المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وتسعين - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة خمس وتسعين

فاستغفرالله، وإن لم تكن كما قلت فغفر الله لك، فقام إليه الرجل وقبل رأسه وقال: جعلت فداك لست كما قلت فاغفر لي. قال غفر الله لك، فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته. وسيأتي الأبيات التي قالها فيه الفرزدق لما جاء يستلم الحجر الأسود أعني قوله:

هذا ابن خيرعباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

الأبيات الآتية في سنة عشر ومائة، ومناقبه ومحاسنه كثيرة شهيرة، اقتصرت منها على هذه النبذة اليسيرة. وفيها توفي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد الأئمة الكبار، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

‌سنة خمس وتسعين

فيها أراح الله المسلمين بقلعه الحجاج بن يوسف الثقفي في ليلة مباركة لسبع وعشرين من رمضان، وله ثلاث وقيل أربع وقيل خمس وخمسون سنة، قالوا: وكان شجاعاً مقداماً مهيباً فصيحاً مفوهاً بليغاً سفاكاً للدماء عاملاً لعبد الملك بن مروان، ولي الحجاز سنتين ثم العراق وخراسان عشرين سنة، ولما توفي عبد الملك، وتولى ولده الوليد، اقره على ما بيده. وذكر في كتاب التعبير أنه أتي رجل ابن سيرين فقال: اني رأيت على شرفات مسجد المدينة حمامة بيضاء فعجبت من حسنها، فجاء صقر فاختطفها، فقال له ابن سيرين: إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر الطيار. فما مضى إلا يسير حتى تزوجها، فقيل له: يا أبا عبد الله كيف تخلصت إلى ذلك؟ فقال: ان الحمامة امرأة وبياضها نقاء حسنها، والشرفات شرفها، فلم أجد في المدينة امرأة أنقى حسناً ولا أشرف نسباً من ابنة عبد الله بن جعفر، ونظرت في الصقر فإذا هو سلطان ظالم غشوم، فلم أر في السلاطين أصقر من الحجاج بن يوسف. وذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن أم الحجاج الفارعة بالفاء والراء والعين المهملة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي كانت تحت الحارث بن كلدة الثقفي الطائفي حكيم العرب، فدخل عليها ذات ليلة في السحر فوجدها تخلل أسنانها، فبعث إليها بطلاقها، فأرسلت إليه: لم فعلت ذلك الشيء رابك مني؟ قال: نعم دخلت عليك في السحر وأنت تخللين، فإن كنت بادرت في الغداء فأنت شرهة، وإن كنت بت والطعام بين أسنانك فأنت قذرة، فقالت: كل ذلك لم يكن، لكني تخللت من شظايا السواك، فتزوجها بعده

ص: 153

يوسيف بن أبي عقيل الثقفي، فولدت له الحجاج لا دبر له فنقب عن دبره، وأبى أن يقبل ثدي أمه وغيرها، فأعياهم أمره، فيقال إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة حكيم العرب المذكور، فقال: ما خبركم؟ فقالوا: ابن ولد ليوسف من الفارعة وقد أبى أن يقبل ثدي أمه، فقال: اذبحوا جدياً وألقوه، او قال والعقوه دمه فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك، واذبحوا له في الثالث تيساً أسود وافعلوا بدمه كما تقدم، ثم اذبحوا له أسود سالخاً. قلت: كأنه يعني ثعبان أسود قد سلخ جلده واستبدل آخر، وأمرهم أن يطعموه دمه، ويطلوا به وجهه، وأخبرهم أنهم إذا فعلوا ذلك فإنه يقبل الثدي في اليوم الرابع، ففعلوا به ذلك فكان لا يصبر عن سفك الدماء لما كان عنه في أول أمره. وكان الحجاج يخبر عن نفسه: ان أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدر عليها غيره. وقيل إن الحجاج خطب يوماً، فقال في أثناء كلامه: ايها الناس إن الصبر عن محارم الله أهون من الصبر على عذاب الله، فقام له رجل وقال: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياؤك، فأمر به فحبس، فلما نزل عن المنبر دعا به فقال له اجترأت علي، فقال له: اتجترىء على الله فلا تنكره، وتجترىء عليك فتنكره؟! فخلي سبيله. وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب تلقيح فهوم أهل الأثرة أن الفارعة أم الحجاج كانت تحت المغيرة بن شعبة، وإن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه طاف ليلة في المدينة، فسمع امرأة تنشد فيه خدرها.

هل من سبيل إلى خمر فاشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

فقال عمر لا أرى معي في المدينة رجلاً يهتف به العواتق من خدورهن، علي بنصر بن الحجاج، فأتي به فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأحسنهم شعراً بفتح الشين والعين. فقال عمر عزيمة من أمير المؤمنين لتأخذن من شعرك فأخذ منه فخرج له وجنتان كأنهما فلقتا قمر فقال له: اعتم فاعتم ففتن الناس بعينيه، فقال عمر: والله لا يساكنني ببلدة، فقال ما ذنبي يا أمير المؤمنين: قال: هو ما أقول لك، وسيره إلى البصرة. وأخبار الحجاج كثيرة هو الذي بنى مدينة واسط، وسميت بذلك لتوسطها بين البصرة والكوفة. قالوا ولما حضرته الوفاة دعا منجماً فقال له: هل ترى في علمك ملكاً يموت؟ فقال نعم ولست، فقال ولم؟ قالط: لأن الذي يموت اسمه كليب فقال الحجاج: والله بذلك سمتني أمي فأوصى عند ذلك وكان ينشد في مرض موته ما قاله عبيد بن سفيان العكلي.

ص: 154

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا

ايمانهم أنني من ساكني النار

أيحلفون على عمياء ويحهم

ماظنهم بعظيم العفوغفار

وكان مرضه بالآكلة وقعت في بطنه، فدعا بالطبيب فأخذ لحماً وعلقه في خيط وسرحه في حلقه وتركه ساعة ثم أخرجه وقد علق به دود كبيرة، وسلط الله عليه بها الزمهريرة، وكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً وتدني منه حتى يحرق جلده وهو لا يحس بها، فشكا ما يجده إلى الحسن البصري فقال له: قد نهيتك أن تتعرض للصالحين. وقيل إن الحسن سجد يشكر الله تعالى لما مات الحجاج، فقال: اللهم كما أمته فأمت عنا سنته، وكان قد رأى الحجاج أن عينيه قلعتا، وكانت تحته هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة فطلق الهندين ظناً منه أن رؤياه تتأول بهما، فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه محمد بن يوسف من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد، فقال هذا والله تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد إنا الله وإنا إليه راجعون ثم قال من يقول شعراً ليسليني فقال الفرزدق.

إن الرزية لا رزية مثلها

فقدان مثل محمد ومحمد

ملكان قد خلت المنابر منهما

أخذ الحمام عليهما بالمرصد

وكان أخوه محمد بن يوسف المذكور والياً على اليمن، وكانت وفاة الحجاج في رمضان كما تقدم. قلت فقصته السم القاتل والشوم العاجل بقتل السيد الفاضل سعيد بن جبير كما سيأتي ذكر قتله له في شعبان من السنة المذكورة فأراح الله العباد والبلاد من الحجاج وما كان فيه من الإفساد. وذكرابن عبد ربه في العقد أن الفارعة كانت زوجة المغيرة بن شعبة فطلقها من أجل التخلل المذكور في الحكاية والله أعلم، وإن الحجاج وأباه كانا يعلمان الصبيان بالطائف، ثم لحق الحجاج بروح الجذامي وزير عبد الملك بن مروان وكان في عديد شرطته إلى أن رأى عبد الملك انحلال عسكره، وإن الناس لا يرتحلون برحيله، ولا ينزلون بنزوله، فشكا ذلك إلى وزيره المذكور، فقال لهم: ان في شرطتي رجلاً لو قلده أمير المؤمنين أمر عسكره لأرحل الناس برحيله وأنزلهم بنزوله يقال له الحجاج، قال: فإنا قد قلدناه ذلك، فقال لا

ص: 155

يقدر أحد أن يتخلف عن الرحيل والنزول إلا أعوان الوزير المذكور، فوقف عليهم يوماً وقد أرحل الناس وهم على طعام يأكلون، فقال لهم: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير ألمؤمنين؟ فقالوا له: انزل يا ابن اللخناء وكل معناه. فقال لهم: هيهات ذهب ذلك ثم أمرهم فجلدوا بالسياط، وطوف بهم في العسكر، وأمر بفساطيط الوزير فأحرقت بالنار، فدخل الوزير على عبد الملك شاكياً باكياً، فقال: علي به، فلما دخل عليه قال ما حملك على ما فعلت؟ فقال: انا ما فعلت شيئاً، قال: فمن فعل؟ قال أنت فعلت أنا يدي يدك وسوطي سوطك وما على أمير المؤمنين أن يعوض عن ذلك ولا يكسرني فيما قدمني له فعوض الوزير ما ذهب له، وكان ذلك أول ما عرف من كفاية الحجاج وسطوته، ثم كان له في سفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها.

