الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن خالة خالد بن اللوليد، وكان فقيهاً كثير الحديث، لقي كبار الصحابة، وأدرك معاذ بن جبل رضي الله عنهم.
سنة اثنتين وثمانين
كانت الحروب تشتعل بين الحجاج وابن الأشعث، وكاد ابن الأشعث أن يغلب على العراق، وبلغ جيشه ثلاثة وثلاثين ألف فارس ومائة وعشرين ألف راجل، ولم يختلف عنه كثير قاموا على الحجاج لله. وفيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان صاحب الحروب والفتوحات قال وإسحاق السبيعي: لم أر أمير اليمن نقبة ولا أشجع لقاء، ولا أبعد مما يكره، ولا أقرب مما يحب من المهلب. وقال بعض المؤرخين: روي أنه قدم على عبد الله بن الزبير أيام خلافته بالحجازوالعراق وتلك النواحي، وهو يومئذ بمكة، فخلا به عبيد الله يشاوره، فدخل عليه عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي، فقال: من هذا الذي شغلك يا أمير المؤمنين يومك هذا؟ فقال: او ما تعرفه؟ قال: لا. قال: هذا سيد أهل العراق: قال: فهو المهلب بن أبي صفرة؟ قال: نعم. فقال المهلب: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال هذا سيد قريش. قال فهو عبد الله بن صفوان؟ قال نعم وكان الذي استعمله على خراسان عبد الملك بن مروان، وكان له كلمات لطيفة واشارات مليحة تدل على مكارمه، وخلف المهلب عدة أولاد نجباء كرام أجواداً أمجاداً قال ابن قتيبة يقال إنه وقع إلى الأرض من صلب المهلب ثلاث مائة ولد، وله آثار حميدة وفضائل عديدة، ولما مات أكثر الشعراء فيه من المراثي من ذلك قول بعضهم:
ألا ذهب العز المقرب للفتى
…
ومات الندى والجود بعد المهلب
أقاما بمرو الروذ لا يبرحانها
…
وقد عدلا عن كل شرق ومغرب
وفيها توفي زر بن حبيش الأسدي القاري، وله مائة وعشرون سنة، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية فيما قيل، وقتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي، وكان شريفاً مطاعاً. وفيها قتل أبو الشعثاء مع ابن الأشعث بظاهر البصرة، وفيها قتل الحجاج محمد بن سعد بن أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث.
وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر المشهور من بني عذرة صاحب بثينة أحد عشاق العرب، تعلق قلبه بها وهو غلام فلما كبر خطبها، فرد عنها، فقال الشعر فيها. قال المؤرخون ومنهم الحافظ ابن عساكر، وكان يأتيها ومنزلها بوادي القرى وله ديوان شعر كثير ذكره لها فيه فقيل له: لو قرأت القرآن كان أعود عليك من الشعر؟ فقال: هذا أنس بن مالك أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن من الشعر لحكمة " وبثينة أيضاً من بني عذرة وكانت تكنى أم عبد الملك والجمال والعشق في بني عنرة، قيل لرجل منهم ممن أنت؟ قال: من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: هذا عذري ورب الكعبة وقيل لآخر: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير ينماع كما ينماع الملح في الماء؟ اما تتجلدون؟ فقال: انا ننظر إلى محاجرعيون لا تنظرون إليها. وذكر صاحب كتاب الأغاني أن كثيرعزة راوية جميل، وجميل راوية هدبة، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى وابنه كعب بن زهير، ومن شعر جميل:
وجزعاني أن تبماء منزل
…
لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف إن قد انقضت
…
فما للنوى يرمي بليلى المراميا
قال ابن خلكان ومن الناس من يدخل هذه الأبيات في قصيدة مجنون ليلى، وليست له، وتيماء خاصةً منزل لبني عذرة، وفي هذه القصيدة يقول جميل:
وما زلتم تأبون حتى لو أنني
…
من الشوق أستبكي الحمام بكى ليا
وما زادني الواشون إلا صبابة
…
ولا كثرة الناهين إلا تماديا
ومن شعره أيضاً
يقضي الديون وليس ينجز موعدا
…
هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت بالوعد الذي تعدينني
…
إلا كبرق سحابة لم تمطر
قلت والبيت الأول منهما وقول كثيرعزة، قضى كل في دين فوفى غريمه. وبيته المعروف، احدهما يستمد من الآخر، ومن شعر جميل:
وإني لأستحيي من الناس أن أرى
…
رديفاً لوصل أوعلى رديف
وإني للماء المخالط للقذى
…
إذا كثرت وراده لعيوف
قلت والبيت الثاني من هذين غير مناسب للأول منهما، فإنه في الأول كره لأن يكون
