الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي الزناد قال: ما رأيت فقيهاً أعلم منه، وقال ابن عيينة، كان القاسم افضل زمانه، وعن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان أمر الخلافة إلي لما عدلت عن القاسم، واتفقوا على أنه من كبار سادات التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة الجلة. وقال محمد بن إسحاق: جاء رجل إلى القاسم بن محمد فقال: انت أعلم أم سالم؟ يعني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فقال ذاك مبارك، قال ابن إسحاق: كره أن يقول هو أعلم فيكذب، او يقول أنا أعلم فيزكي نفسه.
سنة ثمان ومائة
فيها توفي أبو عبد الله المزني، البصري الفقيه، روى عن المغيرة بن شعبة وجماعة، وفيها وقيل في سنة ست توفي أبو بصرة العبدي المنذر بن مالك أحد شيوخ البصرة، اعا علياً وطلحة والكبار، وقيل في سنة تسع ويزيد بن عبد الله بن الشخير، عاش نحواً من تسعين سنة، وكان ثقة جليل القدر، لقي عمران بن حصين وجماعة، وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة ومحمد بن كعب القرظي، روى عن كبار الصحابة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان كثير العلم موصوفاً بالعلم والورع والصلاح.
سنة تسع ومائة
فيها توفي أبو نجيح يسار المكي مولى ثقيف، روى عن أبي سعيد وجماعة، قال الإمام أحمد: كان من خيار عباد الله، وفيها توفي أبو الحارث بن أبي الأسود الديلي البصري، روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجماعة.
سنة عشر مائة
فيها توفي الإمام القدوة المجمع على جلالله وصلاحه وزهادته وفضله وأمانته أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وسمع خطبة عثمان رضي الله تعالى عنهما، وشهد يوم الدار، وكثرة شهرته تغني عن مدحته، قال بعض أهل
الطبقات كان جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً، رحمة الله عليه. وقال غيره: كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع من كل من علم وزهد وورع وعبادة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وربما غابت أمه في حاجة، فيبكي، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه، فتدر عليه فيروى، ان تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك. قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي. فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن. وكان من أجمل أهل البصرة، ولما ولي عمرو بن هبيرة الفزاري العراق، وأضيفت إليه خراسان في أيام يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وذلك في سنة ثلاث ومائة، فقال لهم: ان يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليه الميثاق بطاعته، وأخذ عهودنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون، فيكتب إلي بالأمر من أموره فأقلده ما يقلده من ذلك الأمر، فقال ابن سيرين والشعبي: قولاً فيه تقية. فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله، ويوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصر إلى مضيق قبر، ثم لا ينجيك إلا عملك. يا ابن هبيرة، اياك أن تعصي الله، فإنما جعل الله هذا السلطان ناصر الدين الله وعباده، فلا تتركن دين الله وعباده بهذا السلطان، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأجازهم ابن هبيرة، وأضعف جائزة الحسن، فقال محمد بن سيرين والشعبي: سفسفنا فسفسف لنا. قلت: السفاف الردي من العطية. وروي أنه كتب عمربن عبد العزيز إلى الحسن رضي الله