وَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ فِيهَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ الْحَجَرَ إنْسَانٌ وَجَاءَ بِهِ سَيْلٌ عِنْدَ الْبِئْرِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَقَطَ فَتَعَلَّقَ هَذَا الرَّجُلُ بِرَجُلٍ آخَرَ وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِآخَرَ وَوَقَعُوا جَمِيعًا وَمَاتُوا إنْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ مَاتُوا وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَوْتِهِ سَبَبٌ سِوَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَدِيَةُ الثَّانِي تَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُ حَيْثُ جَرَّهُ إلَى نَفْسِهِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ تَكُونُ عَلَى الثَّانِي لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْبِئْرِ وَلَا يُعْلَمُ كَيْفَ حَالُهُمْ فَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ دِيَةُ الْأَوَّلِ تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا آخَرَ قِيلَ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَا دِيَةُ الْأَوَّلِ تَكُونُ أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا عَلَى الْحَافِرِ وَثُلُثُهَا هَدَرٌ وَثُلُثُهَا عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الثَّانِي نِصْفُهَا هَدَرٌ وَنِصْفُهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ كُلُّهَا عَلَى الثَّانِي وَوَجْهُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ.
رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ فَقَالَ الْحَافِرُ أَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهَا وَكَذَّبَتْهُ الْوَرَثَةُ فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَافِرِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَصِيرَ يَرَى مَوْضِعَ قَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوقِعُ نَفْسَهُ، وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ.
رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةَ رَهْطٍ يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ وَمَاتَ أَحَدُهُمْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَيَسْقُطُ رُبُعُهَا؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانُوا مُبَاشِرِينَ وَالْمَيِّتُ مُبَاشِرٌ أَيْضًا فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا فَيَسْقُطُ رُبُعُهَا وَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَاتَ