الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عذبه، فلما مدحه العبسي بهده الأبيات كان قد حصل من قسط يومه سبعين ألف درهم، فأنفذها إليه، فقال اعذرني فقد ترى ما أنا فيه فردها، وقال لم أمدحك لمال وأنت على هذه الحالة ولكن لمعروفك وافضالك، فأنفذها إليه ثانياً، فاقسم عليه لتأخذنها فأخذها، وبلغ ذلك يوسف، فدعاه وقال ما جرأك على فعلك ألم تخش العذاب؟ فقال لئن أموت عذاباً أسهل علي من كفي، لاسيما على من مدحني. وذكر أبو الفرج الأصفهاني أن خالداً كان من ولد شق الكاهن، وذكروا أنه كان شق ابن خالة سطيح الكاهن، وكان شق وسطيح من أعاجيب الدنيا. أما سطيح فكان جسداً ملقى لا جوارح له، وكان وجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق، وكان لا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس، وقيل كان يطوى مثل الأديم وينقل من مكان إلى مكان إذا أراد الانتقال، وكان شق نصف إنسان، وكانت له يد واحدة ورجل واحدة، وفتح عليهما في الكهانة ما هو مشهور عنهما، وكان ولادتهما في يوم واحد. وفي ذلك اليوم توفيت ظريفة الكاهنة الحميرية زوجة عمر، ومزيقيا بن عامر ماء السماء. ولما ولد ادعت لكل واحد منهما وتفلت في فيه، وزعمت أنه سيخلفها في كهانتها، ثم ماتت لساعتها ودفتت في الجحفة، وعاش كل واحد من شق وسطيح. وسطيح هو الذي بشر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقصته في تأويل الرويا مشهورة وذكرها مستوفي في السيرة. وفي السنة المذكورة توفي الكميت الأسدي الشاعر.
سنة سبع وعشرين ومائة
فيها سار مروان بن محمد بن مروان من أرمينية إلى دمشق يطلب الأمر لنفسه لما بلغه وفاة يزيد الناقص، فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشراً ومسروراً بالجيش فكسرهما مروان وحبسهما، ثم نزل بمرج دمشق فحاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك، ثم انهزم سليمان فعسكر خليفتهم ابن الوليد بظاهر دمشق وبذل الخزائن فخذلوه، فهرب وبايع الناس مروان، فأتاه إبراهيم فخلع نفسه وبايع مروان.
وفي السنة المذكورة قتل يوسف بن عمر الثقفي الذي كان أمير العراق في السجن بدمشق، ذكر بعض المؤرخين أنه ولى هشام بن عبد الملك يوسف بن عمر اليمن، فلم يزل والياً بها حتى كتب له هشام أن سر إلى العراق فقد وليتك إياه، وإياك أن يعلم بك، واشفني من ابن النصرانية يعني خالد بن عبد الله القسري، وكان والياً عل العراق فاستخلف يوسف ابنه الصلت على اليمن، وسار إلى العراق في سبعة عشر يوماً، ودخل المسجد مع الفجر، فأمر المؤذن بالإقامة، فقال: حتى يأتي الإمام، فانتهره فأقام وتقدم يوسف فصلى وقرأ إذا وقعت الواقعة وسأل سائل، ثم أرسل إلى خالد وخليفته طارق وأصحابهما، وكان طارق قد ختن ابنه فأهدي إليه ألف عتيق وألف وصيف وألف وصيفة سوى المال والثياب، فحبس يوسف خالداً، فصالحه أبان بن الوليد عنه وعن أصحابه بتسعة آلاف ألف درهم، ثم ندم يوسف وقيل له لو لم تقبل هذا المال لأخذت منه مائة ألف ألف درهم، وقيل غير ذلك مع قصص يطول ذكرها، وعاقبة ذلك أنه مات خالد المذكور تحت العذاب الشاق وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته في سنة ست وعشرين.
