المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة عشر مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة عشر مائة

أبي الزناد قال: ما رأيت فقيهاً أعلم منه، وقال ابن عيينة، كان القاسم افضل زمانه، وعن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان أمر الخلافة إلي لما عدلت عن القاسم، واتفقوا على أنه من كبار سادات التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة الجلة. وقال محمد بن إسحاق: جاء رجل إلى القاسم بن محمد فقال: انت أعلم أم سالم؟ يعني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فقال ذاك مبارك، قال ابن إسحاق: كره أن يقول هو أعلم فيكذب، او يقول أنا أعلم فيزكي نفسه.

‌سنة ثمان ومائة

فيها توفي أبو عبد الله المزني، البصري الفقيه، روى عن المغيرة بن شعبة وجماعة، وفيها وقيل في سنة ست توفي أبو بصرة العبدي المنذر بن مالك أحد شيوخ البصرة، اعا علياً وطلحة والكبار، وقيل في سنة تسع ويزيد بن عبد الله بن الشخير، عاش نحواً من تسعين سنة، وكان ثقة جليل القدر، لقي عمران بن حصين وجماعة، وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة ومحمد بن كعب القرظي، روى عن كبار الصحابة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان كثير العلم موصوفاً بالعلم والورع والصلاح.

‌سنة تسع ومائة

فيها توفي أبو نجيح يسار المكي مولى ثقيف، روى عن أبي سعيد وجماعة، قال الإمام أحمد: كان من خيار عباد الله، وفيها توفي أبو الحارث بن أبي الأسود الديلي البصري، روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجماعة.

‌سنة عشر مائة

فيها توفي الإمام القدوة المجمع على جلالله وصلاحه وزهادته وفضله وأمانته أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وسمع خطبة عثمان رضي الله تعالى عنهما، وشهد يوم الدار، وكثرة شهرته تغني عن مدحته، قال بعض أهل

ص: 181

الطبقات كان جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً، رحمة الله عليه. وقال غيره: كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع من كل من علم وزهد وورع وعبادة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وربما غابت أمه في حاجة، فيبكي، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه، فتدر عليه فيروى، ان تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك. قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي. فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن. وكان من أجمل أهل البصرة، ولما ولي عمرو بن هبيرة الفزاري العراق، وأضيفت إليه خراسان في أيام يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وذلك في سنة ثلاث ومائة، فقال لهم: ان يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليه الميثاق بطاعته، وأخذ عهودنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون، فيكتب إلي بالأمر من أموره فأقلده ما يقلده من ذلك الأمر، فقال ابن سيرين والشعبي: قولاً فيه تقية. فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله، ويوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصر إلى مضيق قبر، ثم لا ينجيك إلا عملك. يا ابن هبيرة، اياك أن تعصي الله، فإنما جعل الله هذا السلطان ناصر الدين الله وعباده، فلا تتركن دين الله وعباده بهذا السلطان، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأجازهم ابن هبيرة، وأضعف جائزة الحسن، فقال محمد بن سيرين والشعبي: سفسفنا فسفسف لنا. قلت: السفاف الردي من العطية. وروي أنه كتب عمربن عبد العزيز إلى الحسن رضي الله عنهما يقول له: اني قد ابتليت بهذا الأمر، فانظر لي أعواناً يعينوني عليه، فكتب إليه الحسن كتاباً يقول في أثنائه: اما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله والسلام. ورأى الحسن يوماً رجلاً وسيماً حسن الهيئة، فسأل عنه، فقيل: انه يتمسخر للملوك ويحبونه، فقال: لله أبوه أو قال: لله دره ما رأيت أحداً يطلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا، قلت يعني أن الدنيا رذيلة، فأخذها بالرذائل أنسب من أخذها بالفضائل، وكان أكثر كلامه حكماً وبلاغة. ولما حضرته الوفاة أغمي عليه قبل موته، ثم أفاق فقال: لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم، وقال رجل كريم قبل موته لابن سيرين: رأيت كأن طائراً أخذ حصاة بالمسجد، فقال: ان صدقت رؤياك مات الحسن، فلم يكن إلا قليلاً حتى مات الحسن، فتبع الناس جنازته، فلم تقم صلاة العصر بالجامع، وما علم أنها تركت فيه مذ كان الإسلام

