الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفص الأزدي، وكانت الإباضية في مائة وعشرين ألف فارس وأمم لا يحصون من رجالة. وفي السنة المذكورة ألزم المنصور الناس لبس القلانس المفرطة الطول، وكانت تعمل من كاغذ ونحوه على قصب، ويعمل عليها السواد. وفيها توفي أبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص. قال يحيى القطان: ما رأيت شامياً أوثق منه، قال أحمد: كان يرى القدر ولذلك نفاه أهل حمص.
وفي رمضان منها توفي معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ قال أحمد ليس يضم معمر إلى أحد إلا وجدته فوقه، وقاك غيره كان صالحاً خيراً، وهو أول من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن، فلقي بها همام بن منبه اليمني، فسمع منه ومن الزهري وهشام بن عروة، وارتحل إليه الثوري وابن عيينة وابن المبارك وغندر وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وأخذ عنه عبد الرزاق فقيه اليمن ومحدث صنعاء، وله الجامع المشهور والمنسوب إليه في السنن، وهو أقدم من الموطأ. وفيها توفي هشام بن عبد الله الدستوائي البصري الحافظ، قال أبو داود الطيالسي كان أمير المؤمنين في الحديث، وقال غيره بكى هشام حتى فسدت عينه. وفيها توفي وهيب بن الورد المكي الولي الكبير السيد الشهير صاحب المواعظ والرقائق والمعارف والحقائق: قلت وكان يحكى عنه في الورع أمر عظيم، وكان لا يأكل مما في الحجاز شيئاً، فسأل عن سبب ذلك فقال: فيه المصافي. يعني أن ولاة الأمر اصطفوا منه مواضع لا تفهم ولمن شاء من حاشيتهم فقيل له: ومن الشام ومصر أيضاً كذلك؟ فوجم من ذلك حتى غشي عليه، فلما أفاق قال الفضيل لو درينا أنه يبلغ بك هذا المبلغ ما حركناك، أو كما قيل رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
سنة أربع وخمسين ومائة
فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على بلاد المغرب، فسار إلى الشام وزار القدس، وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس وعقد له على المغرب فقيل إنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم. وفيها توفي وزير المنصور سليمان بن مخلد، وقيل ابن داود المورياني، كان وزير
أبي جعفر المذكور، تولى وزارته بعد خالد بن برمك جد البرامكة، وتمكن منه تمكناً بالغاً، وسبب ذلك أنه كان في ابتداء أمره يكتب لسليمان بن حبيب بن المهلب الأزدي وكان المنصور قبل الخلافة ينوب عن سليمان المذكور في بعض كور فارس، فاتهمه أنه أخذ المال لنفسه، فضربه بالسياط ضرباً شديداً، وغرمه المال، فلما ولي الخلافة ضرب عنقه، وكان سيمان قد عزم على قتله عقب ضربه، فخلصه منه كاتبه أبو أيوب المذكور، فاعتدها المنصور له واستوزره، ثم إنه فسدت نيته فيه ونسبه إلى أخذ الأموال، وهم أن يوقع به، فتطاول ذلك فكان كلما دخل عليه ظن أنه سيوقع به، ثم يخرج سالماً، فقيل إنه كان معه شيء من الدهن قد عمل فيه سحراً وكان يدهن به حاجبيه إذا دخل على المنصور فصار في العامة دهن أبي أيوب وصار مثلاً.
ومن ملح أمثاله ما ذكر خالد بن يزيد بن الأرقط قال: بينا أبو أيوب المذكور جالس في أمره ونهيه، اتاه رسول منصور فتغير لونه، فلما رجع تعجبنا من حالته، فضرب مثلا لذلك، وقال: زعموا أن البازي قال للديك: ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك. قال وكيف ذلك؟ قال أخذك أهلك بيضة فحضنوك، ثم خرجت على أيديهم، وأطعموك في أكفهم، ونشأت بينهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت هاهنا وهاهنا وصدت، وأخذت أنا مسيباً من الجبال فعلموني وألقوني ثم تخلى عني فأخذ صيداً في الهواء وأجيء به إلى صاحبي. فقال له الديك: انكم لو رأيتم من البزاة في سفافيد هم المعدة للشيء مثل الذي رأيت من الديوك لكنتم أنفر مني، يعني أيها البزاة ولكنكم أنتم لو علمتم أعلم لم يتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي ثم إنه وقع به في سنة ثلاث وخمسين ومائة وعذبه وأخذ أمواله. ثم مات في السنة التي تليها والمورياني بضم الميم وسكون الواو وكسر الراء وبالمثناة من تحت وبعد الألف نون ثم ياء النسبة إلى موريان وهي قرية من قرى الأهواز. وفيها توفي الحكم بن أبان العدني، روى عن طاوس وجماعة، وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد معمر، وكان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح. وفيها توفي مقرىء البصرة أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري أحد السبعة القراء وعمره أربع وثمانون سنة، قرأ على أبي العالية وجماعة وروى عن أنس وغيره. قال أبو عمرو كنت رأساً والحسن حي ونظرت في العلم قبل أن أختن. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية، والشعر وأيام العرب. قال: وكانت دفاتره ملء بيت
إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، وهو في النحو من الطبقة الرابعة من علي بن ابي طالب رضي الله عنه. قال الأصمعي سألت أبا عمرو عن ألف مسألة فأجابري فيها بألف حجة. وكان أبو عمرو رأساً في حياة الحسن البصري مقدماً في عصره، وكانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتاً له إلى قريب من السقف كما تقدم. ثم ذكر إحراقه لها. قال: فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه يقلبه، وكانت عامة أخباره عن إعراب قد أدركوا الجاهلية.