ثم آل الأمر بعد أمور يطول ذكرها إلى أن تولى يزيد بن الوليد بن عبد الملك، واطاعة أهل الشام وانبرم له الأمر، فولى منصور بن جمهور العراق، فبلغ خبره يوسف بن عمر، فهرب وسلك طريق السماوة حتى أتى إلى البلقاء فاستخفى بها، وكان أهله مقيمين فيها، فلبس زي النساء وجلس بينهن، فبلغ يزيد بن الوليد خبره، فأرسل إليه من يحضره، فوصل إليه وأخذه بعد أن فتش عليه كثيراً فوجده جالساً على تلك الهيئة بين نسائه وبناته، فجاءوا به في وثاق، فحبسه يزيد عند الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وكان يزيد بن الوليد قد حبسهما عند قتله أباهما في الحضراء وهي دار بدمشق مشهورة قبل جامعها. قال ابن خلكان وقد خربت ومكانها معروف عندهم فأقام يوسف بن عمر في السجن إلى أن مات يزيد بن الوليد، وتولى بعده أخوه إبراهيم بن الوليد، ومن بعده عبد العزيز بن الحجاج، ثم تولى بعد الكل مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، وغلب على الأمر، خافت جماعة إبراهيم بن الوليد أن يدخل مروان دمشق فيخرج الحكم وعثمان ابني الوليد من السجن ويجعل لهما الأمر فيفتكان فيهم، فأجمع رأيهم على قتلهما، فأرسلوا يزيد بن خالد القسري ليتولى ذلك، فانتدب في جماعة من أصحابه لذلك، فدخلوا السجن، وشدخوا
الغلامين بالعمد وأخرجوا يوسف بن عمر، فضربوا عنقه لكونه قتل خالد بن عبد الله القسري والد يزيد المذكور. ولما قتلوه أخذوا رأسه عن جسده وشدوا أرجله، وقتل في مذاكيره حبل وهو يجر في ذلك الموضع نعوذ بالله من جميع الشرور ونسأله حسن عاقبة الأمور. وفيها توفي الحكم وعثمان ولدا الوليد بن عبد الملك المذكوران. وفيها توفي عبد الله بن دينار. مولى ابن عمر، وعمير بن هاني العنسي بالنون بعد العين المهملة الداراني، روى عن أبي هريرة وعن معاوية قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: اراك لا تفتر من الذكر فكم تسبح؟ قال: مائة ألف إلا أن يخطي الأصابع رحمه الله تعالى. وفيها توفي عبد الرحمن بن مالك الحراني الحافظ، ووهب بن كيسان، وقاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. قال شعبة: كان يصوم الدهر ويختم كل يوم، وقيل مات في سنة ست والإمام السدي المفسر الكوفي المشهور. وفيها وقيل في سنة ثمان توفي أبو إسحاق السبيعي شيخ الكوفة وعالمها، عاش نحو المائة. وفيها توفي السيد الكبير الولي الشهير ذو الإيمان الوثيق والورع الدقيق والمناقب العديدة والسيرة الجميلة الجليل الفضل والمقدار: ابو يحيى مالك بن دينار صاحب الهمة العلية والفضائل السنية، روي أنه أقام أربعين سنة لم يأكل من رطب البصرة ولا من تمرها. وروي أنه قد وقع حريق في البصرة، فقال شباب الحي بيت أبي يحيى مالك بن دينار، فخرج متزراً ببارية وبيده مصحف وقال: فاز المخففون أو قال: نجا المخففون، وكان عالماً زاهداً ورعاً لا يأكل إلا من كسبه، وكان يكتب المصاحف بالأجرة. وحكى أبو القاسم بن خلف الأندلسي في كتابه قال: بينا مالك بن دينار يوماً جالساً إذ جاءه رجل، فقال: يا أبا يحيى ادع الله لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب المالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أننا أنبياء، ثم قرأ ثم دعا فقال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً فإنك تمحو ما يشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده فما حطها حتى طلع الرجل من باب المسجد