الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي فقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي، روى عن أنس والتابعين، وكان عفيفاً عارفاً عاقلاً، يشبه النساك، شاعراً جواداً. وفيها توفي عقيل بضم العين المهملة مولى بني أمية، وكان حافظاً حجة، ومجالد بالجيم ابن سعيد الهمداني الكوفي صاحب الشعبي.
سنة خمس وأربعين ومائة
قالوا فيها ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الحسني، وخرج في مائتين وخمسين نفساً بالمدينة، وهو راكب على حمار وذلك في أول رجب، فوثب على متولي المدينة فسجنه، وتتبع أصحابه، ثم خطب الناس، وبايعه بالخلافة أهل المدينة قاطبة طوعا وكرهاً، وأظهر أنه قد خرج غضباً لله عز وجل، وما تخلف عنه من الوجوه إلا نفر يسير، واستعمل على مكة عاملاً وعلى اليمن وعلى الشام، فلم يتمكن عماله وندب المنصور لحربه ابن عمه عيسى بن موسى، وقال: لا أبالي أيهما قتل صاحبه، وإنما قال ذلك لأن عيسى المذكور كان ولي العهد بعد المنصور على ما عهد في ذلك السفاح. قيل: وكان المنصو يود هلاكه ليولي ولده المهدي مكانه، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الاشراف يستميلهم ويمنيهنم، فتفرق عن محمد ناس كثير، وأشير عليه بالمسير إلى مصر ليتقوى منها، فأبى وتحصن في المدينة وعمق خندقها، فلما وصل عيسى تفرق عن محمد أصحابه حف بقي في طائفة قليلة، فراسله عيسى يدعوه إلى الإنابة ويبذل له الأمان فلم يسمع، ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورغبهم ورهبهم أياماً، ثم زحف على المدينة فظهر عليها، ونادى محمداً وناشده الله ومحمد لا يرعوي. قال عثمان بن محمد بن خالد أني لأحسب محمداً قتل بيده يومئذ سبعين رجلاً وكان معه ثلاث مائة مقاتل، ثم قتل في المعركة، وبعث عيسى برأسه إلى المنصور. وفي السنة المذكورة خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله إلى البصرة، وكان قد سار إليها من الحجاز فدخلها سراً في عشرة أنفس، فجرت له أمور غريبة في اختفائه، ربما يقع به بعض الأعوان فيصطنعه، ثم دعى إلى نفسه سراً بالبصرة حتى تابعه نحو أربعة آلاف، وجاء خير أخيه وما جرى له بالمدينة فوجم واغتم. ولما بلغ المنصور خروجه تحول فنزل الكوفة حتى يأمن غايلة أهلها، وألزم الناس
لبس السواد، وجعل يقتل كل من اتهمه أو يحبسه، وكان بالكوفة ابن عامر يبايع لإبراهيم سراً وتهاون متولي البصرة في أمر إبراهيم حتى اتسع الخرق وخرج أول ليلة من رمضان، وتحصن منه متولي البصرة، وأقبل الخلق إلى إبراهيم ما بين ناصر وناظر، ونزل متوليها بالأمان، ووجد إبراهيم في الحواصل ست مائة ألف ففرقها بين أصحابه خمسين خمسين، وبعث عاملاً إلى الأهواز ليفتحها، وبعث آخر إلى فارس، وآخر إلى واسط، فجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، ثم التقوا فكان بين الفريقين عدة وقعات، وقتل خلق من أهل البصرة وواسط، وبقي إبراهيم سائر رمضان يفرق العمال على البلدان ليخرج على المنصور من كل جهة، فأتاه مصرع أخيه بالمدينة قبل الفطر بثلاث، فعيد الناس وهم يرون فيه الانكسار، وكان المنصور في جمع يسير وعامة جيوشه في النواحي، فالتزم بعد ذلك أن لا يفارقه ثلاثون ألفاً، فلم يبرح إلى أن رد من المدينة عيسى بن موسى، فوجهه إلى إبراهيم، ومكث المنصور لا يقر له قرار، وجهز العساكر ولم يأو إلى فراش خمسين ليلة، وكان كل يوم يأتيه فتق من ناحية هذا ومائة ألف سيف كامنة له بالكوفة، قالوا: ولولا السعادة لسل عرشه بدون ذلك إلى أن هدم عزه وذهث وهو بالمثلثة، وكان مع ذلك صقراً أحوذياً مشمراً ذا عزم ودهاء.