قال الأصمعي جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشر حجج، فلم أسمعه يحتج ببيت إسلامي قال وفيه يقول الفرزدق:
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها
…
حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
والصحيح أن كنيته اسمه وكان رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان لم ينشد بيت شعر حتى ينقضي. وعنه أنه قال ما زدت في شعر العرب قط إلا بيتاً واحداً وهو أنكرتني وما كان الذي أنكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا. وهذا البيت يوجد في جملة أبيات للأعشى مشهورة. قال أبو عبيدة دخل أبو عمرو بن العلاء على سليمان بن علي وهو عم السفاح، فسأله عن شيء، فصدقه، فلم يعجبه ما قال، فوجد أبو عمرو في نفسه فخرج وهو يقول:
أنفت من الذل عند الملوك
…
وإن أكرموني وإن قربوا
إذا ما صدقتم خفتهم
…
ويرضون مني بأن أكذب
قلت وهذا يعرفك بجواز الإقواء المعروف في علم القافية لوقوعه من هذا الإمام الذي هو للاحتجاج من أقوى دليل أعني رفعه للباء من: اكذب لموافقة القافية المتقدمة، مع دخول أن الناصبة للفعل المضارع، وقد اعتذر عنه بعضهم ذاهباً إلى ألن أن هاهنا وقعت مخففة من الثقيلة، او أنها ملغاة من العمل. وفي قوله هذا نظر، فإن كونها مخففة من الثقيلة يحتاج إلى شروطه: منها أن يكون الفعل بمعنى العلم أو الظن على أحد الوجهين، وشرط بعضهم السين في الفعل كقوله تعالى علم أن سيكون. وحكي عن ابن محمد النوفلي قال: سمعت أبي يقول: قلت لأبي عمرو بن العلاء: اخبرني عما وضعت مما سميته عربية لم يدخل فيه كلام العرب كله، فقال: لا. فقلت: فكيف تصنع؟ فيما خالفتك فيه العرب وهو حجة قال: اعمل على الأكثر واسمي ما خالفني لغات.
قلت وذكر شيخنا الإمام الرضي الطبري رحمة الله عليه في كتاب شهاب القبس عن أبي عمرو بن العلاء، انه قال: اول العلم الصمت، والثاني حسن الاستماع، والثالث حسن السؤال، والرابع حسن اللفظ، والخامس نشره عند أهله. وذكر عن أبي عبيدة أنه فاخر مصري يميناً بحضرة أبي عمرو، فاستعلاه اليمني، فقال أبو عمرو المصري: قل له لنا النبوة والخلافة والكعبة والسدانة وزمزم والسقاية واللواء والرفادة والشورى والندوة والسبق بالإيمان والهجرة، ولنا فتوح الآفاق وتفرقة الأرزاق، وبنا سميت الأنصار أنصاراً، ومنا أول من تنشق عنه الأرض وصاحب الحوض وأول شافع ومشفع وأول من يدخل الجنة وسيد ولد آدم وكرم الناس أباً وأماً صلى الله عليه وسلم. ومنا الأسباط والأنبياء عليهم السلام، وجبابرة الملوك العظماء، فمن عزمنكم فنحن أعززناه، ومن ذل فنحن أذللناه، قال: فعجب الناس من كلامه حتى أنه لو كان قد أعده أو قرأ، من كتاب ما زاد على ذلك، وقال فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها، وقال: ما تساب اثنان إلا غلب ألامهما، وقال: اذا تمكن الإخاء فتح الثاء، وقال ما ضاق مجلس بين متحابين، وما اتسعت الدنيا بين متباغضين، وقال: احسن المراثي ابتداء قول فضالة بن كندة العبسي:
أيتها النفس اجملي جزعا
…
إن الذي تحذرين قد وقعا
بان الذي جمع السماحة
…
والنجدة والبر والتقى جمعا
الألمعي الذي يظن بك الظن
…
كأن قد رأى وقد سمعا
وقال ما قالت العرب بيتاً أبدع من قول النابغة:
والنفس راغبة إذا رغبتها
…
وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال الأصمعي: سمع أبو عمرو رجلاً ينشد، وكان مستتراً من الحجاج.
اصبرالنفس عند كل مهم
…
إن في الصبر حيلة المحتال
لاتضيقن في الأمور فقد
…
تكشف غماؤها بغير احتمال
ربما تجزع النفس في الأمر
…
ماله فرجة كحل العقال
سمعها بسحره وكان
…
قد خرج يريد الانتقال
فقال له ما الأمر؟ فقال: مات الحجاج. فلم أدر بأيهما أنا أفرح بموت الحجاج أم