الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وخمسين
توفي أبو محذورة الجمحي المؤذن، وله صحبة ورواية وفيها، وقيل في التي قبلها توفي شيبة بن عثمان الحجبي العبدري المتولي فتح الكعبة. وتوفي سعيد بن العاص التي ولي إمرة الكوفة لعثمان رضي الله عنه، وافتتح طبرستان، وكان ممدوحاً كريماً عاقلاً حليماً، اعتزل يوم الجمل وصفين. وتوفي أبو عبد الرحمن بن عامر بن كريز العبشمي أمير عثمان رضي الله عنهما.
سنة ستين
توفي معاوية بن أبي سفيان في رجب منها بدمشق، وله ثمان وسبعون سنة، ولي الشام لعمر ولعثمان رضي الله عنه عشرين سنة، وولي الملك بعد علي رضي الله عنه عشرين سنة أخرى. وتوفي سمرة بن جندب الفزاري في أولها، وبلال بن الحارث المزني وعبد الله بن المغفل المزني من أهل بيعة الرضوان، وفيها أوفى ما قبلها أبو حميد الساعدي.
سنة إحدى وستين
استشهد فيها يوم عاشوراء ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبطه وسلالة النبوة مقر المحاسن والمناقب والفتوة أبو عبد الله الحسين بن علي بكربلاء، عمره خمس وستون سنة، وكان قد أنف من إمرة يزيد بن معاوية، فلم يبايعه وكان قد بايعه المسلمون كلهم إلا أربعة: عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وهو رابعهم رضي الله عنهم، وجاءته كتب أهل الكوفة يحضونه على القدوم عليهم فاغتر، وسار في أهل بيته حتى بلغ كربلاء، فعرض له أعداء الله وقتلوه في قصة طويلة، وقتل معه ولداه علي الأكبر وعبد الله وإخوته جعفر ومحمد وعتيق والعباس الكبير. وابن أخيه قاسم بن الحسن. وأولاد عمه محمد وعون، وابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وابناه عبد الله وعبد الرحمن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قلت هذا ما نقل بعضهم على وجه الإجمال، وها أنا أذكر ما فصل بعضهم على وجه الاختصار، وحاصل ما ذكروا أن يزيد أرسل إلى الوليد بن عتبة أن يأخذ له البيعة على الناس، فأرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير ليلاً فأتى بهما، فقال: بايعا فقالا مثلنا لا يبايع سراً، ولكن نبايع على رؤوس الأشهاد إذا أصبحنا، فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وذلك لليليتين بقيتا من رجب، فأقام الحسين بمكة شهر شعبان ورمضان وشوال وفي القعدة، وخرج يوم التروية يريد الكوفة، فبعث عبيد الله بن زياد ابن أبيه خيلاً وأمرعليهم أميراً سموه من أولاد بعض الصحابة أكره ذكره فأدركه بكربلاء، وما زال عبيد الله بن زياد يزيد العساكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين الفاً، ووعد الأمير المذكور أن يملكه مدينة الري، فباع الفاسق الرشد بالغي وفيه يقول:
أأترك ملك الري والري بغيتي
…
وارجع مأثوماً بقتل حسين
قلت ولو قال:
أأترك ملك الري بل هو بغيتي
…
وإن عدت مأثوماً يقتل حسين
لكان هذا الإنشاد أدل على المراد، فضيق عليه الفاسق أشد تضييق، وسد بين يديه واضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة وقيل يوم السبت وقيل يوم الأحد، واتفقوا على أنه يوم عاشوراء بقرب الكوفة بموضع يقال له كربلاء، وعليه جبة خز بعد أن حموه عن الماء وفي ذلك يقول الشاعر.
فدونك يا ماء العذيب تعرضت
…
مياه رحيمات عن الوصل صدت
حميت كما كان الحسين بكربلا
…
عن الماء يحمي مثل حالته التي
وقتل معه اثنان وثمانون من أصحابه مبارزة، ثم قتل جميع بنيه إلا علي بن الحسين المعروف بزين العابدين، فإنه كان مريضاً وأخذ أسيراً بعد قتل أبيه وقتل أكثر إخوة الحسين وأقاربه، وفيهم يقول القائل:
عيني أبكي بعبرة وعويل
…
أو اندبي إن ندبت آل رسول
سبعة كلهم لصلب علي
…
قد أصيبوا وستة لعقيل
ورووا عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة واختلفوا في قاتله رضي الله تعالى عنه اختلافاً كثيراً وذكر بعضهم أنه قتل معه من أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنها سبعة عشر رجلاً.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن الحسن البصري قال أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم شبيه، وقيل إنه قتل مع الحسين بن علي من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً غير من قتل منهم من غيرهم كما تقدم، وقيل إن ابن زياد كان قد بعث على الجيش أميراً وهو الحارث بن يزيد التميمي، لما حقت له الحقائق ورأى الأمر يؤول إلى ما آل تاب، وانحاز إلى فئة الحسين، وقاتل معهم حتى قتل، وجز رأس الحسين بعض الفجرة الفاسقين، وحمله إلى ابن زياد، ودخل به عليه وهو يقول:
أقر ركابي فضة وذهباً
…
أنا قتلت الملك الحمجبا
قتلت خير الناس أماً وأباً
…
وخيرهم إذ يذكرون النسبا
