الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتكبر؟! ومناقبه رحمه الله كثيرة أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر. وررى الحسن البصري أنه قال: ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف. وقد يتوهم بعض الناس أن الأحنف بن قيس أخ الأشعث بن قيس، وهو غلط، فإن الأحنف من تميم، والأشعث كندي كما هو مشهور في ترجمة كل واحد منهما، وكل منهما شريف رئيس في قومه، ولكن الأحنف متميز بفضل الحلم وغيره من المحاسن الدينية. وفي السنة المذكورة توفي عبيدة السلماني المرادي الفقيه المفتي فيها على الصحيح تفقه بعلي وابن مسعود. قال الشعبي: كان يوازي شريحأ في القضاء: وفيها وقعة دير الجاثليق بالجيم ثم المثلثة بين الألف واللام ثم المثناة من تحت ثم القاف تجهز عبد الملك ومصعب كل منهما يطلب صاحبه، فالتقى الجمعان هناك، فخان مصعباً بعض جيشه ولحقوا بعبد الملك، وكان عبد الملك قد كتب إليهم يمنيهم ويعدهم حتى أفسدهم، وجعل مصعب كلما قال لمقدم من امرأته: تقدم. لا يطيعه، فاستظهر عبد الملك، ثم أرسل إلى مصعب يبذل له الأمان، فقال إن مثلي لا ينصرف عن هذا الموطن إلا غالباً أو مغلوباً، ثم إنهم أثخنوه بالرمي، ثم شد عليه زياد بن عمرو - وكان من جيشه - فخانه وطعنه، وقال بالثارات المختار، وذهب إلى عبد الملك، وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة، وإبراهيم بن الأشتر سيد النخع وفارسها ومسلمة بن عمر الباهلي، استولى عبد الملك على العراق وما يليها، فأقر أخاه بشراً على العراق، وبعث الأمراء على الأعمال، وجهز الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة لحرب بن الزبير، قلت وفي ولاية بشر المذكور ينشد البيت المشهور:
تد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف ودم مهراق
سنة ثلاث وسبعين
فيها توفي عوف بن مالك الأشجعي المشهور المشكور، وأبو سعيد بن العلاء الأنصاري، وله صحبة ورواية وربيعة بن عبد الله التميمي عم محمد بن المنكدر. وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره، ونصب المنجنيق على أبي قبيس، ودام القتال أشهراً إلى أن قتل عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أمير المؤمنين فارس قريش وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله رسلم، وأول مولود ولد فى الإسلام بعد الهجرة،
وحنكه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان اول ما دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسماه عبد الله، وكان صواماً قواماً منطاقاً فصيحاً بطلاً شجاعاً.
قيل: كان حجر المنجنيق يصيب ثوبه وهو ساجد فلا يرفع رأسه، ويأكل أكلة واحدة ما بين مكة والمدينة، ولما طال الحصار على أصحابه وتفرقوا عنه، دخل على أمه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهم فأخبرها أن أصحابه قد تفرقوا عنه وأن خصومه قالوا له: ان شئت سلم نفسك لعبد الملك بن مروان يرى فيك رأيه ولك الأمان، واستشارها في ذلك، فقالت له: يا ولدي إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قاتلت لله فلا تسلم نفسك لبني أمية يلعبون بك، فإن قلت: لم يبق معي معين على القتال، فلعمري إنك معذور، ولكن شأن الكرام أن يموتوا على ما عاشوا عليه، فخرج من عندها حينئذ إلى أن التقى جيوش عبد الملك في أعلى مكة فحمل عليهم. وقال رضوان الله تعالى عليه ولو كان قرني واحداً لكفيته فأجابه واحد منهم نعم وألفاً يا غلام، ولم يزل يقاتل إلى أن أصابه في رأسه رمية فراخ رأسه ووقع، فصاحت مولاة لآل الزبير واأميراه! فعرفوه، ولم يكونوا عرفوه في ذلك الحال لما عليه من لباس الحرب، فقصدوه في كل مكان، فقتلوه، قاتلهم الله ثم وقف عليه أميرهم الحجاج وأمير آخر معه، قال ذلك الأمير: ما ولدت بنات آدم أذكر من هذا الرجل يعني أفحل منه فقال له الحجاج: اتقول فيه هذا القول وقد خالف أمير المؤمنين وخرج عن طاعته؟ يعني عبد الملك بن مروان. فقال: ان هذا لا عذر لنا عند أمير المؤمنين، وإلا فما عذرنا في قتلنا له؟ اشهراً وهو يربي علينا فيها بالغلبة. قال الشيخ محيي الدين النواوي رحمة الله عليه في شرح مسلم فذهب لحل الحق: ان ابن الزبير كان مظلوماً، وإن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه وروي أنه لما ولد كبر الصحابة، ولما قتل كبر أهل الشام، فقال ابن عمر: الذين كبروا على مولده خير من الذين كبروا على قتله، وكان قد ملك الحجاز واليمن والعراق. وقال الشيخ أبو إسحاق: بويع على الخلافة ولا يبايع على الخلافة إلا من كان فقيها " مجتهدا "، واستعمل ابن الزبير على اليمن الضحاك بن فيروز سنة ثم عزله، وولى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي على صنعاء، ثم استعمل جماعة واحداً بعد واحد. ولما قتله الحجاج صلبه بين القبور في موضع هناك معروف إلى الآن ببناء بني هناك علامة، ثم أرسل الحجاج إلى أمه أسماء بنت أبي بكر أعوانه، وقال لهم قبحه الله: هاتوها
فكلموها في أن تمشي معهم إليه، فأبت وقالت: ان كان أمركم أن تسحبوني فاسحبوني، فلما رجعوا إليه بغير مطلوبه لبس نعليه ومشى حتى جاءها، فقال لها: كيف رأيت ما صنعت با بنك؟ فقالت: يا مسكين أي شيء صنعت؟ افسدت عليه دنياه، وأفسد عليك أخرتك، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" أن في ثقيف كذاباً ومبيرأً " فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، تعني بقولها: رأيناه المختار بن أبي عبيد. والمراد بالمبير المهلك. يقال أباه الله أي أهلكه ويقال أيضاً رجل جائر بائر. قال في الصحاح: البور بضم الباء الموحدة: الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه. قلت ومن هذا قوله تعالى " وكنتم قوماً بوراً " - الفتح: 120 - وقد اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا هو المختار بن أبي عبيد، والمبير هو الحجاج بن يوسف، وكان المختار المذكور شديد الكذب، يزعم أن جبرائيل عليه السلام ينزل عليه كما تقدم ذكر ذلك. وقتل مع ابن الزبير عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي من رؤوس مكة، لما حج معاوية قدم له ابن صفوان المذكور ألفي شاة وقيل قتل معه بحجر المنجنيق عبد الله بن مطيع بن الأسد العدوي، وقتل معه أيضاً عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية. وتوفيت أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير بعد مصاب ابنها بيسير، وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول، وتلقبت بذات النطاقين، وسبب ذلك معروف في الحديث، وهو أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شقت نطاقها نصفين، فربطت بأحدهما وعاء زاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر رضي الله عنه. وفي السنة المذكورة قوي سلطان عبد الملك بن مروان لقتل ابن الزبير وأنشد لسان حاله: خلا لك الجو فبيضي واصفري
وولي الحجاج إمرة الحجاز، فنقض من الكعبة جهة الحجر، وأعادها إلى ما كانت عليه من بناء قريش، فسد بابها الغربي ورفع الشرقي وصيرها على ما هي عليه الآن، مخرجاً من الحجر ما جاء في الحديث أنه من البيت، وهو ستة أذرع أو ستة ونصف أو جميعه على اختلاف روايات وردت في الحديث الصحيح.
قلت هذا هو الصواب الذي ذكره العلماء أنه إنما نقض الحجاج من جهة الحجر خاصة، وأما قول الذهبي: فنقض الكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فظاهره أنه نقض الكعبة كلها، وليس بصحيح. قلت وقد روي أن عبد الملك بن مروان لما حج طاف، وهو متكىء على كتف بعض من عنده معروف، جناء الكعبة حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فقال: ما أظن أبا خبيب: يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما يزعم أنه سمع منها. فقال: انا سمعت ذلك منها، فقال سمعتها تقول ماذا قال، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي: " إن قومك استقصروا في النفقة، ولولا حدثان وروى حداثة عهد قومك بالكفر لأعدت البيت على ما كان عليه من زمن إبراهيم " قال فنكت عبد الملك بعود كان بيده في الأرض، وقال: وددت أني تركته وما تحمل، وكان قد كتب إليه الحجاج أن أبا خبيب قد أحدث في البيت، او قال في الكعبة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم استأذنه في ردها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأذن له في ذلك، وكان ابن الزبير قد استشار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء، لما توهن بناء قريش بما تقدم ذكره من الرمي بالمنجنيق، وقيل جمرت فطارت الشرور واحترق بعض خشبها فتوهنت، وأشار عليه أكثرهم أن لا يفعل ذلك ومنهم ابن عباس وغيره من كبارهم، وقالوا: تخشى أن يفعل ذلك كل من ولي الأمر فيما بعد، ويذهب حرمة هذا البيت من قلوبهم، ونحو ذلك من المقال، وأشار عليه القليل منهم بنقضها، فلما عزم على ذلك خرجوا من مكة خشية أن ينزل بهم عقوبة بسبب ذلك، بعضهم خرج إلى الطائف، وبعضهم إلى منى، وأنكر العمال عن نقضها، فعلاها ابن الزبير بنفسه وأخذ في هدمها. قيل واستعمل في ذلك عبداً حبشياً دقيق الساقين بأن يكون ذلك هو ما جاء في الحديث من كونها " يهدمها ذو السويقين من الحبشة "، ولم يرجع من خرج من مكة إليها حتى أخذ في بنائها، وبعضهم حتى أكمل بناؤها، وكان أراد أن يجعل طينها من الورس، قيل له: انه لا يقيم ولا يستمسك البناء كالجص، فأرسل في جص فبعث به إليه من صنعاء اليمن. فلما فرع من بنائها قال من لي عليه طاعة فليخرج يعتمر شكراً لله عز وجل، فخرج في السابع والعشرين من رجب ماشياً، وخرج الناس معه فلم يروا يوم أكثرعتقاً ونحراً وذبحاً وصدقة من ذلك اليوم، قيل نحرهو فيه مائة من الإبل كل ذلك في جهة التنعيم وطرف الحل الذي يحرم منه للحمرة، ومن هاهنا صار كثير من الناس يعتمرون في اليوم المذكور من كل
سنة ولا بأس بذلك إذا سلم من بدع قد أحدثوها في هذه الأزمان من الأجتماع هنالك على وجه التنزه وخروج النسوان متزينات باللباس والحلي واختلاف الألوان، وقد أوضحت ذلك في " الدررالمستحسنة في استحباب العمرة في سائر السنة ". وأما سبب اخراج الحجرمن البيت في بناء قريش فإنه قصر ما عندهم من الحلال عن اكمال بنائها بادخال الحجر فيها، وذلك إن بناءها كان قد توهن في زمانهم فزموا علىنقضها وبناءها، فمنعتهم الحية المشهورة، وهي حية كانت تحرس البيت خمس مائة سنة، رأسها مثل رأس الجدي، وسببها أن أربعة من جرهم تسلقوا جدار الكعبة ليأخذوا ما يهدى إليها من الجواهرولم يكن لها سقف يومئذ فأصابتهم عقوبة في ذلك الوقت، بعضهم سقط فاندقت عنقه فمات، فبعث الله من يومئذ تلك الحية تمنع الناس من دخول الكعبة، لا تزال على بابها، فلما منعت قريشاً من نقضها اجتمع عقلاؤهم وقالوا: اللهم إنا لا نريد ببيتك إلا خيراً فان كانت الخيرة في ذلك فاصرف هذه الحية عنا، فانقض في ذلك الوقت طائر من الجو، فاحتملها ورمى بها في أجياد، ويقال إنه الدابة التي تخرج عند اقتراب الساعة والله أعلم بذلك. ثم إن قريشاً اجتمعوا وقالوا: لا ينبغي أن يبنى بيت الله إلا بالحلال فجمعوا ما عندهم من الحلال فلم يف بإكمالها على ما كانت عليه من زمن ابراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرجوا الحجر منها كما أشار إليه في الحديث. واختلفوا في الكعبة كم بنيت من مرة؟ فقيل: سبعاً وقيل: خمساً ومنشأ الخلاف
هل بنيت قبل بناء ابراهيم أم هو أول من بنائها؟ واحتج للقول الأول بما روي أنه لما حج آدم صلى الله عليه وآله وسلم قالت الملائكة عليهم السلام: حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وللقول الثاني بظاهرالقرآن وما ورد أن ابراهيم قال لإسماعيل عليهما السلام: ان الله قد أمرني أن أبني له بيتاً فهل أنت معين لي على ذلك؟ فقال: نعم، او كما قال: وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. قلت قد أطلت الكلام في بيان ما يتعلق ببناء الكعبة لاستشراف كثير من الناس إلى معرفة ذلك، ولم أرالاقتصارعلى ما ذكروا في التاريخ من قولهم بناها ابن الزبير وهدمها الحجاج، ولم أرلهم زيادة على هذا وهذا الذي ذكرته اعتمادي في إملائه على ما في ذهني مما رويناه في كتاب الأزرقي وغيره عمن بالعلم تقدم، والله سبحانه بكل شيء عليم، رجعنا إلى ذكر أن الزبير قتل في جمادى الأولى نيف برأسه في مصر وغيرها. بنيت قبل بناء ابراهيم أم هو أول من بنائها؟ واحتج للقول الأول بما روي أنه لما حج آدم صلى الله عليه وآله وسلم قالت الملائكة عليهم السلام: حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وللقول الثاني بظاهرالقرآن وما ورد أن ابراهيم قال لإسماعيل عليهما السلام: ان الله قد أمرني أن أبني له بيتاً فهل أنت معين لي على ذلك؟ فقال: نعم، او كما قال: وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. قلت قد أطلت الكلام في بيان ما يتعلق ببناء الكعبة لاستشراف كثير من الناس إلى معرفة ذلك، ولم أرالاقتصارعلى ما ذكروا في التاريخ من قولهم بناها ابن الزبير وهدمها الحجاج، ولم أرلهم زيادة على هذا وهذا الذي ذكرته اعتمادي في إملائه على ما في ذهني مما رويناه في كتاب الأزرقي وغيره عمن بالعلم تقدم، والله سبحانه بكل شيء عليم، رجعنا إلى ذكر أن الزبير قتل في جمادى الأولى نيف برأسه في مصر وغيرها.