المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وتسعين - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة أربع وتسعين

وفيها توفي زرارة بن أوفى العامري قرأ في الصبح: " فإذا نقر في الناقور " - المدثر: 8 - فخر ميتاً. وفيها توفي عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني، روى عن الصحابة، وولي قضاء المدينة، وعن الأعرج قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.

‌سنة أربع وتسعين

فيها توفي السيد المجمع على جلالته وديانته وإمامته الذي سما كل سيد تابعي بعد السيد العارف بالله أويس القرني أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني مفتي الأنام أحد الأئمة الأعلام، وقيل توفي في سنة ثلاث، قال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم: ما رأينا أعلم من ابن المسيب. وقال ابن عمر لأصحابه: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسره. وقال الزهري أخذ سعيد علمه عن زيد بن ثابت، وجالس ابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة، وسمع عثمان وعلياً وصهيباً ومحمد بن مسلمة، وجل روايته المسند عن أبي هريرة، وسمع من أصحاب عمر وعثمان، وكان يقال ليس أحد أعلم بكل ما قضى عمروعثمان منه، قال القاسم بن محمد: هو سيدنا وأعلمنا، وقال قتادة: ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له عليه فضلاًغيرأنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله. وقال زين العابدين علي بن الحسين: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار، وأفضلهم في روايته، وسئل الزهري ومكحول من أفقه من أدركتما؟ فقالا: سعيد بن المسيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ثار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي. ففقيه مكة عطاء، وفقيه اليمن طاوس، وفقيه اليمامة يحيى بن كثير، وفقيه البصرة الحسن، وفقيه الكوفة ابراهيم النخعي، وفقيه الشام مكحول، وفقيه خراسان عطاء الخراساني إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشي فيه غير مدفع سعيد بن المسيب رضي الله

ص: 148

عنهم، ذكر هذه النقولات الشيخ أبو إسحاق في الطبقات. قلت وهو المتقدم في فقهاء المدينة السبعة، جمع بين الحديث والفقه والورع والعبادة، وقال ابن عمر فيه: وقد أفتي في مسألة ألم أخبركم بأنه أحد العلماء، وروي أنه قال: حججت أربعين حجة، وعنه أيضاً أنه قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت إلى قفاء رجل في الصلاة منذ خمسين سنة يعني المحافظة على الصف الأول. قيل إنه صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة، وكان قد أخذ من أزواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثر روايته عن أبي هريرة، وكان زوج ابنته، والمسيب بفتح المثناة من تحت مشددة وروي عنه أنه كان يقول بكسرها ويقول إنه سيب الله من يسيب أبي وفضائله كثيرة معروفة شهيرة وقد أورد بعض العلماء في مناقبه مجلداً مستقلاً، ومن محاسنه وتواضعه وزهادته في الدنيا ومحبته للفقراء دون الأمراء ما اشتهر عنه أنه خطب ابنته بعض ملوك بني أمية فامتنع من تزويجه بها، وزوجها من بعض الفقراء المشتغلين عليه بالعلم، فذكر ذلك الفقير ذلك لأمه فقالت له البعيد مجنون سعيد بن المسيب يزوجك وبنته يخطبها الملوك، فسكت عنها، فلما كان الليل إذا بالباب يدق، فقال من هذا؟ قال سعيد فخرج اليه فإذا هو سعيد بن المسيب وبنته تحت ثوبه، فقال له: خذ إليك أهلك فإني كرهت أن ابنيك عزباً فأخذ زوجته وأدخلها البيت، فقالت أمه والله ما تقربها حتى تصلح من شأنها فأعلمت جارتها فاجتمعن وهيأن لها ما يصلح للعروس على حسب ما تيسر في ذلك الوقت: ثم زادها أبوها بعد ذلك، وبرهما بشيء من الدنيا رضي الله عنه.