عنهما يقول له: اني قد ابتليت بهذا الأمر، فانظر لي أعواناً يعينوني عليه، فكتب إليه الحسن كتاباً يقول في أثنائه: اما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله والسلام. ورأى الحسن يوماً رجلاً وسيماً حسن الهيئة، فسأل عنه، فقيل: انه يتمسخر للملوك ويحبونه، فقال: لله أبوه أو قال: لله دره ما رأيت أحداً يطلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا، قلت يعني أن الدنيا رذيلة، فأخذها بالرذائل أنسب من أخذها بالفضائل، وكان أكثر كلامه حكماً وبلاغة. ولما حضرته الوفاة أغمي عليه قبل موته، ثم أفاق فقال: لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم، وقال رجل كريم قبل موته لابن سيرين: رأيت كأن طائراً أخذ حصاة بالمسجد، فقال: ان صدقت رؤياك مات الحسن، فلم يكن إلا قليلاً حتى مات الحسن، فتبع الناس جنازته، فلم تقم صلاة العصر بالجامع، وما علم أنها تركت فيه مذ كان الإسلام
إلا يومئذ، لأنهم تبعوا الجنازة حتى لم يبق من يصلي في المسجد، قلت وله مع الحجاج وقعات عظيمة واجهه فيها بكلام صادع، وسلمه الله من شره، ومما روي من تفحيم الحجاج أنه جاء ذات يوم راكباً على برذون أصفر، فأم الجامع، فلما دخله رأى فيه حلقات متعددة فأم حلقة الحسن، فلم يقم له بل وسع في المجلس، فجلس إلى جنبه. قال الراوي: فقلنا: اليوم ننظر إلى الحسن، هل يتغير من عادته في كلامه وهيئته؟ فلم يغير شيئاً من ذلك بل أخذ على نسق وأخذ عادته من غير زيادة ولانقص. فلما كان في آخر المجلس قال الحجاج: صدق الشيخ عليكم بهذه المجلس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ". ولولا ما ابتلينا من هذا الأمر لم تغلبونا عليها، او قال لم تسبقونا إليها، ثم افترعن لفظ أعجب به الحاضرون، ثم نهض فمشى طريقه. وذكر أهل علم التعبير أن الحسن رأى كأنه لابس صوف وفي وسطه كستيج بضم الكاف وسكون السين المهملة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت وفي آخره جيم، وفي رجله قيد وعليه طيلسان عسلي، وهو قائم على مزبلة وفي يده طنبورة يضربه، وهو مستند إلى الكعبة، فقصت رؤياه على ابن سيرين، فقال: اما لبسه الصوف فزهده، وأما كستيجه فقوته في دين الله، وأما عسيلته فحبه للقرآن وتفسيره للناس، وأما قيده فثباته في ورعه، وأما قيامه على المزبلة
فدنياه جعله تحت قدميه، اما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس، وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله تعالى. وأرى أيضاً في المنام كأنه عريان جرد لا يستحي من الناس، وبيده سيف له بريق يضربه على أحجار وهو يشقها، فأرسل من يقص رؤياه على ابن سيرين، فقال أما تجرده فقلة ذنوبه واخلاصه بين الناس، وأما سيفه فلسانه وكلمته، وأما الأحجار فقلوب الناس، وأما شقها فدخول موعظته وحكمته في قلوبهم والحسن البصري منسوب إلى البصرة، والبصرة في الأصل بفتح الموحدة وكسرها وسكون الصاد المهملة حجارة رخوة ترجع إلى البياض، وبها سميت البصرة بصرة فإذا أسقطت الهاء قيل بصر بالكسر، وإنما قالوا بالنسب بصري كذلك قاله ابن قتيبة وغيره. والبصرتان: البصرة والكوفة، والكوفة قديمة جاهلية والبصرة حادثة إسلامية بناها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سنة أربع عشرة من الهجرة على يد عتبه بن غزوان. وفيها توفي يوم الجمعة في شوال شيخ البصرة مع الحسن في أوانه وإمام المعبرين في زمانه أحد الجلة الورعين محمد بن سيربن، كان إماماً يقتدى به، سمع من أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم. وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وغيرهم من الأئمة، قال أيوب: اريد على القضاء، ففر إلى الشام وإلى اليمامة. وقال بعض السلف: ما رأيت أفقه في ورعه من محمد بن سيرين، وقال هشام بن حسان: حدثني أصدق من رأيت من البشر، او قال من العالمين محمد بن سيرين وقال ابن عون: لم أر مثل محمد بن سيرين. وكان الشعبي يقول عليكم بذاك الأصم، يعني ابن سيرين، فإنه كان في إذنه صمم، كان أبوه عبد أنس بن مالك رضي الله عنه، كاتبه على أربعين ألف درهم وقيل عشرين ألفاً فأدى ما كوتب عليه، وكانت أمه مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعون لها، وحضر أملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبي بن كعب، وكان ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي بعد الحسن بمائة يوم، وكان قد حبس بدين كان عليه، ذكر المعبرون أنه جاءه رجل يقال رأيت على ساقي رجل شعراً كثيراً فقال: يركبه دين ويموت في السجن، فقال له الرجل: لك رأيت هذه الرؤيا، فاسترجع. قيل: ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضى عنه ذلك بعض الصالحين، وقيل كان عليه ثلاثون ألف درهم فقضاها ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتى قوم ماله ثلاث مائة ألف درهم، وولد لابن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة عربية، ولم يبق منهم إلا عبد الله. وحكي إن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغدى، فقالت: يا أبا بكر رأيت رؤيا، فقال لها: تقصين أو تتركين حتى آكل؟ فقالت: بلى أتركك، فلما فرغ، قال لها: قصي رؤياك. فقالت: رأيت القمر قد دخل في الثريا، فناداني مناد أن أمضي إلى ابن سيرين، فقصى عليه هذا، قال: فقبض ابن سيرين يده، وقال: ويلك كيف رأيت؟ فأعادت عليه، فاصفر وجهه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له أخته: ما لك؟ قال: قد زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام، قال فعدوا من ذلك اليوم سبعة أيام فدفن في اليوم السابع. وحكي أنه جاء رجل فقال له: اني رأيت طائراً سميناً، ما أعرف ما هو، وقد تدلى من السماء، فوقع على شجرة، وجعل يلتقط الزهر، ثم طار، فتغير وجه ابن سيرين، وقال: هذا، اموت العلماء، فمات في ذلك العام الحسن البصري ومحمد بن سيرين رحمة الله علبهما. اه جعله تحت قدميه، اما ضرب طنبوره فنشره حكمته بين الناس، وأما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله تعالى. وأرى أيضاً في المنام كأنه عريان جرد لا يستحي من الناس، وبيده سيف له بريق يضربه على أحجار وهو يشقها، فأرسل من يقص رؤياه على ابن سيرين، فقال أما تجرده فقلة ذنوبه واخلاصه بين الناس، وأما سيفه فلسانه وكلمته، وأما الأحجار فقلوب الناس، وأما شقها فدخول موعظته وحكمته في قلوبهم والحسن البصري منسوب إلى البصرة، والبصرة في الأصل بفتح الموحدة وكسرها وسكون الصاد المهملة حجارة رخوة ترجع إلى البياض، وبها سميت البصرة بصرة فإذا أسقطت الهاء قيل بصر بالكسر، وإنما قالوا بالنسب بصري كذلك قاله ابن قتيبة وغيره. والبصرتان: البصرة والكوفة، والكوفة قديمة جاهلية والبصرة حادثة إسلامية بناها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سنة أربع عشرة من الهجرة على يد عتبه بن غزوان. وفيها توفي يوم الجمعة في شوال شيخ البصرة مع الحسن في أوانه وإمام المعبرين في زمانه أحد الجلة الورعين محمد بن سيربن، كان إماماً يقتدى به، سمع من أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم.
وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وغيرهم من الأئمة، قال أيوب: اريد على القضاء، ففر إلى الشام وإلى اليمامة. وقال بعض السلف: ما رأيت أفقه في ورعه من محمد بن سيرين، وقال هشام بن حسان: حدثني أصدق من رأيت من البشر، او قال من العالمين محمد بن سيرين وقال ابن عون: لم أر مثل محمد بن سيرين. وكان الشعبي يقول عليكم بذاك الأصم، يعني ابن سيرين، فإنه كان في إذنه صمم، كان أبوه عبد أنس بن مالك رضي الله عنه، كاتبه على أربعين ألف درهم وقيل عشرين ألفاً فأدى ما كوتب عليه، وكانت أمه مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعون لها، وحضر أملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبي بن كعب، وكان ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي بعد الحسن بمائة يوم، وكان قد حبس بدين كان عليه، ذكر المعبرون أنه جاءه رجل يقال رأيت على ساقي رجل شعراً كثيراً فقال: يركبه دين ويموت في السجن، فقال له الرجل: لك رأيت هذه الرؤيا، فاسترجع. قيل: ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضى عنه ذلك بعض الصالحين، وقيل كان عليه ثلاثون ألف درهم فقضاها ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتى قوم ماله ثلاث مائة ألف درهم، وولد لابن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة عربية، ولم يبق منهم إلا عبد الله. وحكي إن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغدى، فقالت: يا أبا بكر رأيت رؤيا، فقال لها: تقصين أو تتركين حتى آكل؟ فقالت: بلى أتركك، فلما فرغ، قال لها: قصي رؤياك. فقالت: رأيت القمر قد دخل في الثريا، فناداني مناد أن أمضي إلى ابن سيرين، فقصى عليه هذا، قال: فقبض ابن سيرين يده، وقال: ويلك كيف رأيت؟ فأعادت عليه، فاصفر وجهه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له أخته: ما لك؟ قال: قد زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام، قال فعدوا من ذلك اليوم سبعة أيام فدفن في اليوم السابع. وحكي أنه جاء رجل فقال له: اني رأيت طائراً سميناً، ما أعرف ما هو، وقد تدلى من السماء، فوقع على شجرة، وجعل يلتقط الزهر، ثم طار، فتغير وجه ابن سيرين، وقال: هذا، اموت العلماء، فمات في ذلك العام الحسن البصري ومحمد بن سيرين رحمة الله علبهما.
وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، التي أصدقها الديباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ألف ألف درهم، قلت وقد تقدم أن أختها سكينة تزوجها
مصعب بن الزبير هي وعائشة بنت طلحة، وأنه أصدق عائشة المذكورة مائة ألف دينار. وفيها توفي جرير والفرزدق الشاعران الشهيران، قال ابن خلكان: كان جرير من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة، قال وهو أشعر من الفرزدق عند أكثرأهل العلم بهذا الشأن. وقال أجمعت العلماء أنه ليس في شعراء الإسلام أشعر من ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. قال: ويقال: ان بيوت الشعر أربعة فخر ومديح وهجاء وتشبيب، وفي الأربعة فاق جرير غيره، في الفخر قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميم
…
حسبت الناس كلهم غضابا
ويروى وجدت الناس. وفي المديح قوله:
ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
وفي الهجاء قوله:
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وفي التشبيب قوله:
إن العيون التي في طرفها حور
…
يقتلننا ثم لا يحيين قتلابا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له
…
وهن أضعف خلق الله أركانا
قلت قوله: قد أجمعت العلماء على أنه ليس في شعر الإسلام مثل ثلاثة جرير والفرزدق والأخطل، ليس بصحيح، بل الخلاف بينهم واقع، وقد رجح كثير من المتآخرين بل أكدرهم قول ثلاثة آخر على الثلاثة المذكورين، وهم أبو تمام والبحتري - والمتنبي -، ثم اختلفوا أيضاً اختلافاً كثيراً في الثلاث المتآخرين، ايهم أرجح؟ وفصل بعضهم في التفضيل بينهم في أشياء يطول ذكرها، وقد أوضحت ذلك في الشرح الموسوم بمنهل المفهوم المروي من صداء الجهل المذموم في شرح ألسنة العلوم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة المتنبي إيضاح ذلك مشبعاً موصولاً ومفرعاً. ومن أخبار جرير ما حكى صاحب الجليس والأنيس في كتابه أنه قيل لجرير: ما كان أبوك صائغاً؟ حيث يقول:
لو كنت أعلم أن آخرعهدهم
…
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
قال: كان يقلع عينيه، ولا يرى مظعن أحبابه. وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغانى في ترجمة جرير أنه قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا شبب لعب، وإذا طلب جد، فإذا لعب أطمعك لعبه، وإذا رميته أو قال رمته بعد عنك وإذا جد فيما قصدته آيسك من نفسه، قال: مثل من. قال: مثل جرير حيث قال:
إن الذين غد وابليلي غادروا
…
وشدا بعينك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي
…
ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ثم قال حين جد شعراً:
إن الذي حرم المكارم تغلبا
…
جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم
…
يا خزر تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة
…
لو شئت ساقكم إلي قطينا
قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله، قال: ما زادا ابن كذا وكذا على أن جعلني شرطياً له، اما أنه لو قال: لو شاء ساقكم إلي قطينا لسقتهم إليه كما قال. قلت وهنا الانكار الذي أنكره عليه عبد الملك ظاهر حتى لقد أدركه ولدي عبد الرحمن وهو صغير حين أمليته على الكاتب ووصلت إلى قوله لو شئت أنكره وقال لو شاء، ثم قال أرى أنه يحب أنه عنده عزيز يفعل له ما يشاء، فأعجبني ذلك من نباهته بارك الله تعالى فيه، ووفقنا جميعاً لما يرضيه. وأبيات جرير المذكورات في مهاجاة الشاعر المذكور المشهور المعروف بالأخطل التغلبي وقوله: جعل النبوة والخلافة فينا لأنه تميمي النسب وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله يا خزر تغلب خزر بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء هو جمع أخزر مثل أحمر وحمر والأخزر الذي في عينه ضيق وصغر، وهذا الوصف موجود في العجم أو في بعضهم كما هو معروف في الترك، وكأنه نسبه إلى غير العرب. قالوا: وهذا عند العرب من النقائص الشنيعة وقوله: هذا ابن عمي في دمشق يريد بذلك عبد الملك بن مروان والقطين بفتح القاف الخدم والاتباع.
ومن أخبار جرير أيضاً أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده قصيدة أولها:
أتصحو أم فؤادك غير صاح
…
عشية هم صحبك بالرواح
تقول العاذلات علاك شيب
…
لهذا الشيب يمنعني مزاحي
تغرب أم حزرة ثم قالت
…
رأيت الموردين ذوي اللقاح
ثقي بالله ليسى له شريك
…
ومن عند الخليفة يا لنجاح
سأشكر إن رددت إلي رئيتي
…
وأثبت القوادم من جناح
ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
قال جرير: فلما انتهيت إلى هذا البيت كان عبد الملك متكئاً فاستوى جالساً، وقال من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم التفت إلي وقال يا جرير أترى أم حزرة ترويها مائة ناقة من نعم بني كلب؟ فقلت يا أمير المؤمنين: ان لم تروها فلا أرواها الله. قال: فأمر بها لي كلها سود الحدق. قلت: يا أمير المؤمنين نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق فلو أمرت لي بالرعاء، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب، فقلت: يا أمير المؤمنين، والمحلب وأشرت إلى أحد الصحاف، فنبذها إلي بالقضيب، وقال: خذها لنفسك. قالوا ولما مات الفرزدق بكى. وقال أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحداً وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقال ما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه، وكذلك كان، وتوفي في سنة عشر ومائة التي فيها مات الفرزدق، وكانت وفاته باليمامة ونيف في عمره على ثمانين سنة، وهو جرير بن عطية ويكنى أبا حزرة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء. وعن أبي عمرو قال: حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة فاجتمع إليه الناس فما أنشدهم ولا وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال: اطفأ موت الفرزرق والله جمرتي، وأسأل عبرتي، وقرب مني منيتي، ثم شخص إلى اليمامة فنعى لنا في شهر رمضان من تلك السنة، وقيل كان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء أن يدخلوا عليه إلا لجرير. وذكروا أنه أدينهم وأن أبا عمرو بن العلاء رأى في يده سبحة فقل له: ويحك يا جرير أليس هذا خير لك من المهاجاة؟ فقال: والله ما هجوت أحداً ابتداء. وأما الفرزدق فهو أبو الأخطل همام بن غالب من جلة قومه وسراتهم يرجع في نسبه إلى مجاشع بن دارم وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس. قيل له ولأبيه مناقب مشهورة ومحامد مأثورة. من ذلك أنه أصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج أكثر الناس إلى البوادي، وكان هو رئيس قومه، وكان آخر يقال له سحيم بن وثيل بعد المثلثة مثناة من تحت الرياحي بالياء المثناة من تحت من بعد الراء رئيس قومه أيضاً، فخرجوا إلى مكان على
