الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي زرارة بن أوفى العامري قرأ في الصبح: " فإذا نقر في الناقور " - المدثر: 8 - فخر ميتاً. وفيها توفي عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني، روى عن الصحابة، وولي قضاء المدينة، وعن الأعرج قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.
سنة أربع وتسعين
فيها توفي السيد المجمع على جلالته وديانته وإمامته الذي سما كل سيد تابعي بعد السيد العارف بالله أويس القرني أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني مفتي الأنام أحد الأئمة الأعلام، وقيل توفي في سنة ثلاث، قال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم: ما رأينا أعلم من ابن المسيب. وقال ابن عمر لأصحابه: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسره. وقال الزهري أخذ سعيد علمه عن زيد بن ثابت، وجالس ابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة، وسمع عثمان وعلياً وصهيباً ومحمد بن مسلمة، وجل روايته المسند عن أبي هريرة، وسمع من أصحاب عمر وعثمان، وكان يقال ليس أحد أعلم بكل ما قضى عمروعثمان منه، قال القاسم بن محمد: هو سيدنا وأعلمنا، وقال قتادة: ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له عليه فضلاًغيرأنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله. وقال زين العابدين علي بن الحسين: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار، وأفضلهم في روايته، وسئل الزهري ومكحول من أفقه من أدركتما؟ فقالا: سعيد بن المسيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ثار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي. ففقيه مكة عطاء، وفقيه اليمن طاوس، وفقيه اليمامة يحيى بن كثير، وفقيه البصرة الحسن، وفقيه الكوفة ابراهيم النخعي، وفقيه الشام مكحول، وفقيه خراسان عطاء الخراساني إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشي فيه غير مدفع سعيد بن المسيب رضي الله
عنهم، ذكر هذه النقولات الشيخ أبو إسحاق في الطبقات. قلت وهو المتقدم في فقهاء المدينة السبعة، جمع بين الحديث والفقه والورع والعبادة، وقال ابن عمر فيه: وقد أفتي في مسألة ألم أخبركم بأنه أحد العلماء، وروي أنه قال: حججت أربعين حجة، وعنه أيضاً أنه قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت إلى قفاء رجل في الصلاة منذ خمسين سنة يعني المحافظة على الصف الأول. قيل إنه صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة، وكان قد أخذ من أزواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثر روايته عن أبي هريرة، وكان زوج ابنته، والمسيب بفتح المثناة من تحت مشددة وروي عنه أنه كان يقول بكسرها ويقول إنه سيب الله من يسيب أبي وفضائله كثيرة معروفة شهيرة وقد أورد بعض العلماء في مناقبه مجلداً مستقلاً، ومن محاسنه وتواضعه وزهادته في الدنيا ومحبته للفقراء دون الأمراء ما اشتهر عنه أنه خطب ابنته بعض ملوك بني أمية فامتنع من تزويجه بها، وزوجها من بعض الفقراء المشتغلين عليه بالعلم، فذكر ذلك الفقير ذلك لأمه فقالت له البعيد مجنون سعيد بن المسيب يزوجك وبنته يخطبها الملوك، فسكت عنها، فلما كان الليل إذا بالباب يدق، فقال من هذا؟ قال سعيد فخرج اليه فإذا هو سعيد بن المسيب وبنته تحت ثوبه، فقال له: خذ إليك أهلك فإني كرهت أن ابنيك عزباً فأخذ زوجته وأدخلها البيت، فقالت أمه والله ما تقربها حتى تصلح من شأنها فأعلمت جارتها فاجتمعن وهيأن لها ما يصلح للعروس على حسب ما تيسر في ذلك الوقت: ثم زادها أبوها بعد ذلك، وبرهما بشيء من الدنيا رضي الله عنه.
قلت ومما يناسب هذه القصة: قصة أبي القواس شاه شجاع الكرماني فإنه لما زاد في الملك زهد في الملك، ودخل في طريق القوم خطبت ابنته بعض الملوك فلم يزوجها منه، وطاف في المساجد فوجد فقيراً يحسن صلاته، فقال له: الك زوجة؟ قال: لا. قال: فهل لك في زوجة جميلة تقرأ القرآن؟ فقال أنا رجل فقير ما يزوجني أحد. قال: اما تقدرعلى درهمين؟ قال: بلى. قال: فاشتر بدرهم خبزاً وبدرهم طيباً، فقد تم الأمر، ففعل فزوجه بابنته، فلما دخلت بنته بيت الفقير المذكور رأت قرصاً في البيت رجعت على ورائها، فسألها عن رجوعها فذكرت كلاماً معناه أني لا أرضى أبيت على معلوم، فأما أخرجه وإلا خرجت، فاخرج الرغيف فطابت نفسها، فاستقرت عنده. هذا مختصر القصة وقد أوضحتها في غير هذا الكتاب، رضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر الصالحين، ونفعنا الله ببركاتهم أجمعين آمين. وفي السنة المذكورة توفي أيضاً من الفقهاء السبعة السيد الجليل أبو محمد عروة بن الزبيرالجامع بين السيادة والعلم والعبادة، كان حافظاً للعم صواماً قواماً حتى روي أنه مات
وهوصائم، ومما اشتهر عنه أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لآكلة وقعت بها ولم تشعر بذلك. وقال الإمام الزهري: رأيت عروة بحراً لا ينزف، ويروى بحراً لا تكدره الدلا، وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء، لأنه مات فيها جماعة منهم، وإنما قيل الفقهاء السبعة لأنهم كانوا بالمدينة في عصر واحد. ومنهم انتشر العلم والفتيا. وقيل لأن الفتوى بعد الصحابة صارت إليهم وشهروا بها، وسيأتي ذكر كل واحد منهم في موضعه، وقد جمعهم لعض العلماء فى بيتين فقالى:
ألا كل من لا يقتدى بأئمة
…
فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
وخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجه
وكان في عصرهم جماعة من العلماء التابعين مثل سالم بن عبد الله بن عمر وأمثاله، ولكن الفتوى لم يكن إلا لهؤلاء السبعة، هكذا قال الحافظ السلفي. ووالدا عروة كلاهما ذو الجلالة والقدر، فأبوه الزبير بن العوام الصحابي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضي الله عنهم ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعروة شقيق أخيه عبد الله الزبير بخلاف أخيهما مصعب فإن أمه أخرى سمع عروة من خالته عائشة رضي الله عنها. وروى عنه ابن شهاب الزهري وغيره، وكان عالماً صالحاً ولما قطعت رجله من الأكلة لم يشعر الوليد بن عبد الملك بقطعها، وهو حاضر عنده لعدم تحركه حتى كويت، فوجد رائحة الكي على ما ذكر ابن قتيبة. قال: ولم يترك ورده تلك الليلة، وعاش بعد قطع رجله ثماني سنين ولما قتل أخوه عبد الله قال لعبد الملك بن مروان: اريد أن تعطيني سيف أخي. فقال: هو بين السيوف ولا أميزه فقال عروة: اذا حضرت السيوف فأنا أميزه فأمر عبد الملك باحضارها، فلما حضرت أخذ عروة منها سيفاً مقلل الحد، وقال: هذا سيف أخي. فقال عبد الملك: كنت تعرفه قبل الآن؟ فقال: لا فقال: كيف عرفته؟ فقال: بقول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
وعروة هو الذي احتفر البير المسماة ببير عروة في المدينة الشريفة، وليس فيها بير
أعذب ماء منها، وكان ولادته سنة اثنتين، وقيل سنة ست وعشرين. قال ابن خلكان وتوفي في قرية له دون المدينة، يقال لها فرع بضم الفاء وسكون الراء من ناحية الربذة بينها وبين المدينة أربع ليال، وهي ذات نخل ومياه. وذكر العتبي أن المسجد الحرام جمع بين عبد الله بن الزبير وأخويه عروة ومصعب وعبد الملك بن مروان أيام تألفهم بعد موت معاوية، فقالوا: هلم فلنمنه، فقال عبد الله بن الزبير: منيتي أن أملك الحرمين ويقال الخلافة، وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين فأجمع بين جميلتي قريش سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وقال عبد الملك: منيتي أن أملك الأرض كلها وأخلف معاوية. فقال عروة: ليست في شيء مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا والفوز بالجنة في الأخرى، وإن أكون ممن يروى عنه العلم، فقال: فما ماتوا حتى بلغ كل واحد منهم إلى أمله، وكان عبد الملك بن مروان لذلك يقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير. وفيها توفي أيضاً من الفقهاء السبعة أبو بكرعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب براهب قريش لعبادته وفضله، وكان مكفوفاً، وأبوه الحارث من جملة الصحابة، وهو أخو أبي جهل.
وفيها توفي زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. روى عن جماعة من السلف إنهم قالوا: ما رأينا أورع وبعضهم قالوا أفضل منه منهم سعيد بن المسيب، وقال أيضاً: بلغني أن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، قال: وسمي زين العابدين لعبادته، وقال بعضهم كان عبد الملك بن مروان يحبه ويحترمه، وكان الحسين يوم قتل والده مريضاً فلم يتعرض له، وأمه سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس. وذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: ان الصحابة لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فأمر ببيعهن فقال له علي رضي الله عنه إن بنات الملوك لا تعاملهن معاملات غيرهن، فقال: فكيف الطريق إلى بيعهن؟ فقال: تقومهن ومهما بلغ ثمنهن يقوم به من يختارهن، فقومهن وأخذهن علي بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى
لمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، فأولد عبد الله من التي آخذ سالماً، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد ولده القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة، وأمهاتهم بنات ملك الفرس المذكور. وحكى المبرد في كتاب الكامل أن رجلاً من قريش لم يسمه قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، فقال لي يوماً: من أخوالك؟ فقلت: امي فتاة وكأني نقصت من عينه فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر، فلما خرج من عنده قلت يا عم من هذا؟ قال سبحان الله أتجهل مثل هذا من قومك؟! هذا سالم بن عبد الله بن عمر. قلت: فمن أمه؟ قال: فتاة ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فجلس ثم نهض قلت يا عم من هذا؟ قال أتجهل من أهلك مثله؟ ما أعجب هذا هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قلت فمن أمه؟ قال فتاة. قال فأمهلت شيئاً حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسلم عليه ثم نهض فقلت: يا عم من هذا؟ قال هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن أبي طالب، قلت: من أمه. قال فتاه قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت أني لأم ولد فما لي في هؤلاء أسوة، قال فجللت في عينه جداً، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة، وفاقوا أهل المدينة فقهاً وورعاً فرغب الناس في السراري، وقيل إن أم زين العابدين يقال لها غزالة، وقيل سلامة من بلاد السند والله أعلم. وروي أن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له إنا نراك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها. وروي أيضاً أنه كان إذا توضأ اصفر لونه، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له ما لك؟ فقال ما تدرون بين يدي من أقوم؟ وكان إذا هاجت الريح سقط مغشياً عليه وقع حريق في بيت هو فيه، وهو ساجد، وجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النار، فما رفع رأسه. فقيل له في ذلك فيما بعد: فقال ألهتني عنها النار الأخرى. وكان يقول: ان قوماً ما عبدوا الله عز وجل رهبة فتلك عبادة العبد، وآخرين عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرين عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار، وكان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد، كان يسقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ويأخذ في صلاته، ويقضي ما فاته من ورد النهار. وروي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين العابدين: ان كنت كما قلت