المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة تسع وسبعين ومائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة تسع وسبعين ومائة

وفيها توفي شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أحد الأعلام وله نيف وثمانون سنة.

‌سنة ثمان وسبعين ومائة

فيها توفي جعفر بن سليمان الضبعي وكان أحد علماء البصرة، روى عن أبي عمران الجوني وطائفة، وأخذ عنه الشيخ عبد الرزاق اليماني.

‌سنة تسع وسبعين ومائة

فيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشيباني الخارجي الذي قالت أخته المسماة بالفارعة لما قتل:

أيا شجر الخابور ما لك مورقا

كأنك لم تجزع على ابن طريف

فتى لا يحب الزاد إلا من التقى

ولا المال إلا من قنا وسيوف

ولا الذخر إلا كل جردا هلدم

معاودة للكد بين صفوف

كأنك لم تشهد هناك ولم تقم

مقاماً على الأعداء غير خفيف

حليف الندى ما عاش يرضى به الندى

فإن مات لا يرضى الندى بحليف

فقدناك فقدان الشباب وليتنا

فديناك من دهمائنا بألوف

وما زال حتى أزهق الموت نفسه

شجا لعدو أو ملجأ لضعيف

ألا يا لقومي للحمام وللبلى

وللأرض همت بحلى برجوف

ألا يا لقومي للنوأئب والردى

ودهر ملج بالكرام عنيف

وللبدر من بين الكواكب إذ هوى

وللشمس لما أزمعت بكسوف

هو الليث كل الليث إذ يحملونه

إلى حفرة ملحودة وسقيف

ألا قاتل الله الحثا حيث أضمرت

فتى كان بالمعروف غير عنوف

فإن يك أراده يزيد بن مرثد

فرب رجوف لفها برجوف

عليه سلام الله وقفا فإنني

أرى المرت وقاعاً بكل شريف

وأول هذه المرثية:

بتل نباثي رسم قبر كأنه

على جبل فوق الجبال منيف

تضمن مجداً عد مكياً وسؤددا

وهمة مقدام ورأي خصيف

ص: 288

والعد مكي بالعين والدال المهملتين: المديم، ولها فيه مراثي كثيرة، قالوا: وكان يوم المصاف ينشد:

أنا الوليد بن الطريف الشاري

قسورة لا يصطلي بناري

ويقال إنه لما انكسر جيشه وانهزم، تبعه يزيد بنفسه حتى لحقه على مسافة بعيدة، فقتله وأخذ رأسه، ولما علمت بذلك أخته المذكورة لبست عدة حربها وحملت على جيش يزيد، فقال يزيد: دعوها، ثم خرج فضرب بالرمح فرسها. وقال أعرابي: عرب الله عليك، فقد فضحت العشيرة، فاستحيت وانصرفت، والخابور نهر معروف يصب في الفرات، وعلى هذا النهر مدن صغار تشبه الكبار في عمارة بلادها وأسواقها وكثرة خيراتها، وطريف بفتح الطاء المهملة وكسر الراء وسكون الراء المثناة من تحت وبعدها فاء، وتل نباثي معروف مضاف إلى نباتي بضم النون وبعدها موحدة وبعد الألف مثلثة مفتوحه في برية الموصل والحثا في قولها ألا قاتل الله الحثا جمع حثية وقولها:

فتى لا يريد الزاد إلا من التقى

ولا المال إلا من فتى وسيوف

قلت هذا البيت ظاهرة التناقض، فإن القائل يقول إن حصول المال بالقنا والسيوف ظاهره القتل والقتال ونهب الأموال، وهذا مناف للتقوى والجواب فيما يظهر والله تعالى أعلم: ان هذا لا تناقض فيه على مذهب الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالذنب ويرون الخروج عليهم، والدليل على كونه منهم قوله أنا الوليد بن الطريف الشاري، فنسب نفسه إلى الشراة، وهم الخوارج المتسمون بهذا الاسم بكونهم بزعمهم باعوا نفوسهم بالجنة، وقد أبدعت أخته في شعرها المذكور، وبلغت في بلاغته نهاية من النظم المشكور، وما سمعت من أشعار النساء أبلغ من شعرها وشعر الخنساء، كلتاهما رثت أخاها، ومن شعر الخنساء البليغ فيه:

وإن صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

أبدعت في التشبيه وناسبت بين طرفي البيت، لأنها لما جعلته هادي الهداة شبهته بدليل على دليل، وهما الجبل والنار، وأخت ابن طريف أيضاً أبدعت في مواضع من هذه الأبيات ومنها: تبكيتها لشجر الخابور، ومعاتبتها له على عدم تساقط ورقه لاحتراقه بنار الحزن على قتل أخيه الوليد المذكور، فاستعارت استعارة بالغة مشعرة بكون الكون جديراً بأن يحزن ويأسى على فقد من اتصف بالأوصاف الجميلة الثناء حيث قالت:

أيا شجر الخابور ما لك مورقاً

كأنك لم تحزن على ابن طريف

ص: 289

وقال بعضهم: أظنه في بلد نصيبين، وهو موضع الوقعة والشاري بفتح الشين المعجمة وبعد الألف راء واحدة، الشراة بضم الشين وهم الخوارج سموا بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائرة. وكان الوليد المذكور أحد الشجعان الأبطال، وكان رأس الخوارج، خرج في خلافة هارون الرشيد وبغى وحشد جموعاً كثيرة، فأرسل إليه هارون جيشاً كثيفاً مقدمه أبو خالد يزيد بن مرثد بن زائدة الشيباني، فجعل يخاتله ويماكره وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فأغروا به الرشيد، وقالوا إنه يراعيه لأجل الرحم وإلا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره، فوجه إليه الرشيد كتاب مغضب، وقال: لو وجهت أحد الخدام أو قال أصغر الخدم لقام بأكثر ما تقوم به، ولكنك مداهن متعصب، وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليبعثن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين، فالتقيا فظهر على الوليد فقتله، وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة في شهر رمضان، وهي وقعة مشهورة مسطورة في التاريخ. وفي السنة المذكورة توفي إمام دار الهجرة وشيخ الأئمة الجلة أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، نسبة إلى بطن من حمير، يقال له ذو أصبح، ولد سنة أربع وتسعين، وسمع من نافع والزهري وطبقتهما وأخذ القراءة عرضاً عن نافع بن أبي نعيم، قال الإمام الشافعي: اذا ذكر العلماء فلمالك النجم. وكان مالك طويلاً جسيماً عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية، وقيل تبلغ لحيته صدره، وقيل كان أشقر أزرق العينين يلبس الثياب العدنية الرفيعة البيض. وقال أشهب: كان مالك إذا أعتم جعل منها تحت ذقنه، ويسدل طرفيها بين كتفيه، وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلساناً وثياباً مروية جياداً، قيل: وكان يكره خلق الثياب، يعيبه ويراه من المثلة ولا يغير شيبه. وقال ابن عيينة لما بلغه موت مالك: ما ترك على وجه الأرض مثله. وقال أبو مصعب: سمعتعت مالكاً يقول: ما أفنيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وعنه أنه قال: قل رجل كنت أتعلم منه ومات حتى يجيئني ويستفتيني. قلت أخبر رضي الله عنه بنعمة الله تعالى عليه، وقد يقع مثل هذه الغيرة وقد والحمد لله وقع لي ذلك، فبعض شيوخي التمس مني أن يقرأ علي بعض العلوم وبعضهم سألني عن بعض الأحكام الفقهية، وبعضهم رجع عن بعض ما أفتى به لما وقف على ما أفتيت به

ص: 290

مخالفاً لفتياه، وبعضهم جاء بمسائل عديدة من بلاد بعيدة اشكلت عليه، وسالني أن أنظرفيها رجاء وضوحها وزوال إشكالها، وهو شيخنا وسيدنا وبركتنا الإمام العالم العامل العابد، الخاشع الصالح الورع الزاهد حليف المحراب وبركة الأصحاب، بل بركة الزمن. ونور اليمن، جمال الدين محمد بن أحمد الذهيبي بضم الذال المعجمة وبالموحدة المثناتين من تحت المشهور بالنصال، قدس الله روحه ونور ضريحه، وزاده من الأنعام والأفضال. وبعض شيوخي المتصدرين للقضاء والتدريس وغيرهما من الفضائل الشرعية والمناصب العلية، لما قرأت عليه كتاب الحاوي في الفقه قال بعد ما أكملته للحاضرين به اشهدوا على أنه شيخي فيه، وقال لي لقد استفدت منك فيه أكثر ما استفدت مني وهو الامام الفاضل، ذو المحاسن والفضائل والأوصاف الحميدة، الجميلة العديدة، القاضي نجم الدين الطبري، رحمه الله تعالى. وبعض الفضلاء النجباء العلماء الألباء قال: لي ما نتكلم في فن إلا حسب سامعك أن ذلك فنك دون غيره، وبعضهم كان يسميني الفرضي لكونه حضر عندنا يوماً في حساب الفرائض مع أن اشتغالي بعلم الفرائض كان أقل من اشتغالي بغيره من العلوم، واشتغالي بالعلوم كان أقل من نصف عشر اشتغال غيري من العلماء، وكنت آتي جماعة من شيوخ الفقراء والفقهاء والصلحاء وأتبرك بهم، فلم يمض كثير من الزمان حتى جاءوني زائرين، وقد كانوا من العلماء المقتدين بهم والشيوخ المشار إليهم، وأنا إذ ذلك أمي لا أقرأ ولا أكتب، والحمد لله ذو الجلال والإكرام على ما عود فضله من الجميل والأنعام. رجعنا إلى ذكر الإمام مالك، قال ابن وهب: سمعت منادياً ينادي بالمدينة ألا لايفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب، وكان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس صدر فراشه، وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: احب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يكره أن يحدث على الطريق أو قائماً أو مستعجلاً، ويقول: احب أن أفقههم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفونة. وقال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: ايهما أعلم؟ صاحبنا أم صاحبكم، يعني الإمامين أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما، قال: قلت: على الأنصاف؟ قال: نعم قال: فقلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن أو قال بكتاب الله صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحبنا أم صاحبكم؟ قال اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء يقيس. وقال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد، ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضور الجنائز، وكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ئم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحد يعزيه، ولا يقضي له حقاً، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه، وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له إنه لا يرى إيمان بيعتكم هذه شيئاً، فغضب جعفر ودعا به وجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمراً عظيماً، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حلياً حلي بها. وذكر ابن الجوزي في كتاب صدور العقول أنه ضرب مالك بن أنس تسعين سوطاً لأجل فتوى لم توافق غرض السلاطين، وقد تقدم أنه ولد سنة أربع وتسعين، وقيل خمس وتسعين، فعاش أربعاً وثمانين سنة، وقال الواقدي مات وله تسعون سنة، والله أعلم با لصواب. وحكى الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتاب جذوة المقتبس قال: حدث القعنبي قال: دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت بها برائي بسوط، ولقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي أو كما قال، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة، ودفن بالبقيع، ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج بقوله: عليه وآله وسلم، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفونة. وقال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: ايهما أعلم؟ صاحبنا أم صاحبكم، يعني الإمامين أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما، قال: قلت: على الأنصاف؟ قال: نعم قال: فقلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن أو قال بكتاب الله صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 291

وسلم صاحبنا أم صاحبكم؟ قال اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء يقيس. وقال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد، ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضور الجنائز، وكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ئم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحد يعزيه، ولا يقضي له حقاً، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه، وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له إنه لا يرى إيمان بيعتكم هذه شيئاً، فغضب جعفر ودعا به وجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمراً عظيماً، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حلياً حلي بها. وذكر ابن الجوزي في كتاب صدور العقول أنه ضرب مالك بن أنس تسعين سوطاً لأجل فتوى لم توافق غرض السلاطين، وقد تقدم أنه ولد سنة أربع وتسعين، وقيل خمس وتسعين، فعاش أربعاً وثمانين سنة، وقال الواقدي مات وله تسعون سنة، والله أعلم با لصواب. وحكى الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتاب جذوة المقتبس قال: حدث القعنبي قال: دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت بها برائي بسوط، ولقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي أو كما قال، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة، ودفن بالبقيع، ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج بقوله:

سقى الله جدثاً بالبقيع لمالك

من المزن مرعاد السحائب مبراق

إمام موطأه الذي طبقت به

أقاليم في الدنيا فساح وآفاق

أقام به شرع النبي محمد

له حذر من أن يضام وإشفاق

له مسند عال صحيح وهيبة

فللكل منه حين يرويه إطراق

وأصحابه بالصدق تعلم كلهم

إنهم إن أنت سألت حذاق

ص: 292