ص: 182

إلا يومئذ، لأنهم تبعوا الجنازة حتى لم يبق من يصلي في المسجد، قلت وله مع الحجاج وقعات عظيمة واجهه فيها بكلام صادع، وسلمه الله من شره، ومما روي من تفحيم الحجاج أنه جاء ذات يوم راكباً على برذون أصفر، فأم الجامع، فلما دخله رأى فيه حلقات متعددة فأم حلقة الحسن، فلم يقم له بل وسع في المجلس، فجلس إلى جنبه. قال الراوي: فقلنا: اليوم ننظر إلى الحسن، هل يتغير من عادته في كلامه وهيئته؟ فلم يغير شيئاً من ذلك بل أخذ على نسق وأخذ عادته من غير زيادة ولانقص. فلما كان في آخر المجلس قال الحجاج: صدق الشيخ عليكم بهذه المجلس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ". ولولا ما ابتلينا من هذا الأمر لم تغلبونا عليها، او قال لم تسبقونا إليها، ثم افترعن لفظ أعجب به الحاضرون، ثم نهض فمشى طريقه. وذكر أهل علم التعبير أن الحسن رأى كأنه لابس صوف وفي وسطه كستيج بضم الكاف وسكون السين المهملة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت وفي آخره جيم، وفي رجله قيد وعليه طيلسان عسلي، وهو قائم على مزبلة وفي يده طنبورة يضربه، وهو مستند إلى الكعبة، فقصت رؤياه على ابن سيرين، فقال: اما لبسه الصوف فزهده، وأما كستيجه فقوته في دين الله، وأما عسيلته فحبه للقرآن وتفسيره للناس، وأما قيده فثباته في ورعه، وأما قيامه على المزبلة

