الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرشيد حبسه في خلافته إلى أن توفي في حبسه. وروي أن هارون لما زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال السلام عليك يا ابن عم مفتخر بذلك، فقال موسى الكاظم السلام عليك يا أبة، فتغير وجه هارون، وروي أن هارون الرشيد قال: رأيت في المنام كأن حسيناً قد أتاني ومعه حربة، وقال إن خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه، وأعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له إن أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب، وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك لك، فلما أتاه وأعطاه ما أمره به قال له موسى الكاظم: رأيت في منامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اتاني فقال:" يا موسى حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس " فقلت بأبي وأمي ما أقول؟ قال لي: قل " يا سامع كل صوت. ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحماً، ويا منشرها بعد الموت، اسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحمد من المخلوقين يا حليماً ذا أناءة لا يقوى على أناءته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ولا يحصى عدداً فرج عني ". وله أخبار شهيرة ونوادر كثيرة.
وفيها توفي شيخ أصفهان وعالمها أبو المننر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله بن ثعلبة، كان فقيهاً إماماً زاهداً عابداً صاحب تصانيف، اخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة، رحمهم الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الرحمن بن يحيى بن حمزة الحضرمي السلمي قاضي دمشق ومحدثها، عاش ثمانين سنة.
سنة أربع وثمانين ومائة
فيها توفي السيد الجليل الزاهد العمري عبد الله بن عبد العزيز، كان إماماً فاضلاً رأساً في الزهد والورع، وفيها فقيه المدينة عبد العزيز بن أبي حازم.
سنة خمس وثمانين ومائة
وفيها توفي أو في التي تليها الإمام الغازي القدوة أبو إسحاق الفزاري، كان إماماً قانتاً مجاهداً مرابطاً اماراً بالمعروف، اذا رأى بالشعر مبتدعاً أخرجه. وفيها توفي يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدني ابن عم عبد العزيز الماجشون. وقيل وفيها توفى أبو خالد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن صفرة الأزدي، ولاه
أبو جعفر المنصور مصر في سنة ثلاث وأربعين ومائة، ثم زار ابو جعفر المدكور بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومائة، ومن هناك سير يزيد بن حاتم المذكور إلى إفريقية لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عمر بن حفص، وجهز معه خمسين ألف مقاتل، واستقر يزيد المذكور والياً بإفريقية من يومئذ، وكان جواداً سرياً مقصوداً ممدوحاً، وقصده جماعة من الشعراء فأحسن جوائزهم، وهو الذي قال فيه أبو أسامة ربيعة بن ثابت الأزدي الرقي وفي يزيد بن أسيد بضم الهمزة السلمي وكان والياً على أرمينية من جهة أبي جعفر المنصور، وكان يزيد المذكور من أشراف الناس وشجعانهم، ومن ذوي الآراء الصائبة، فمدحه أبو أسامة المذكور بشعر أجاد فيه، وقصر هو في جائزته، فقال فيهما هذه الأبيات، وقد ذكرتها في غير هذا الموضع.