رديفا وأن يكون الذي قبله واحداً، اذ الرديف يصدق على ذلك وفي الثاني قيد العيوف بكثرالوارد. قلت ومما ذكره المؤرخون ما يكره المتدين ذكره، استغفر الله من ذكره واسأل العافية من مثله، قالوا: قال كثيرة عزة لفتى مرة جميل بثينة فقال من أين أقبلت؟ فقلت من عند الحبيبة يعني بثينة، قال: الى أين تمضي؟ فقلت إلى الحبيبة يعني عزة، فقال لابد أن ترجع عودك على بدنك فتتخذ لي موعداً من بثينة، فقلت: عهدي بها الساعة وأنا أستحي أن أرجع، فقال: لا بد من ذلك. فقلت: ومتى عهدك ببثينة؟ فقال من أول الصيف وقعت سحابة بأسفل واد الروم، فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثياباً، فلما أبصرتني أنكرتني فضربت يدها إلى ثوب في الماء فالتحفت به، وعرفتني الجارية فأعادت الثوب إلى الماء، وتحدثنا ساعة حتى غابت الشمس، وسألتها الموعد فقالت: اهلي سائرون، وما لقيتها بعد ذلك، ولا وجدت أحداً منه فأرسله إليها. قال كثير فقلت هل لك أن آتي الحي فأتعرض بأبيات شعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدرعلىالخلوة بها؟ قال: ذلك هو الصواب، قال فخرجت حتى أنخت بهم. فقال أبوها: ما ردك يا ابن أخي؟ قال قلت أبيات عرضت فأحببت أن أعرضها عليك. قال: هات. قال: فأنشدته شعراً، وبثينة تستمع، فقلت لها:
يا عز أرسل صاحبي
…
إليك رسولاً والرسول موكل
بأن تجعلي بيني وبينك موعداً
…
وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل
وآخرعهدي منك يوم لقيتني
…
بأسفل واد الروم والثوب يغسل
قال فضربت بثينة خدرها، وقالت: اخسأ اخسأ. فقال لها أبوها: مهيم: يا بثينة قالت: كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء الرابية، ثم قالت للجارية: ابغينا من الدومات حطباً لنذبح لكثير شاةً ونشويها له، فقال كثير: انا أعجل من ذلك وراح إلى جميل فأخبره، فقال له جميل موعدنا الدومات، وخرجت بثينة وصواحبها إلى الدومات، وجاء جميل وكثير إليهن فما برحوا حتى برق الصبح، وكان كثير يقول ما رأيت مجلساً قط أحسن من ذلك المجلس ولا مثل علم أحدهما بضمير الآخر ما أدري أيهما كان أفهم. وقال الحافظ أبو عيسى ابن عسكرفي تاريخه الكبير قال ابن الأنباري أنشدني أبي هذه الأبيات لجميل:
ما زلت أبغي الحي أطلب أهلهم
…
حتى دفعت إلى رؤيبة هودج
فدنوت مختفياً ألم ببيتها
…
حتى ولجت إلى حفى المولج
فتناولت رأسي لتعرف سنه
…
لمخضب الأطراف غير مشيخ
قالت وعيش أخي ونعمة والدي
…
لأنبهن القوم إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسمت
…
فسلمت أن يمينها لم تلحج
قلت وبعد هذا بيت حذفته كراهية ذكره. وقال هارون بن عبد الله القاضي قدم جميل بن معمر مصر على عبد العزيز بن مروان ممتدحاً له، فأذن له وسمع مدائحه وأحسن جائزته، وسأله عن حبيبته بثينة فذكر، وحمد كثيراً فوعده في أمرها وأمره بالمقام، وأمر له بمنزل وما يصلحه فأقام قليلاً حتى مات هناك. وذكر الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال: بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي، فقال هل لك في جميل؟ فإنه ثقيل نعوده، فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، فنظر إلي ثم قال: يا ابن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط، ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: اظنه قد نجا، وأرجو له الجنة. فمن هذا الرجل؟ قال: انا قنت والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة ببثينة. فقال: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإني في أول يوم من أيام الآخرة آمر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة. قال: فما برحنا حتى مات. وذكر في الأغاني عن الأصمعي قال: حدثني رجل شهد جميلاً لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعا به فقال: هل لك إن أعطيتك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك؟ قال فقلت نعم قال إذا نامت فخذ حلتي هذه وأعز لها جانباً وكل ما سواها، لك وادمل إلى رهط بثينة فإذا صرت إليها فارتحل ناقتي هذه واركبها، ثم البس حلتي هذه واشققها، ثم اعل على شرف وصح بهذين البيتين:
صرح البغي وما كنا بجميل
…
وثوى بمصر ثوى بغير قفول
قومي بثينة فاندبي بعويل
…
وابكي خليلاًدون كل خليل
قال فقلت ما أمرني به فما تممت الإنشاد حتى خرجت بثينة كأنها بدر في دجنة، وهي تنثني في مرطها حتى أتتني، فقالت: يا هذا والله إن كنت صادقاً لقد قتلتني، وإن كنت كاذباً فقد فضحتني، فقلت: والله ما أنا لا صادقاً وأخرجت حلته، فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها، واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت، فمكثت مغشياً عليها ساعة ثم قامت وهي تقول:
وإن سكتموني عن جميل لساعة
…
من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر
…
إذا مت بأساء الحياة ولينها