فدنياه جعله تحت قدميه، اما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس، وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله تعالى. وأرى أيضاً في المنام كأنه عريان جرد لا يستحي من الناس، وبيده سيف له بريق يضربه على أحجار وهو يشقها، فأرسل من يقص رؤياه على ابن سيرين، فقال أما تجرده فقلة ذنوبه واخلاصه بين الناس، وأما سيفه فلسانه وكلمته، وأما الأحجار فقلوب الناس، وأما شقها فدخول موعظته وحكمته في قلوبهم والحسن البصري منسوب إلى البصرة، والبصرة في الأصل بفتح الموحدة وكسرها وسكون الصاد المهملة حجارة رخوة ترجع إلى البياض، وبها سميت البصرة بصرة فإذا أسقطت الهاء قيل بصر بالكسر، وإنما قالوا بالنسب بصري كذلك قاله ابن قتيبة وغيره. والبصرتان: البصرة والكوفة، والكوفة قديمة جاهلية والبصرة حادثة إسلامية بناها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سنة أربع عشرة من الهجرة على يد عتبه بن غزوان. وفيها توفي يوم الجمعة في شوال شيخ البصرة مع الحسن في أوانه وإمام المعبرين في زمانه أحد الجلة الورعين محمد بن سيربن، كان إماماً يقتدى به، سمع من أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم. وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وغيرهم من الأئمة، قال أيوب: اريد على القضاء، ففر إلى الشام وإلى اليمامة. وقال بعض السلف: ما رأيت أفقه في ورعه من محمد بن سيرين، وقال هشام بن حسان: حدثني أصدق من رأيت من البشر، او قال من العالمين محمد بن سيرين وقال ابن عون: لم أر مثل محمد بن سيرين. وكان الشعبي يقول عليكم بذاك الأصم، يعني ابن سيرين، فإنه كان في إذنه صمم، كان أبوه عبد أنس بن مالك رضي الله عنه، كاتبه على أربعين ألف درهم وقيل عشرين ألفاً فأدى ما كوتب عليه، وكانت أمه مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعون لها، وحضر أملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبي بن كعب، وكان ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي بعد الحسن بمائة يوم، وكان قد حبس بدين كان عليه، ذكر المعبرون أنه جاءه رجل يقال رأيت على ساقي رجل شعراً كثيراً فقال: يركبه دين ويموت في السجن، فقال له الرجل: لك رأيت هذه الرؤيا، فاسترجع. قيل: ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضى عنه ذلك بعض الصالحين، وقيل كان عليه ثلاثون ألف درهم فقضاها ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتى قوم ماله ثلاث مائة ألف درهم، وولد لابن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة عربية، ولم يبق منهم إلا عبد الله. وحكي إن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغدى، فقالت: يا أبا بكر رأيت رؤيا، فقال لها: تقصين أو تتركين حتى آكل؟ فقالت: بلى أتركك، فلما فرغ، قال لها: قصي رؤياك. فقالت: رأيت القمر قد دخل في الثريا، فناداني مناد أن أمضي إلى ابن سيرين، فقصى عليه هذا، قال: فقبض ابن سيرين يده، وقال: ويلك كيف رأيت؟ فأعادت عليه، فاصفر وجهه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له أخته: ما لك؟ قال: قد زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام، قال فعدوا من ذلك اليوم سبعة أيام فدفن في اليوم السابع. وحكي أنه جاء رجل فقال له: اني رأيت طائراً سميناً، ما أعرف ما هو، وقد تدلى من السماء، فوقع على شجرة، وجعل يلتقط الزهر، ثم طار، فتغير وجه ابن سيرين، وقال: هذا، اموت العلماء، فمات في ذلك العام الحسن البصري ومحمد بن سيرين رحمة الله علبهما. اه جعله تحت قدميه، اما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس، وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله تعالى. وأرى أيضاً في المنام كأنه عريان جرد لا يستحي من الناس، وبيده سيف له بريق يضربه على أحجار وهو يشقها، فأرسل من يقص رؤياه على ابن سيرين، فقال أما تجرده فقلة ذنوبه واخلاصه بين الناس، وأما سيفه فلسانه وكلمته، وأما الأحجار فقلوب الناس، وأما شقها فدخول موعظته وحكمته في قلوبهم والحسن البصري منسوب إلى البصرة، والبصرة في الأصل بفتح الموحدة وكسرها وسكون الصاد المهملة حجارة رخوة ترجع إلى البياض، وبها سميت البصرة بصرة فإذا أسقطت الهاء قيل بصر بالكسر، وإنما قالوا بالنسب بصري كذلك قاله ابن قتيبة وغيره. والبصرتان: البصرة والكوفة، والكوفة قديمة جاهلية والبصرة حادثة إسلامية بناها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سنة أربع عشرة من الهجرة على يد عتبه بن غزوان. وفيها توفي يوم الجمعة في شوال شيخ البصرة مع الحسن في أوانه وإمام المعبرين في زمانه أحد الجلة الورعين محمد بن سيربن، كان إماماً يقتدى به، سمع من أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم.