ويقال إن زياد ابن أبيه أراد أن يتشبه بعمر بن الخطاب في ضبطه الأمور والقيام بالسياسات فاسرف وتجاوز الحد، وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر، فأهلكه الله ودمره. وفي السنة المذكورة توفي الإمام الكبير السيد الشهير العبد الصالح سعيد بن جبدر الأسدي مولاهم المقري الفقيه المحدث المفسر، قتله الحجاج كما تقدم في شهر شعبان. وكان أحد علماء التابعين، اخذ العلم عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، فقال له ابن عباس: حدث. فقال: احدث وأنت هاهنا؟! فقال: اليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا هاهنا: فإن أصبت فداك، وإن أخطأت علمتك، وكان لا يستطيع أن يكتب مع ابن عباس في الفتيا، فلما عمي ابن عباس كتب وأخذ عنه أيضاً القراءة عرضا وسمع منه التفسير، وأكثر روايته عنه، وروي أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام، وعن بعض السلف قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وليلة بقراءة أخرى وهكذا أبداً. وقال وفاء بن إياس قال لي سعيد بن جبير في رمضان أمسك علي القرآن فما قام من مجلسه حتى ختم، وقال بعضهم كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير مجاهد، وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير، رحمة الة عليهم. وذكر الإمام أبو نعيم الأصفهاني في تاريخ أصفهان أنه دخلها وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها إلى العراق، وروى محمد بن حبيب أنه كان بأصفهان يسألونه عن الحديث ولا يحدث،

ص: 156

فلما رجع إلى الكوفة حدث، فقيل له في ذلك، فقال: انشر يدك حيث تعرف، وقيل للحسن البصري أن الحجاج قد قتل سعيد بن جبير، فقال: اللهم أنت على فاسق ثقيف، والله لو أن من أهل المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار. وقال الإمام أحمد بن حنبل قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه، ولم يسلطه الله بعده على قتل أحد. وذكر بعضهم أنه لما أراد أن يقتله قال له: ما اسمك. قال: سعيد قال ابن من؟ قال: ابن جبير قال الحجاج: بل أنت شقي بن كثير قال: الله أعلم بي إذ خلقني قال: وجهوا به القبلة واقتلوه، فلما فعلوا به ذلك قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين. قال: حولوا وجهه عن القبلة فحولوه، فقال: فأينما تولوا فثم وجه الله. ولما قتله سال منه دم كثير، فاستدعى الحجاج الأطباء وسألهم عن ذلك، وعمن كان قبله فإنهم كان يسيل منه دم قليل، فقالوا: لأن هذا قتلته ونفسه معه والدم تبع النفس، وغيره قتلتهم وأنفسهم ذاهبة من الخوف فلذلك دمهم قليل. وقيل إن الحجاج لما حضرته الوفاة كان يغيب ثم يفيق ويقول: ما لي؟ ولسعيد بن جبير وأنه قيل له في النوم بعد موته ما فعل الله تعالى بك؟ قال قتلني بكل قتيل قتلة واحدة وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة، فإنه كان في مدة مرضه إذا نام رأى سعيد بن جبير أخذ بمجامع ثوبه يقول يا عدو الله فبم قتلتني؟ فيستيقظ مذعوراً ويقول ما لي ولسعيد؟ كان عمر بن جبير تسعاً وتسعين سنة، وقبره يزار في واسط، رضي الله عنه. وفي السنة المذكورة توفي أبو إسحاق ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى عن أبيه وسعيد وجماعة. وفيها توفي السيد الجليل الصفوة الفقيه العابد المجاب الدعوة مطرف بن عبد الله بن الشخير بكسر الشين والخاء المعجمتين والتشديد وسكون الياء المثناة من تحت وفي آخره راء العامري البصري روى عن علي وعمار. وفيها توفي فقيه العراق الإمام بالاتفاق أبو عمران ابراهيم بن يزيد النخعي، اخذ عن علقمة والأسود ومسروق، ورأى عائشة وهو صبي، ولما حضرته الوفاة جزع جزعاً شديداً فقيل له في ذلك فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟ أتوقع رسولاً يرد علي إما بالجنة وأما بالنار والله لوددت أنها تجلجل في حلقي إلى يوم القيامة يعني نفسه والنخع بفتح النون والخاء المعجمة وبعدها عين مهملة قبيلة كبيرة من مذحج باليمن سميت باسم الجد لأنه

ص: 157