فغضب ابن زياد من قوله، وقال: اذا علمت أنه كذلك فلم قتلته، والله لا نلت مني خيرا أبداً، ولألحقنك به، ثم قدمه فضرب عنقه، وقيل إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل. وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: اتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين، فجعل في طست، فجعل ينكت فني فيه، وقال في حسنه شيئاً، قال أنس كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة قلت وهذا الفعل يدل على عظيم الزندقة والفجور. وذكر الإمام القرطبي في كتاب التذكرة عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصف النهار أشعث أغبر ومعه قارورة فيها دم يلتقطه، قال: فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال " دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم "، قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قتل في ذلك اليوم. وأخرج الإمام أحمد أيضاً في مسنده بسنده إلى أنس رضي الله عنه أن مالك المطر استأذن أن يأتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأذن له، فقال لأم سلمة املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، قال: وجاءه الحسين ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى منكبيه وعلى عاتقه قال فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم: اتحبه؟ قال: نعم قال أما أن أمتك ستقتله، وإن شئت لأريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها أم سلمة، فصيرتها في خمارها. وقيل وضعتها في قارورة، فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة فإذا الطين قد
استحال دماً. ولما قتل الحسين وأصحابه سيقت حريمهم كما تساق الأسارى قاتل الله فاعل ذلك، وفيهن جمع من بنات الحسين، وبنات علي رضي الله عنهما، وعن الجميع ومعهن زين العابدين مريضاً. روي أنه لما قتل السادة الأخيار، مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصؤنة، وهكتوا الأستار، فقال بعض من حضر: ويلكم إن لم تكونوا أتقياء في دينكم، فكونوا إحراراً في دنياكم، وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور؛ وهو أن عبيد الله بن زياد أمر أن يقور الرأس المشرف المكرم حتى ينصب في الرمح، فتحامى الناس عن ذلك، فقام من بين الناس رجل يقال له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤم المذموم، فقوره ونصبه بباب المسجد الجامع، وخطب خطبة لا يحل ذكرها. ثم دعا بزياد بن حر بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين، ورؤوس اخوته وبنيه وأصحابه، ودعا بعلي بن الحسين، فحمله وحمل عماته وأخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل حتى قدموا دمشق، ودخلوا من باب توما، وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي، ثم وضع الرأس المكرم بين يدي يزيد، فأمر أن يجعل في طست من ذهب وجعل ينظر إليه ويقول مفتخراً بما إليه من الخزي نقل يؤول.
صبرنا وكان الصبر منا عزيمة
…
وأسيافنا يقطعن كفاً ومعصما
يعلق هاماً من رجال أعزة
…
علينا وهم كانوا أغر وأظلما
وأمر بالرأس أن يصاب بالشام، واختلف الناس أين حمل الرأس المكرم من البلاد وأين دفن، فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم، وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث ينتقل رأس الحسين ومن بقي من أهله، وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة إلا أمر لهم بها، وبعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة، فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر عمرو بن سعيد برأس الحسين رضوان. الله عليه فكفن ودفن في البقيع عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها. قال: هذا أصح ما قيل فيه، وكذلك قال الزبير بن بكار وأن الرأس حمل إلى المدينة.
وما ذكر أنه نقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح، وقد قتل الله تعالى قاتله صبرأ ولقي حزناً طويلاً وذعراً، ووضع رأس الخبيث المذمم حيث وضع رأس الحسين الطيب المكرم. وروى الترمذي بسنده إلى عمارة بن عمير قال: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نصبت في المسجد في الرحبة، فانتهيت إليه وهم يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية يتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنية ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا قد جاءت قد جاءت فدخلت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال العلماء وذلك مكإفأة لفعله برأس الحسين رضي الله عنه، وهي من آيات العذاب الظاهرة عليه. قلت هذا تلخيص ما ذكروا في ذلك مختصرأ وأما حكم قاتل الحسين والأمر بقتله، فمن استحل منها قتله فهو كافر، وإن لم يستحل ففاسق فاجر، وكان الحسين رضي الله تعالى عنه يفرعن مبايعة معاوية فضلاً عن مبايعة يزيد. وقد ذكروا أنه لما حج معاوية، وأراد الرجوع إلى الشام، كلم الحسن أخاه الحسين رضي الله عنهما أن يذهبا إليه ويودعاه، فامتنع الحسين من ذلك، وذهب إليه الحسن وودعه، وأعطاه مالاً جزيلاً، وقد علم أنه صالحه على شروط وحقن دماء المسلمين، فتحقق بما أشار إليه سيد المرسلين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين ". وفي السنة المذكورة توفي حمزة بن عمرو الأسلمي وله صحبة ورواية، وكذلك أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية المعروفة بأم سلمة رضي الله عنها. وقيل توفيت سنة تسع وخمسين رضي الله عنها، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة. ومن مناقبها أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطبها فاعتذرت بأعذار كونها كبيرة السن وذلت أولاد وفيها الغيرة فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها أنه أيضاً كبير وذو أولاد. وأما المغيرة فقال صلى الله عليه وآله وسلم:" أنا أدعو الله أن يذهبها عنك " وكانت امرأة عاقلة جميلة، امرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية أن ينحر ويحلق، وقالت له: اذا فعلت ذلك تابعك أصحابك. قالت له ذاك لما امتنعوا منه، ودخل عليها وهو