ص: 183

وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وغيرهم من الأئمة، قال أيوب: اريد على القضاء، ففر إلى الشام وإلى اليمامة. وقال بعض السلف: ما رأيت أفقه في ورعه من محمد بن سيرين، وقال هشام بن حسان: حدثني أصدق من رأيت من البشر، او قال من العالمين محمد بن سيرين وقال ابن عون: لم أر مثل محمد بن سيرين. وكان الشعبي يقول عليكم بذاك الأصم، يعني ابن سيرين، فإنه كان في إذنه صمم، كان أبوه عبد أنس بن مالك رضي الله عنه، كاتبه على أربعين ألف درهم وقيل عشرين ألفاً فأدى ما كوتب عليه، وكانت أمه مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعون لها، وحضر أملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبي بن كعب، وكان ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي بعد الحسن بمائة يوم، وكان قد حبس بدين كان عليه، ذكر المعبرون أنه جاءه رجل يقال رأيت على ساقي رجل شعراً كثيراً فقال: يركبه دين ويموت في السجن، فقال له الرجل: لك رأيت هذه الرؤيا، فاسترجع. قيل: ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضى عنه ذلك بعض الصالحين، وقيل كان عليه ثلاثون ألف درهم فقضاها ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتى قوم ماله ثلاث مائة ألف درهم، وولد لابن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة عربية، ولم يبق منهم إلا عبد الله. وحكي إن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغدى، فقالت: يا أبا بكر رأيت رؤيا، فقال لها: تقصين أو تتركين حتى آكل؟ فقالت: بلى أتركك، فلما فرغ، قال لها: قصي رؤياك. فقالت: رأيت القمر قد دخل في الثريا، فناداني مناد أن أمضي إلى ابن سيرين، فقصى عليه هذا، قال: فقبض ابن سيرين يده، وقال: ويلك كيف رأيت؟ فأعادت عليه، فاصفر وجهه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له أخته: ما لك؟ قال: قد زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام، قال فعدوا من ذلك اليوم سبعة أيام فدفن في اليوم السابع. وحكي أنه جاء رجل فقال له: اني رأيت طائراً سميناً، ما أعرف ما هو، وقد تدلى من السماء، فوقع على شجرة، وجعل يلتقط الزهر، ثم طار، فتغير وجه ابن سيرين، وقال: هذا، اموت العلماء، فمات في ذلك العام الحسن البصري ومحمد بن سيرين رحمة الله علبهما.

وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، التي أصدقها الديباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ألف ألف درهم، قلت وقد تقدم أن أختها سكينة تزوجها

ص: 184

مصعب بن الزبير هي وعائشة بنت طلحة، وأنه أصدق عائشة المذكورة مائة ألف دينار. وفيها توفي جرير والفرزدق الشاعران الشهيران، قال ابن خلكان: كان جرير من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة، قال وهو أشعر من الفرزدق عند أكثرأهل العلم بهذا الشأن. وقال أجمعت العلماء أنه ليس في شعراء الإسلام أشعر من ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. قال: ويقال: ان بيوت الشعر أربعة فخر ومديح وهجاء وتشبيب، وفي الأربعة فاق جرير غيره، في الفخر قوله:

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

ويروى وجدت الناس. وفي المديح قوله:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

وفي الهجاء قوله:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولا كلابا

وفي التشبيب قوله:

إن العيون التي في طرفها حور

يقتلننا ثم لا يحيين قتلابا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له

وهن أضعف خلق الله أركانا

قلت قوله: قد أجمعت العلماء على أنه ليس في شعر الإسلام مثل ثلاثة جرير والفرزدق والأخطل، ليس بصحيح، بل الخلاف بينهم واقع، وقد رجح كثير من المتآخرين بل أكدرهم قول ثلاثة آخر على الثلاثة المذكورين، وهم أبو تمام والبحتري - والمتنبي -، ثم اختلفوا أيضاً اختلافاً كثيراً في الثلاث المتآخرين، ايهم أرجح؟ وفصل بعضهم في التفضيل بينهم في أشياء يطول ذكرها، وقد أوضحت ذلك في الشرح الموسوم بمنهل المفهوم المروي من صداء الجهل المذموم في شرح ألسنة العلوم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة المتنبي إيضاح ذلك مشبعاً موصولاً ومفرعاً. ومن أخبار جرير ما حكى صاحب الجليس والأنيس في كتابه أنه قيل لجرير: ما كان أبوك صائغاً؟ حيث يقول:

لو كنت أعلم أن آخرعهدهم

يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

ص: 185

قال: كان يقلع عينيه، ولا يرى مظعن أحبابه. وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغانى في ترجمة جرير أنه قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا شبب لعب، وإذا طلب جد، فإذا لعب أطمعك لعبه، وإذا رميته أو قال رمته بعد عنك وإذا جد فيما قصدته آيسك من نفسه، قال: مثل من. قال: مثل جرير حيث قال:

إن الذين غد وابليلي غادروا

وشدا بعينك ما يزال معينا

غيضن من عبراتهن وقلن لي

ماذا لقيت من الهوى ولقينا

ثم قال حين جد شعراً:

إن الذي حرم المكارم تغلبا

جعل النبوة والخلافة فينا

مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم

يا خزر تغلب من أب كأبينا

هذا ابن عمي في دمشق خليفة

لو شئت ساقكم إلي قطينا

قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله، قال: ما زادا ابن كذا وكذا على أن جعلني شرطياً له، اما أنه لو قال: لو شاء ساقكم إلي قطينا لسقتهم إليه كما قال. قلت وهنا الانكار الذي أنكره عليه عبد الملك ظاهر حتى لقد أدركه ولدي عبد الرحمن وهو صغير حين أمليته على الكاتب ووصلت إلى قوله لو شئت أنكره وقال لو شاء، ثم قال أرى أنه يحب أنه عنده عزيز يفعل له ما يشاء، فأعجبني ذلك من نباهته بارك الله تعالى فيه، ووفقنا جميعاً لما يرضيه. وأبيات جرير المذكورات في مهاجاة الشاعر المذكور المشهور المعروف بالأخطل التغلبي وقوله: جعل النبوة والخلافة فينا لأنه تميمي النسب وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله يا خزر تغلب خزر بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء هو جمع أخزر مثل أحمر وحمر والأخزر الذي في عينه ضيق وصغر، وهذا الوصف موجود في العجم أو في بعضهم كما هو معروف في الترك، وكأنه نسبه إلى غير العرب. قالوا: وهذا عند العرب من النقائص الشنيعة وقوله: هذا ابن عمي في دمشق يريد بذلك عبد الملك بن مروان والقطين بفتح القاف الخدم والاتباع.

ومن أخبار جرير أيضاً أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده قصيدة أولها:

أتصحو أم فؤادك غير صاح

عشية هم صحبك بالرواح

تقول العاذلات علاك شيب

لهذا الشيب يمنعني مزاحي

ص: 186

تغرب أم حزرة ثم قالت

رأيت الموردين ذوي اللقاح

ثقي بالله ليسى له شريك

ومن عند الخليفة يا لنجاح

سأشكر إن رددت إلي رئيتي

وأثبت القوادم من جناح

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

قال جرير: فلما انتهيت إلى هذا البيت كان عبد الملك متكئاً فاستوى جالساً، وقال من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم التفت إلي وقال يا جرير أترى أم حزرة ترويها مائة ناقة من نعم بني كلب؟ فقلت يا أمير المؤمنين: ان لم تروها فلا أرواها الله. قال: فأمر بها لي كلها سود الحدق. قلت: يا أمير المؤمنين نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق فلو أمرت لي بالرعاء، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب، فقلت: يا أمير المؤمنين، والمحلب وأشرت إلى أحد الصحاف، فنبذها إلي بالقضيب، وقال: خذها لنفسك. قالوا ولما مات الفرزدق بكى. وقال أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحداً وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقال ما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه، وكذلك كان، وتوفي في سنة عشر ومائة التي فيها مات الفرزدق، وكانت وفاته باليمامة ونيف في عمره على ثمانين سنة، وهو جرير بن عطية ويكنى أبا حزرة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء. وعن أبي عمرو قال: حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة فاجتمع إليه الناس فما أنشدهم ولا وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال: اطفأ موت الفرزرق والله جمرتي، وأسأل عبرتي، وقرب مني منيتي، ثم شخص إلى اليمامة فنعى لنا في شهر رمضان من تلك السنة، وقيل كان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء أن يدخلوا عليه إلا لجرير. وذكروا أنه أدينهم وأن أبا عمرو بن العلاء رأى في يده سبحة فقل له: ويحك يا جرير أليس هذا خير لك من المهاجاة؟ فقال: والله ما هجوت أحداً ابتداء. وأما الفرزدق فهو أبو الأخطل همام بن غالب من جلة قومه وسراتهم يرجع في نسبه إلى مجاشع بن دارم وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس. قيل له ولأبيه مناقب مشهورة ومحامد مأثورة. من ذلك أنه أصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج أكثر الناس إلى البوادي، وكان هو رئيس قومه، وكان آخر يقال له سحيم بن وثيل بعد المثلثة مثناة من تحت الرياحي بالياء المثناة من تحت من بعد الراء رئيس قومه أيضاً، فخرجوا إلى مكان على