وعن داود بن جعفر قال: احصى ديوان إبراهيم بالبصرة فبلغوا مائة ألف، وقال غيره: بل قام معه عشرة آلاف، فلو هجم الكوفة لظفر بالمنصور، ولكنه كان فيه دين، قال: اخاف إن هجمتها أن يستباح الصغير والكبير، فقيل له: فخرجت على مثل المنصور، وتتوقى قتل الصغير والكبير، وكان أصحابه مع قلة رأيه يختلفون عليه، وكل يشير برأي، إلى أن التقى الجمعان على يومين من الكوفة، فاشتد الحرب وظهر أصحاب إبراهيم، وكان على مقدمة جيوش المنصور حميد بن قحطبة فانهزم، وجعل عيسى بن موسى يثبت الناس، وقد بقي في مائة من حاشية، فأشاروا عليه بالفرار، فقال: لا أزول حتى أظفر أو أقتل، وكان يضرب المثل بشجاعته، ثم دار أبناء سليمان بن علي في طائفة، وجاءوا من وراء إبراهيم، وحملوا على عسكره، قال عيسى لولا أبناء سليمان لافتضحنا، ومن صنع الله عز وجل أن أصحابنا انهزموا فاعترض لهم نهر ولم يجدوا مخاضة، فرجعوا، فوقعت الهزيمة على أصحاب إبرأهيم حتى بقي في سبعين، وأقبل حميد بن قحطبة فحمل بأصحابه واشتد القتال حتى تفانى خلق تحت السيف طول النهار، وجاء سهم غرب لا يدرى من رمى به في حلق إبراهيم، فأنزلوه وهو يقول وكان أمر الله قدراً مقدوراً أردنا أمراً وأراد الله غيره، واجتمع
اصحابه يحمونه، فأنكر حميد اجتماعهم، فحمل عليهم فتفرقوا عن إبراهيم، فنزل جماعة واحتزوا رأسه وبعث به إلى المنصور في الخامس والعشرين من ذي القعدة وعمره ثمان وأربعون سنة، وكان قد أذاه يومئذ الحرب وحرارة الزردية فحسروها عن صدره فأصيب في ليته، ووصل إلى المنصور خلق كثير منهزمين، وهيىء النجائب ليهرب إلى الري، وكان يتمثل.
ونصبت نفسي للرماح درية
…
إن الرئيس لمثل ذاك فعول
قال: الأصمعي الدرية غير مهموز وهي دابة يستتر بها الصائد فإذا أمكنه الصيد رمى، وقال أبو زيد هو مهموز لأنها تدرأ نحو الصيد أي تدفع قال الأخطل:
فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني
…
بسهمك فالرامي يصيب ولا يدرا
أي لا يستتر ولا يختل يقال: اقصد السهم: اي أصاب فقتل، فلما أسرعوا إليه بالبشارة وبالرأس تمثل بقول البارقي:
فألقت عصاها واستقرت لها النوى
…
كما قر عيناً بالإياب المسافر
قال خليفة: خرج مع إبراهيم هيثم وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وعباد بن العوام ويزيد بن هارون، وكان أبو حنيفة يجاهر في أمره ويأمر بالخروج معه، قال أبو نعيم: فلما وصل قتل إبراهيم، هرب أهل البصرة براً وبحراً واستخفى الناس. وفي السنة المذكورة أمر المنصور فأسست بغداد وابتدأ بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها أولاً بالرماد، وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي، قيل وبغداد في وقتنا اكثرها من الجانب الشرقي. وفي السنة المذكورة وقيل في سنة ست توفي إسماعيل بن أبي خالد البجلي مولاهم الكوفي الحافظ، احد أعلام الحديث، وكان صالحاً ثبتاً حجة. وفيها توفي عمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه، وكان يقول: لو علمت أنه بقي علي حرف من السنة باليمن لأتيتها.
وفيها توفي عبد الملك بن أبي سليمان الكوفي الحافظ أحد المحدثين الكبار، كان شعبة مع جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك.