الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي حفص بن عبد الرحمن البلخي، كان ابن المبارك يزوره ويقول، اجتمع فيه الفقه والوقار والورع.
سنة مائتين
فيها توفي أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم المدني الحافظ رحمه الله تعالى. وفيها على القول الصحيح توفي الولى الكبير العارف بالله الشهير المجتبي المقرب الترياق المجرب مطلع الأنوار ومنبع الأسرار مظهر الآيات ومقر الكرامات العلية والأحوال السنيه أبو محفوظ معروف الكرخي، من موالي علي بن موسى الرضا وكان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدب وهو صبي وكان المؤدب يقول له: قل ثالث ثلاثة فيقول معروف: بل هو الله الواحد القهار، فضربه المعلم يوماً على ذلك ضرباً مبرحاً فهرب منه، وكان أبواه يقولان ليته يرجع إلينا على أي دين شاء فنوافقه عليه، ثم إنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا، ورجع إلى أبويه، فدق الباب فقيل له: من بالباب؟ فقال: معروف، فقل: على أي دين؟ فقال: على الإسلام، فأسلم أبواه، وكان مشهوراً بإجابة الدعوة، وأهل بغداد يستسقون بقبره، ويقولون: قبر معروف ترياق مجرب. وكان السري تلميذه، فقال له يوماً: اذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى فأقسم عليه بي. وأتاه مرة بإنسان إلى دكانه وأمره أن يكسوه فكساه، فقال معروف بغض الله اليك الدنيا، فقام من مجلسه ذلك وقد بغضت إليه الدنيا. وأتت امرأةً إلى معروف في بغداد وهي حزينة على ولد لها صغير ضاع، وقد سألته أن يدعو لها بردة عليها، فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك فاحفظه واردده على أمه، او كما قال في دعائه، فإذا به قد جاء، فقالت له أمه: اين كنت؟ فقال: كنت الساعة في باب الأنبار. وقال السري: رأيت معروفاً في النوم كأنه تحت العرش، والباري جلت قدرته يقول للملائكة: من هذا؟ وهم يقولون: انت أعلم يا رب منا، فقال هذا معروف الكرخي، سكر من حبي، فلا يفيق إلا بلقائي.
وقال محمد بن الحسين: سمعت أبي يقول: رأيت معروفاً الكرخي في النوم بعد موته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقلت: بزهدك وورعك؟ قال: لا بل بقبول موعظة ابن السماك ولزومي الفقر ومحبتي للفقراء. وكانت موعظة ابن السماك قوله: من أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملته ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته عليه، وأقبل بوجوه الخلق إليه، ومن كان مرة ومرة فالله يرحمه وقتاً ما، قال فوقع كلامه في قلبي وأقبلت على الله تعالى وتركت جميع ما كنت عليه. وذكر بعضهم، انه سمع مشايخ بغداد يحكون أن عون الدين بن هبيرة كانت سبب وزارته أنه قال: قد ضاق ما بيدي. حتى فقدت القوة أياماً، فأشار علي بعض أهلي أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضي الله تعالى عنه، واسأل الله عنده، فإن الدعاء عنده مستجاب، قال: فأتيت قبر معروف الكرخي، فصليت عنده، ودعوت، ثم خرجت لأقصد البلد يعني بغداد، فاجتزت بمحلة من محال بغداد، فرأيت مسجداً مهجوراً، فدخلله لأصلي فيه كعتين، فإذا بمريض ملقى على بارية، فقعدت عند رأسه وقلت له: ما تشتهي؟ فقال: سفرجلة، قال: فخرجت إلى بقال هناك، فرهنت ميزرتي على سفرجلتين وتفاحة وأتيته بذلك، فأكل من السفرجلة ثم قال أغلق باب المسجد فأغلقته فتحنى عن البارية، وقال: احفرها هنا، فحفرت فإذا بكوز، فقال: خذ هذا فأنت أحق به، فقلت أما لك وارث؟ قال: لا إنما كان لي أخ، وعهدي به بعيد، وبلغني أنه مات، ونحن من الرصافة، قال: فبينما هو يحدثني إذ قضى
نحبه، فغسلته وكفنته ودفنته، ثم أخذت الكوز وفيه مقدار خمس مائة ينار، وأتيت إلى دجلة لأعبرها، وإذا بملاح في سفينة عتيقة وعليه ثياب رثة، فقال: معي معي، فنزلت معه وإذا به من أكبر الناس شبهاً بذلك الرجل، فقلت: من أين أنت؟ فقال: من الرصافة ولي بنات، وأنا صعلوك، فقلت: ما لك أحد؟ قال: لا وكان لي أخ ولي عنه زمان وما أدري ما فعل الله به، فقلت: ابسط حجرك، فبسط فصببت المال فيه، فبهت فحدثته الحديث، فسألني أن آخذ نصفه، فقلت: والله ولا حبة، ثم صعدت إلى دار الخليفة، وكتبت رقعة، فخرج عليها أشراف المخزن، ثم تدرجت إلي الوزارة، ومناقب معروف كثيرة، وفضائله شهيرة، وموضع ذكر شيء منها كتب السلوك. وفيها توفي أبو البختري وهب بن وهب القرشي الأسلي المدني، حدث عن العمري وجعفر الصادق وهشام بن عروة وغيرهم. وروى عنه غير واحد، وكان متروك الحديث، ينسب إلى وضعه، وتولى القضاء
بالمدينة وغيرها، ثم عزل وأقام ببغداد إلى أن توفي بها، وكان فقيهاً أخبارياً نسابةً جواداً سرياً سخياً يحب المديح ويثيب عليه الجزيل، وكان إذا أعطى قليلاً أو كثيراً أتبعه عذراً إلى صاحبه، وكان يتهلل عند طلب الحاجة إليه حتى لو رآه من لا يعرفه لقال: هذا الذي قضيت حاجته، وكان جعفر الصادق وقد تزوج أمه. وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وبالغ في مدحه، وقال دخل شاعر فأنشده:
إذا افتر وهب خلته برق عارض
…
ينعق في الأرضين أسعده السكب
وما ضر وهباً ذم من خالف الملا
…
كما لا يضر البدر ينبحه الكلب
لكل أناس من أبيهم ذخيرة
…
وذخرتي، فهو عقيد الندى وهب
فاستهل ضاحكاً وأمر له بصرة فيها خمس مائة دينار، وقوله ينعق أي ابتعج السحاب بالمطر، وقوله عقيد الندى وهو بمعنى قولهم فلان عقيد الكرم، وفي البخل يقولون عقيد اللؤم إذا بالغوا في المدح والذم، قلت ولعله مأخوذ من عقد العسل إذا أثخن، قال الجوهري يقال عقد الرب وغيره إذا غلظ فهو عقيد. وحكى الخطيب أن أبا البختري قال: لأن أكون في قوم أعلم مني أحب إلي من أن أكون في قوم أنا أعلم منهم، لأني إن كنت أعلمهم لم أستفد وإن كنت مع من هو أعلم مني استفدت. قلت: والتعليل بغير هذا أحسن وأصوب، وهو أنه إذا كان أعلم منهم تقلد الأمور الخطيرة، وأسندت إليه الخطوب المضرة التي لعله لا يكمل للقيام بها، ولا يأمن الوقوع في عطبها، وإذا كانوا أعلم منه انتفى عنه ذلك المحذور، وأمن من الخوف في عواقب الأمور، وله تصانيف، منها كتاب فضائل الأنصار، وأخباره ومحاسنه كثيرة، وأقوال المحدثين في الطعن فيه شهيرة.