ص: 187

مسيرة يوم من الكوفة، فعقر غالب لأهله ناقة وصنع منها طعاماً، وأهوى إلى قوم من بني تميم لهم جلالة جفانا من ثريد، ووجه إلى سحيم جفنة، فكفأها، وضرب الذي أتاه بها، وقال: انا مفتقر إلى طعام غالب؟ اذا نحر ناقة نحرت أنا آخرى، فعقر ناقة لأهله. فلما كان من الغد عقر لهم غالب ناقتين، فعقر سحيم لأهله ناقتين، فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثة، فعقر سحيم ثلاثاً، فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئاً. وأسرها في نفسه. فلما انقضت المجاعة ودخل الناس الكوفة، قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدهر هلا نحرت مثل ما نحروا كنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين، فاعتذر أن ابله كانت غائبة وعقر ثلاث مائة، وقال للناس: شأنكم ولا أكل كان ذلك على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فاستفتى في حل الأكل منها فقضى بحرمتها، وقال: هذي ذبحت لغير مأكلة، ولم يكن المقصود منها إلا المفآخرة والمباهاة، فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم. وهي قصة مشهورة عمل فيه الشعراء أشعاراً كثيرة من ذلك قول جرير يهجو الفرزدق في قصيدة منها مذا البيت:

تعدون عقر الذيب أفضل مجدكم

بني ضعطر هلا الكمى المقنعا

يقول تفتخرون بالكرم هلا افتخرتم بالشجاعة؟ وبينهما من المهاجاة والتجاوب ما شاع في المشرق والمغرب. وينسب إلى الفرزدق مكرمة يرتجي له بها الرحمة في دار الآخرة؛ وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه طاف وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينهما هو كذلك إذا أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، قلت بل أطيبهم وأشرفهم ذاتاً وطبعاً وأصلاً وفرعاً، وطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضراً فقال: انا أعرفه فقال الشامي من هذا يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الذي يعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا النقي التقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ص: 188

ينمي إلى ذروة العز الذي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته

عند الحطيم إذا ما جاء يستلم

في كفة خيزران ريحه عبق

من كف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء ويغضي من مهابته

فما يكلم إلا حين يبتسم

يبين نور الهدى عن بدر غرته

كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم

منشقة عن رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا

الله شرفه قد ما وعظمه

جرى بذاك له في لوحه القلم

فليس قولك من هذا بضايره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياث عم نفعهما

تستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره

يزينه اثنان حسن الخلق والشيم

حمال أثقال أقوام إذا قد حوا

حلو الشمائل يحلو عنده نعم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته

رحب الفناء أريب حين يعترم

عم البرية بالإحسان فانقشعت

عنه العناية والإملاق والعدم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجأ ومعتصم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد يعد غايتهم

ولا يداينهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت

والأسد أسد الشرى الباس محتدم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدء مختوم به الكلم

يأبى لهم أن ينحل الذم ساحتهم

خيم كريم وأيد بالندى هضم

من يعرف الله يعرف أولية ذا

والدين من بيت هذا ناله الأمم

ما قال لاقط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم فردها، وقال: ما مدحته إلا لله تعالى لا للعطاء، فقال زين العابدين:" إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده " فقبلها الفرزدق. وقوله في الأبيات ميمونة النقيبة أي مظفر بالمطلوب. قالوا: وصعد الوليد بن عبد الملك فسمع صوت ناقوس، فقال: ما هذا؟ فقيل: البيعة، فأمر بهدمها وتولى نقض ذلك بيده، فتتابع الناس يهدمون، فكتب إليه الأخرم ملك الروم: ان هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك، فإن يكونوا أصابوا فقد أخطأت، وإن تكن أصبت فقد أخطأوا، فقال: من يجيبه؟ فقال الفرزدق: يكتب إليه " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا

ص: 189