مسيرة يوم من الكوفة، فعقر غالب لأهله ناقة وصنع منها طعاماً، وأهوى إلى قوم من بني تميم لهم جلالة جفانا من ثريد، ووجه إلى سحيم جفنة، فكفأها، وضرب الذي أتاه بها، وقال: انا مفتقر إلى طعام غالب؟ اذا نحر ناقة نحرت أنا آخرى، فعقر ناقة لأهله. فلما كان من الغد عقر لهم غالب ناقتين، فعقر سحيم لأهله ناقتين، فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثة، فعقر سحيم ثلاثاً، فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئاً. وأسرها في نفسه. فلما انقضت المجاعة ودخل الناس الكوفة، قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدهر هلا نحرت مثل ما نحروا كنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين، فاعتذر أن ابله كانت غائبة وعقر ثلاث مائة، وقال للناس: شأنكم ولا أكل كان ذلك على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فاستفتى في حل الأكل منها فقضى بحرمتها، وقال: هذي ذبحت لغير مأكلة، ولم يكن المقصود منها إلا المفآخرة والمباهاة، فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم. وهي قصة مشهورة عمل فيه الشعراء أشعاراً كثيرة من ذلك قول جرير يهجو الفرزدق في قصيدة منها مذا البيت:
تعدون عقر الذيب أفضل مجدكم
…
بني ضعطر هلا الكمى المقنعا
يقول تفتخرون بالكرم هلا افتخرتم بالشجاعة؟ وبينهما من المهاجاة والتجاوب ما شاع في المشرق والمغرب. وينسب إلى الفرزدق مكرمة يرتجي له بها الرحمة في دار الآخرة؛ وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه طاف وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينهما هو كذلك إذا أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، قلت بل أطيبهم وأشرفهم ذاتاً وطبعاً وأصلاً وفرعاً، وطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضراً فقال: انا أعرفه فقال الشامي من هذا يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الذي يعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
…
هذا النقي التقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
…
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمي إلى ذروة العز الذي قصرت
…
عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته
…
عند الحطيم إذا ما جاء يستلم
في كفة خيزران ريحه عبق
…
من كف أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضي من مهابته
…
فما يكلم إلا حين يبتسم
يبين نور الهدى عن بدر غرته
…
كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم
منشقة عن رسول الله نبعته
…
طابت عناصره والخيم والشيم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
…
بجده أنبياء الله قد ختموا
الله شرفه قد ما وعظمه
…
جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك من هذا بضايره
…
العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عم نفعهما
…
تستوكفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره
…
يزينه اثنان حسن الخلق والشيم
حمال أثقال أقوام إذا قد حوا
…
حلو الشمائل يحلو عنده نعم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته
…
رحب الفناء أريب حين يعترم
عم البرية بالإحسان فانقشعت
…
عنه العناية والإملاق والعدم
من معشر حبهم دين وبغضهم
…
كفر وقربهم منجأ ومعتصم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
…
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد يعد غايتهم
…
ولا يداينهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
…
والأسد أسد الشرى الباس محتدم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
…
في كل بدء مختوم به الكلم
يأبى لهم أن ينحل الذم ساحتهم
…
خيم كريم وأيد بالندى هضم
من يعرف الله يعرف أولية ذا
…
والدين من بيت هذا ناله الأمم
ما قال لاقط إلا في تشهده
…
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، فأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم فردها، وقال: ما مدحته إلا لله تعالى لا للعطاء، فقال زين العابدين:" إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده " فقبلها الفرزدق. وقوله في الأبيات ميمونة النقيبة أي مظفر بالمطلوب. قالوا: وصعد الوليد بن عبد الملك فسمع صوت ناقوس، فقال: ما هذا؟ فقيل: البيعة، فأمر بهدمها وتولى نقض ذلك بيده، فتتابع الناس يهدمون، فكتب إليه الأخرم ملك الروم: ان هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك، فإن يكونوا أصابوا فقد أخطأت، وإن تكن أصبت فقد أخطأوا، فقال: من يجيبه؟ فقال الفرزدق: يكتب إليه " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا