الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي على الأصح ليث بن أبي سليم الكوفي أحد الفقهاء. قال الفضيل بن عياض: كان أعلم أهل زمانه في المناسك.
سنة أربع وأربعين ومائة
فيها حج بالناس المنصور، وأهمه شان محمد بن عبد الله بن الحسن وأخيه إبراهيم لتخلفهما عن الحضور عنده، فوضع عليها العيون وبذل الأموال وبالغ في طلبهما لأنه عرف مرامهما، وجرت أمور يطول شرحها، وقبض على أبيهما فسجنه، وجهز جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح. وفيها توفي سعيد بن إياس محدث البصرة، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة في حبس المنصور. قال الواقدي: كان من العباد، وله شرف وهيبة ولسان شديد بالشين المعجمة على ما ضبط في الأصل المنقول منه. وفيها توفي عمرو بن عبيد المعتزلي المتكلم الزاهد المشهور ومولى بني عقيل، كان أبو يختلف إلى أصحاب الشرط بالبصرة، فكان الناس إذ رأوا عمراً مع أبيه قالوا: هذا خير الناس من شر الناس فيقول أبوه صدقتم هذا إبراهيم وأنا آزر. وإذا قيل لأبيه عبيد إن ابنك يختلف إلى الحسن البصري ولعله أن يكون منه خير، فقال: وأي خير يكون من ابني وأمه؟ اصبتها من غلول وأنا أبوه، ثم صار عمرو شيخ المعتزلة في وقته. وسئل الحسن البصري عنه فقال للسائل: سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته، وكأن الأنبياء ربته، ان قام بأمر قعد به، وإن قعد بأمر قام به، وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، ما رأيت ظاهراً أشبه بباطن ولا باطناً أشبه بظاهر منه. ودخل يوماً على الخليفة أبي جعفر المنصور وكان صديقاً له قبل الخلافة، فقربه وقال عظني، فقال: ان هذا الأمر الذي في يدك لو بقي في يد أحد ممن كان قبلك لم يصل إليك، فاحذر من ليلة تمحض بيوم لا ليلة بعده، وغير ذلك من المواعظ فلما أراد النهوض قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم قال: لا حاجة لي فيها. قال: والله تأخذها. قال: والله لا آخذها، وكان المهدي حاضراً فقال يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت؟ فالتفت عمرو إلى المنصور وقال: من هذا الفتى؟ قال: هذا المهدي ولدي وولي عهدي. فقال: اما فقد ألبسته
لباساً ما هو لباس الأبرار وسميته باسم ما استحقه ومهدت له أمراً أمنع ما يكون به أشغل ما يكون عنه، ثم التفت إلى المهدي وقال: نعم يا ابن أخي إذا حلف أبوك اخشه، لأن أباك أقوى على الكفارات من عمك، فقال له المنصور: هل من حاجة؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، فقال المنصور: اذن لا نلتقي. قال عمرو: هي حاجتي فاتبعه المنصور نظره، وقال:
كلكم يمشي رويدا
…
كلكم يطلب صيدا
غير عمرو بن عبيد
ولما حضرته الوفاة قال لصاحبه: نزل بي الموت ولم أتأهب، ثم قال: اللهم إنك تعلم أنه لم يسنح لي أمران في أحدهما رضى لك، وفي الآخر هوى لي إلا اخترت رضاك على هوائي فاغفر لي، وتوفي وهو راجع من مكة بموضع يقال له مران بفتح الميم وبعدها راء مشددة، وفيه دفن أيضاً تميم بن مر الذي ينسب إليه بنو تميم القبيلة المشهورة، ورثا المنصور عمراً المذكور بقوله:
صلى الإله عليك من متوسد
…
قبراً به قبرعلى مران
قبراً تضمن مؤمناً متحنفاً
…
صدق الإله ودان بالعرفان
لو أن هذا الدهر أبقى صالحاً
…
أنقى لنا عمراً أبا عثمان
قالوا ولم يسمع بخليفة رثى من هو دونه سواه، ولعمرو المذكور رسائل وخطبات، وكتاب التفسير عن الحسن البصري، وكتاب الرد على القدرية، قلت هكذا قال بعض المؤرخين، والذي حكى أصحابنا عنه في كتب الأصول: قول شنيع وكفر فظيع في نفيه المقدر، وهو ما روى الإمام الطبري أنه قال: ان كان تبت يدا أبي لهب في اللوح المحفوظ، فما على أبي لهب من لوم. وذكر الإمام الطرسوسي المالكي في كتابه، في الخلاف عنه، أنه لما ذكر حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان، المشتمل على قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين:" ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد ". قال: لو سمعته من الأعمش لكذبته، ولو سمعته من أن مسعود لما صدقته، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقلت: ما بهذا بعثت الرسل، ولو سمعته من الله عز وجل ما على هذا أخذت مواثيقنا، قال أئمتنا: وليس يزيد على كفره كفر.