الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لقد نزل من الملاتكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطأوا الأرض قبل ذلك ". قال ابن عبد البر: وبلغني عن بعض السلف أن جبرائيل عليه السلام نزل من السماء معتماً بعمامة من استبرق، وقال: يا نبي الله من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتزله العرش؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريعاً يجر ثوبه فوجد سعداً وقد قبض، وفي ذلك يقول رجل من الأنصار شعراً.
وما اهتز عرش الله من موت هالك
…
علمنا به إل السعد أبي عمرو
السنة السادسة
فيها بيعة الرضوان في ذي القعدة، وموت سعد بن خولة بمكة، وذكر بعضهم فيها غزوة بني المصطلق، وفرض الحج فيها، وقيل سنة خمس، وكسفت الشمس ونزل حكم الظهار.
السنة السابعة
فيها غزوة خيبر، وفتحها في صفر، وأكرم فيها بالشهادة بضعة عشر. وتزوج صلى الله عليه وآله وسلم صفرة، وميمونة، وأم حبيبة، وجاءته مارية القبطية هدية، وبغلته دلدل، وقدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة رضي الله عنهم، وأسلم أبو هريرة رضي الله عنه. وفيها عمرة القضاء في ذي القعدة التي قضاها المسلمون عن عمرة الحديبية.
السنة الثامنة
فيها غزوة مؤتة في جمادى الأولى، فاستشهد الأمراء الثلاثة الأجلة السادة زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن فضائله تقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمارة. على الأمراء، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" وإن كان خليقأ للأمرة " أي حقيقاً بها، وكان قد أسرته العرب، وهو صبي، فجلب إلى المدينة. فسمع به قرابته، فقدم منهم جماعة لأجله وفيهم أبوه وعمه، فوجدوه قد ملكه النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، وأعتقه، فكلموه صلى الله عليه وآله وسلم فيه، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم الخيرة إلى زيد أن اختار قومه أرسله معهم وإن اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام معه، فرغبه أهله إلى أن يختارهم، فأبى، واختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسعادة السابقة، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، وفيه نزل " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه " الأحزاب قيل أنعم الله تعالى عليه بالإيمان، وأنعمت عليه بالعتق والإحسان. وزوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش، فأقامت عنده. إلى أن فارقها لما فهم أن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها رغبة موثراً بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه، فزوجها الله تعالى عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أخبر سبحانه بقوله " فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكما " عوضها الله تعالى أشرف الخلق وأكرمهم صلى الله عليه وآله وسلم، لما انقادت وأطاعت في زواج زيد بعد أن كانت قد كرهته هي وأخوها لكونه مولى، فلما أنزل الله عز وجل في ذلك:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " الآية إذعناً وأطاعا واستسلما لحكم الله تعالى فأعقبها ذلك السعادة الكبرى في الدنيا والآخرة. وقال ابن عبد البر: كان قد سبي في الجاهلية، وهو غلام، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبناه صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل النبوة، فهو ابن ثمان سنين، فقال أبوه حارثة حين فقده. أشعاراً:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحي يرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإن كنت سائلاً
…
أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها
…
ويعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره
…
فيا طول ما حزني عليه وما وجل
سأعمل نضر العيش في الأرض جاهداً
…
ولا أسأم التطواف أوتشأم الأبل
حياتي أو تأتي علي منيتي
…
وكل امرء فان وإن غره الأمل
فحج بعد ذلك ناس من كلب فرأوا زيداً، فعرفهم، وعرفوه، فقال لهم أبلغوا أهلي الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فأنشد أشعاراً:
أحن إلى قومي وإن كنت نائياً
…
فإني قعيد البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم
…
ولا تعلموا في الأرض نض الأباعر
فإني بحمد الله في خيرأسرة
…
كرام معد كابن بعد كابن
فانطلق الكلبيون وأعلموا أباه فخرج أبوه وعمه لفدائه، وقدما مكة والياً النبي صلى اله عليه وآله وسلم، وقالا له: يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله. وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه، قال:" من هو؟ " قالوا: زيد بن حارثة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:" فهلا غير ذلك " قالوا: وما هو؟ قال: " ادعوه فأخبره فإن اختاركم، فهو لكم وإن اختارني، فو الله ما أنا بالذي اختارعلى من اختارني أحداً " قالوا: قد زدتنا على النصف، وأحسنت، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخيره، فقال: ما أنا بالذي اختار عليك أحداً أنت مني مكان الأب والعم، فقالوا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وأهل بيتك؟ قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، أدخله الحجر، وقال:" يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني، يرثني وأرثه " فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فادعي يومئذ زيد بن محمد. وذكر معمر في جامعه عن الزهري، قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة قال عبد الرزاق، وما أعلم أحداً ذكر هذا غير الزهري، وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول من أسلم خديجة، وشهد زيد بدراً، وزوجه صلى الله عليه وآله وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة، وكان يقال له: حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا يقال: لزيد، ثم زوجه صلى الله عليه وآله وسلم زينب على ما تقدم والله أعلم. ثم استشهد بعده جعفربن أبي طالب، وهو ابن إحدى وأربعين سنة. ومن فضائله ارسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أميراً، وحصول الهجرتين له ولأصحابه، وصدقه بين يدي النجاشي في أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه عبد الله ورسوله مع اتخاذ النصارى له إلهاً وقتلهم من يصفه بكونه عبداً، واسهامه صلى الله عليه وآله وسلم ولأصحابه يوم خيبر، ولم يكونوا شهدوا الوقعة، وشدة شفقته على المساكين وبره لهم كما ورد في الحديث. قلت: هذا ما لخصته من أقوال العلماء، وكان يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
خلقه وخلقه، وكان أكبر من علي بعشر سنوات، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين أيضاً، " ولما قتل عوضه الله بقطع يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء " رواه الزبير بن بكار في تاريخه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورواه ابن أبي شيبة. ثم استشهد بعدهما عبد الله بن رواحة الخزرجي ومن فضائله أنه أحد النقباء ليلة العقبة وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله أميراً بعد جعفر ومنها قوة إيمانه ومن ذلك قوله شعراً.
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إذ لاقينا
إن الأعادي قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
وقوله:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
…
إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أتانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
…
به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
…
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ثم أخذ الراية خالد بن الوليد المخزومي لما أصيب الأمراء الثلاثة المذكورون من غير إمرة فاستظهر على المشركين، وتحيز بالمسلمين. وهي أول مشاهده في الإسلام قلت وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:" ثم أخذها سيف من سيوف الله " مدح عظيم، وفخر وتنويه إلى آخر الدهر. وفي السنة المذكورة فتح مكة في رمضان، وغزوة حنين في شوال، ثم حصار الطائف ونصب المنجنيق عليها، ثم رحل المسلمون عنها وأسلم أهلها في العام القابل، وفيها غزوات ذات السلاسل وغلاء السعر فقالوا سعر لنا يا رسول الله فاعلمهم أن الله تعالى هو المسعر، وهو القابض والباسط. وفيها ولد ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت ابنته زينب، وهي أكبر أولاده صلى الله عليه وسلم.