قلت ومما يناسب هذه القصة: قصة أبي القواس شاه شجاع الكرماني فإنه لما زاد في الملك زهد في الملك، ودخل في طريق القوم خطبت ابنته بعض الملوك فلم يزوجها منه، وطاف في المساجد فوجد فقيراً يحسن صلاته، فقال له: الك زوجة؟ قال: لا. قال: فهل لك في زوجة جميلة تقرأ القرآن؟ فقال أنا رجل فقير ما يزوجني أحد. قال: اما تقدرعلى درهمين؟ قال: بلى. قال: فاشتر بدرهم خبزاً وبدرهم طيباً، فقد تم الأمر، ففعل فزوجه بابنته، فلما دخلت بنته بيت الفقير المذكور رأت قرصاً في البيت رجعت على ورائها، فسألها عن رجوعها فذكرت كلاماً معناه أني لا أرضى أبيت على معلوم، فأما أخرجه وإلا خرجت، فاخرج الرغيف فطابت نفسها، فاستقرت عنده. هذا مختصر القصة وقد أوضحتها في غير هذا الكتاب، رضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر الصالحين، ونفعنا الله ببركاتهم أجمعين آمين. وفي السنة المذكورة توفي أيضاً من الفقهاء السبعة السيد الجليل أبو محمد عروة بن الزبيرالجامع بين السيادة والعلم والعبادة، كان حافظاً للعم صواماً قواماً حتى روي أنه مات

ص: 149

وهوصائم، ومما اشتهر عنه أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لآكلة وقعت بها ولم تشعر بذلك. وقال الإمام الزهري: رأيت عروة بحراً لا ينزف، ويروى بحراً لا تكدره الدلا، وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء، لأنه مات فيها جماعة منهم، وإنما قيل الفقهاء السبعة لأنهم كانوا بالمدينة في عصر واحد. ومنهم انتشر العلم والفتيا. وقيل لأن الفتوى بعد الصحابة صارت إليهم وشهروا بها، وسيأتي ذكر كل واحد منهم في موضعه، وقد جمعهم لعض العلماء فى بيتين فقالى:

ألا كل من لا يقتدى بأئمة

فقسمته ضيزى عن الحق خارجه

وخذهم عبيد الله عروة قاسم

سعيد أبو بكر سليمان خارجه

وكان في عصرهم جماعة من العلماء التابعين مثل سالم بن عبد الله بن عمر وأمثاله، ولكن الفتوى لم يكن إلا لهؤلاء السبعة، هكذا قال الحافظ السلفي. ووالدا عروة كلاهما ذو الجلالة والقدر، فأبوه الزبير بن العوام الصحابي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضي الله عنهم ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعروة شقيق أخيه عبد الله الزبير بخلاف أخيهما مصعب فإن أمه أخرى سمع عروة من خالته عائشة رضي الله عنها. وروى عنه ابن شهاب الزهري وغيره، وكان عالماً صالحاً ولما قطعت رجله من الأكلة لم يشعر الوليد بن عبد الملك بقطعها، وهو حاضر عنده لعدم تحركه حتى كويت، فوجد رائحة الكي على ما ذكر ابن قتيبة. قال: ولم يترك ورده تلك الليلة، وعاش بعد قطع رجله ثماني سنين ولما قتل أخوه عبد الله قال لعبد الملك بن مروان: اريد أن تعطيني سيف أخي. فقال: هو بين السيوف ولا أميزه فقال عروة: اذا حضرت السيوف فأنا أميزه فأمر عبد الملك باحضارها، فلما حضرت أخذ عروة منها سيفاً مقلل الحد، وقال: هذا سيف أخي. فقال عبد الملك: كنت تعرفه قبل الآن؟ فقال: لا فقال: كيف عرفته؟ فقال: بقول النابغة الذبياني:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