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
…
يزيد سليم والأغر بن حاتم
يزيد سليم سالم المال والغنى
…
أخو الأزد للأموال غير مسالم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله
…
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
قيل لبعض الشعراء: من أشعركم؟ فقال: ايسرنا بيتاً. قال: من هو؟ قال: الذي يقول:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
…
يزيد سليم والأغر بن حاتم
ولما عقد أبو جعفر ليزيد المهلبي المذكور على بلاد إفريقية، وليزيد المذكور على ديار مصر، خرجا معاً، فكان يزيد المهلبي يقوم بكفاية الجيش، فقال ربيعة الرقي: وقدم أشعب المشهور بالطمع على يزيد وهو بمصر، فجلس في مجلسه، فدعا يزيد بغلامه فساره بشيء، فقام أشعب، فقبل يده، فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ فقال: اني رأيتك تسار غلامك، فظننت أنك قد أمرت لي بشيء، فضحك منه وقال: ما فعلت، ولكني أفعل، ووصله وأحسن إليه. قلت ومما يحكى من طمع أشعب المذكور أنه رأى في المنام كأن له كباشاً، وكأن إنساناً ساومه فيها، وقال له: بكم تبيع كل واحد منها؟ فقال: بكذا وكذا، وذكر قيمة كثيرة، فقال له: بل بدرهمين. فقال: لا ثم استيقظ ولم يجد الكباش ولا الدراهم، فتغمض عينيه وتناوم، ومد يده وقال هات، يعني الدراهم في كل واحد. ومما يحكى أيضاً عن أشعب أنه كان يدخل وقت الفطور في شهر رمضان مع جماعة يفطرون عند بعض القضاة، وكان القاضي يضع كل ليلة فوق الطعام كبشاً مشوياً، وكان الجماعة يأكلون من حواليه ولا يجتري أحد منهم يمد يده إلى الشواء إلى أن كان بعض
الليالي، فقصد أشعب الشوي وسلخه بيده، فحرزه القاضي بعينيه، ثم قال: يا جماعة أعلموني من يصلي بالمحبوسين في هذا الشهر؟ قال يا سيدي: ما أحد يصلي بهم، فقال: المصلحة أن يذهب أشعب يصلي بهم في هذا الشهر، فقال أشهب: او المصلحة في غير ذلك، اصلح الله القاضي، قال: وما هي؟ قال: اتوب، فسكت عنه القاضي وضحك من فهم ذلك، ولم يعد إلى جذب الشواء يعدها. وقال الطرسوسي في كتاب سراج الملوك قال سحنون بن سعيد كان يزيد بن حاتم حكيماً يقول: والله ما هبت شيئاً قط هيبتي لرجل لطمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبك الله بيني وبينك. وقيل وفد التميمي الشاعر على يزيد بن حاتم بإفريقية، فأنشده هذين البيتين:
إليك قصرنا النصف من صلواتنا
…
مسيرة شهر ثم شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا
…
لديك ولكن أهنأ البر عاجله
فأمريزيد بوضع العطاء في جنده، وكانوا خمسين ألف مرتزق كما تقدم، فقال: من أحب أن يسرني فليضع لزائري هذا من عطائه بدرهمين، فاجتمع له مائة ألف درهم، وضم يزيد إلى ذلك مائة ألف أخرى، ودفعهما إليه. قال ابن خلكان ثم وجدت البيتين المذكورين لمروان بن أبي حفصة، والله أعلم، انتهى كلامه. قلت وقد تقدم ذكرهما في ترجمة مروان المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة في مدحه للمهدي. وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: ان يزيد المذكور قال لجلسائه: استبقوا إلى ثلاثة أبيات. فقال صفوان بن صفوان: افيك؟ قال: فيمن شئتم، وكأنها كانت في فمه فقال:
لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به
…
حتى لقيت يزيداً عصمة الناس
لقيت أجود من يمشي على قدم
…
مفضلاً برداء الجود والبأس
ولو نيل بالجود مجد، كنت صاحبه
…
وكنت أولى به من آل عباس
ثم كف وقال أتمم، فقال: لا يصلح، وقال: يسمع هذا منك أحد. وفي يزيد بن حاتم أيضاً قال الشاعر:
وإذا تباع كريمة أو تشترى
…
فسواك بايعها وأنت المشتري
وإذا تخيل من سحابك لامع
…
صدقت مخيلته لدى المستمطر
وإذا الفوارس عددت أبطالها
…
عدوك في أبطالهم بالخنصر
يعني عدوك أولهم. وقال فيه آخر:
يا واحد العرب الذي
…
أضحى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر
…
ما كان في الدنيا فقر
فدعا يزيد بخازنه، وقال، وكم في بيت مالي؟ قال: فيه من العين والورق ما مبلغه عشرون ألف دينار، فقال: ادفعها إليه، ثم قال: يا أخي المعذرة إلى الله تعالى ثم إليك، والله لو كان في ملكي غيرها لما أدخرتها عنك. وفيها توفي المطلب بن زياد، والمعافى بن عمران. وفيها عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي عنهم. وذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه كانت فيه عجائب منها: انه ولد في سنة أربع ومائة، وولد أخوه محمد السفاح والمنصور سنة ستين، فبينهما ست وخمسون سنة، ومنها أنه حج يزيد بن معاوية في سنة خمسين، وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة، وهما في النسب إلى عبد مناف سواء، ومنها إنه أدرك السفاح والمنصور هما ابنا أخيه، ثم أدرك المهدي وهوعم أبيه، ثم أدرك الهادي وهو عم جده، ثم أدرك الرشيد، وفي أيامه مات. وقال يوماً للرشيد: هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه، وذلك أن سليمان بن أبي جعفر هو عم الرشيد، والعباس عم سليمان، وعبد الصمد عم العباس. ومنها أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر، يقال ثغر الصبي يثغر فهو مثغر ومثغور إذا سقطت أسنانه، وأثغر إذا نبتت، وأثغر بالمثلثة وبالمثناة من فوق مع التشديد أيضاً. وفيها توفي يزيد بن مزيد ابن أخي معن بن زائدة الشيباني، وكان من الأمراء المشهورين والشجعان المعروفين، كان والياً بأرمينية وآذربيجان، ولاه الرشيد ووجهه لحرب الوليد بن طريف الشيباني الخارجي لما خرج على هارون ببلاد الجزيرة بعدما وجه
إليه موسى بن حازم التيمي في جيش كثيف، فهزمهم الوليد وقتله، فوجه الرشيد معمر بن عيسى العبدي وكانت بينهما وقائع، وكثرت جموع الوليد، فوجه إليه الرشيد يزيد المذكور في عسكر ضخم، فقصده وجعل الوليد يراوغه، وكان ذا مكر ودهاء، وكانت بينهما حروب صعبة ثم بعث الرشيد خيلاً بعد خيل إلى يزيد، وأرسل إليه يعنفه على ترك جده في حربه، فالتقيا ودعاه يزيد إلى المبارزة فبرز إليه الوليد، ووقف العسكران فتطاردا ساعة، ولم يقدر أحداً منهما على صاحبه حتى مضت ساعات من النهار، فأمكنت يزيد فيه الفرصة فضرب رجله، فسقط وضاح بخيله، فبادروا إليه واجتزوا رأسه، فوجه به إلى الرشيد، ورثت الوليد أخته بأبيات تقدمت في ترجمة الوليد في سنة تسع وسبعين ومائة. وروي أن هارون لما جهز يزيد المذكور إلى حرب الوليد أعطاه ذا الفقار سيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال خذه يا يزيد فإنك ستنصر به، فأخذه ومضى، وكان من قتله الوليد ما ذكروا في ذلك يقول مسلم بن الوليد الأنصاري في قصيدة يمدح فيها يزيد المذكور:
أذكرت سيف رسول الله، سنته
…
وبأس أول من صلى ومن صاما
يعني بالبأس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، اذ كان هو الضارب به. وذكر بعضهم أن ذا الفقار كان مع العاصي بن نبيه في يوم بدر، فقتل هو وأبوه نبيه وعمه منبه ابنا الحجاج، وكانا سيدي بني سهم في الجاهلية، وكانا من المطعمين، وكان الذي قتل العاصي هو علي، فأخذ منه ذا الفقار. وذكر بعضهم أن ذا الفقار كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأعطاه علياً. وكان سبب وصول السيف المذكور إلى هارون فيما ذكره أبو جعفر الطبري بإسناد متصل أنه تلقاه من أخيه الهادي، والهادي من أبيه المهدي، والمهدي من جعفر بن سليمان العباسي، وجعفر من رجل من التجار، والتاجر من محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فعه إليه يوم قتل بأربع مائة دينار كانت له عليه وعن الأصمعي قال: رأيت في ذي الفقار ثماني عشرة فقارة. وذكر الخطيب أن الرشيد قال ليزيد من الذي يقول فيك؟:
لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه
…
ولا تمسح عينيه من العجل
قد عود الطير عادات وثقن بها
…
فهن يتبعنه في كل مرتحل
فقال لا أدري يا أمير المؤمنين، فقال يقال فيك مثل هذا ولا تعرف قائله؟! فانصرف