وعروة هو الذي احتفر البير المسماة ببير عروة في المدينة الشريفة، وليس فيها بير

ص: 150

أعذب ماء منها، وكان ولادته سنة اثنتين، وقيل سنة ست وعشرين. قال ابن خلكان وتوفي في قرية له دون المدينة، يقال لها فرع بضم الفاء وسكون الراء من ناحية الربذة بينها وبين المدينة أربع ليال، وهي ذات نخل ومياه. وذكر العتبي أن المسجد الحرام جمع بين عبد الله بن الزبير وأخويه عروة ومصعب وعبد الملك بن مروان أيام تألفهم بعد موت معاوية، فقالوا: هلم فلنمنه، فقال عبد الله بن الزبير: منيتي أن أملك الحرمين ويقال الخلافة، وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين فأجمع بين جميلتي قريش سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وقال عبد الملك: منيتي أن أملك الأرض كلها وأخلف معاوية. فقال عروة: ليست في شيء مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا والفوز بالجنة في الأخرى، وإن أكون ممن يروى عنه العلم، فقال: فما ماتوا حتى بلغ كل واحد منهم إلى أمله، وكان عبد الملك بن مروان لذلك يقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير. وفيها توفي أيضاً من الفقهاء السبعة أبو بكرعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب براهب قريش لعبادته وفضله، وكان مكفوفاً، وأبوه الحارث من جملة الصحابة، وهو أخو أبي جهل.

وفيها توفي زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. روى عن جماعة من السلف إنهم قالوا: ما رأينا أورع وبعضهم قالوا أفضل منه منهم سعيد بن المسيب، وقال أيضاً: بلغني أن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، قال: وسمي زين العابدين لعبادته، وقال بعضهم كان عبد الملك بن مروان يحبه ويحترمه، وكان الحسين يوم قتل والده مريضاً فلم يتعرض له، وأمه سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس. وذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: ان الصحابة لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فأمر ببيعهن فقال له علي رضي الله عنه إن بنات الملوك لا تعاملهن معاملات غيرهن، فقال: فكيف الطريق إلى بيعهن؟ فقال: تقومهن ومهما بلغ ثمنهن يقوم به من يختارهن، فقومهن وأخذهن علي بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى

ص: 151

لمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، فأولد عبد الله من التي آخذ سالماً، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد ولده القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة، وأمهاتهم بنات ملك الفرس المذكور. وحكى المبرد في كتاب الكامل أن رجلاً من قريش لم يسمه قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، فقال لي يوماً: من أخوالك؟ فقلت: امي فتاة وكأني نقصت من عينه فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر، فلما خرج من عنده قلت يا عم من هذا؟ قال سبحان الله أتجهل مثل هذا من قومك؟! هذا سالم بن عبد الله بن عمر. قلت: فمن أمه؟ قال: فتاة ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فجلس ثم نهض قلت يا عم من هذا؟ قال أتجهل من أهلك مثله؟ ما أعجب هذا هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قلت فمن أمه؟ قال فتاة. قال فأمهلت شيئاً حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسلم عليه ثم نهض فقلت: يا عم من هذا؟ قال هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن أبي طالب، قلت: من أمه. قال فتاه قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت أني لأم ولد فما لي في هؤلاء أسوة، قال فجللت في عينه جداً، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة، وفاقوا أهل المدينة فقهاً وورعاً فرغب الناس في السراري، وقيل إن أم زين العابدين يقال لها غزالة، وقيل سلامة من بلاد السند والله أعلم. وروي أن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له إنا نراك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها. وروي أيضاً أنه كان إذا توضأ اصفر لونه، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له ما لك؟ فقال ما تدرون بين يدي من أقوم؟ وكان إذا هاجت الريح سقط مغشياً عليه وقع حريق في بيت هو فيه، وهو ساجد، وجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النار، فما رفع رأسه. فقيل له في ذلك فيما بعد: فقال ألهتني عنها النار الأخرى. وكان يقول: ان قوماً ما عبدوا الله عز وجل رهبة فتلك عبادة العبد، وآخرين عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرين عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار، وكان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد، كان يسقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ويأخذ في صلاته، ويقضي ما فاته من ورد النهار. وروي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين العابدين: ان كنت كما قلت

ص: 152