المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى وخمسين ومائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

للصفار خذ هذا عوض ما لك عليه، فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين أرده للقضاء بالكوفة أيام مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، فأبى عليه، وضربه مائة سوط وعشرة سواط، كل يوم عشرة أسواط. وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك خلى سبيله، وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد إن ضرب الإمام أحمد على ترك القول بخلق القرآن، يعني البكاء والترحم. وذكر الخطيب في تاريخه أيضاً أن أبا حنيفة رضي الله عنه رأى في المنام أنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فبعث من سأل محمد بن سيرين، فقال ابن سيرين: صاحب هذه الرؤيا يثور علماً لم يسبقه إليه أحد. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته وروى حرملة ين يحيى عن الشافعي، قال: الناس عيال على هؤلاء الخمسة من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، ومن أراد أن يتبحر في التفسير فهو عيال على مقاتل ين سليمان، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على بن محمد بن إسحاق. وفيها توفي وقيل في التي قبلها وقل في التي بعدها أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح القرشي مولاهم المكي، كان أحد العلماء المشهورين، ويقال إنه أول من صنف الكتب في الإسلام، قال رحمه الله: كنت مع معن بن زائدة باليمن فحضر وقت الحج، فلم يخطر لي نية، فخطر ببالي قول عمرو بن ربيعة:

بالله قولي له من غيرمعتبة

ماذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت ذنباً أونعمت بها

فما أخذت بترك الحج من ثمن

قال فدخلت على معن فأخبرته أتي قد عزمت على الحج، فقال لي: ما يدعوك إليه؟ ولم تكن تذكره، فقلت: وذكرت بيتين لعمرو بن أبي ربيعة، وأنشدته إياهما فجهزني وانطلقت.

‌سنة إحدى وخمسين ومائة

فيها توفي شيخ البصرة وعالمها الإمام عبد الله بن عون، والإمام محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة، وكان بحراً من بحور الحلم ذكياً حافظاً طلابة للعلم اخبارياً نسابة ثبتاً في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلا يجهل إمامته.

ص: 244

قال ابن شهاب الزهري: من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق وذكره البخاري في تاريخه. وروي عن الشافعي أنه قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق. وقال سفيان بن عيينة ما أدركت أحداً يتهم ابن إسحاق في حديثه. وقال شعبة بن الحجاج محمد بن إسحاق أمير المؤمنين يعني في الحديث.

وحكي عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان أنهم وثقوا محمد بن إسحاق واحتجوا بحديثه، وإنما لم يخرج البخاري عنه وقد وثقه وكذلك مسلم بن الحجاج لم يخرج عنه إلا حديثاً واحداً في الزجر من أجل طعن مالك بن أنس فيه وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه عنه أنه قال هاتوا حديث مالك فأنا طبيب لعلله. وتوفي ببغداد رحمه الله تعالى، ودفن في مقبره الخيزران بالجانب الشرقي، وهي منسوبة إلى الخيزران أم هارون الرشيد وأخيه الهادي، وإنما نسبت إليها لأنها مدفونة فيها، وهي أقدم المقابر التي في الجانب الشرقي، ومن كتب ابن إسحاق المذكورأخذ عبد الملك بن هشام سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك كل من تكلم في هذا الباب فعليه اعتماده وإليه استناده. وفيها قتلت الخوارج غيلة الأمير معن بن زائدةالشيباني أمير سجستان أحد الأبطال والأجوا د. ومن أخباره ما حكى عنه مروان بن أبي حفصة قال: اخبرني معن بن زائدة وهو يومئذ متولي بلاد اليمن أن المنصورجد في طلبه وجعل لمن يحمله إليه مالاً قال: فاضطررت لشدة الطلب إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخفعت أوقال وخففت عارضي، ولبست جبة صوف وركبت جملاً متوجهاً إلى البادية لأقيم بها، فلما خرجت من باب حرب، وهو أحد أبواب بغدادتبعني أسود متقلداً بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض على يدي، فقلت ما لك؟ فقال: أنت طلبة - أميرالمؤمنين، فقلت ومن أنا حتى أطلب؟ قال: انت معن بن زائدة، فقلت: يا هذا اتق الله عز

ص: 245

وجل أين أنا من معن، فقال: دع هذا فو الله اني لأعرف منك بك، قال: فلمارأيت منه الجد قلت له: هذا عقد جواهرقد حملته معي بأضعاف ما جعله المنصور لمن يأتيه بي فخذه ولا تكن سبباً في سفك دمي، قال: هاته فأخرجته إليه، فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك، فقلت قل قال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط؟ قلت: لا قال: فنصفه؟ قلت لا. قال: فثلثه؟ قلت: لا حتى بلغ العشر فاستحييت وقلت أظن أني قد فعلت هذا، فقال ما ذاك بعظيم أنا والله رجل ورزقي من المنصور كل شهر عشرون درهماً، وهذا الجوهر قيمته ألوف دنانير، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثوربين الناس، ولتعلم أن في الدنيا أجود منك فلا تعجبك نفسك، ولتحتقر بعد ذلك كل شيء تفعله ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى العقد في حجري وترك خطام البعير وولى منصرفاً، فقلت له: يا هذا قد والله نصحتني، ولسفك دمي أهون علي مما فعلت، فخذ ما دفعته لك فأني عنه غني، فضحك وقال أردت أن تكذبني في مقالتي هذه فو الله لا آخذ به ولا آخذ بمعروف ثمناً أبداً ومضى لسبيله. قال: فوالله لقد طلبت بعد أن أمنت، وبذلت لمن يجيء به ما شاء، فما عرفت له خبراً وكأن الأرض ابتلعته، وإنما كان معن خائفاً من المنصور لأنه كان في أيام بني أمية منتقلاً في ولايتهم موالياً لابن هبيرة، فلما انتقلت الدولة إلى بني العباس قاتل معن مع ابن هبيرة المنصور، فلما قتل ابن هبيرة خاف معن من المنصور فاستتر عنه، قال الراوي ولم يزل معن مستتراً حتى كان يوم الهاشمية، وهو يوم مشهور ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور، ووثبوا عليه وجرت مقتلة بينهم وبين أصحاب المنصور بالهاشمية التي بناها السفاح بالقرب من الكوفة، وقد تقدم ذلك في سنة احدى وأربعين وكان معن متوارياً بالقرب منهم، فخرج متنكراً معتماً ملثماً، وتقدم إلى القوم وقاتل قتالأ بان فيه عن نجدة وشهامة، وفرقهم، فلما أفرج عن المنصور قال له من أنت ويحك فكشف لثامه وقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة، فأمنه المنصور وأكرمه وحباه وكساه وزينه، أو قال: ورتبه وصار من خواصه. ثم دخل بعد ذلك عليه في بعض الأيام، فلما نظر إليه قال: هيه يا معن تعطي مروان ابن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله:

معن بن زائدة الذي زيدت به

شرفاً على شرف بنو شيبان

فقلت: كلا يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على قوله في هذه القصيدة:

مازلت يوم الهاشمية معلناً

بالسيف دون خليفة الرحمن

ص: 246

فمنعت حوزته وكنت وقايةً

من وقع كل مناهل وسنان

فقال أحسنت يا معن، وقال له يوماً يا معن ما أكثر وقوع الناس في قومك؟ فقال أمير المؤمنين:

إن العراقين تلقاها محسدة

ولا ترى للئام الناس حسادا

ودخل عليه يوماً قد اسن، فقال له: لقد كبرت يا معن، فقال: في طاعتك يا أميرالمؤمنين. فقال: انك المجلد. فقال: على أعدائك يا أمير المؤمنين. فقال: وفيك تقية. فقال: هي لك يا أمير المؤمنين. وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن بن زيد زاهد أهل البصرة، فقال: ويح هذا ما ترك لربه شيئاً. وحكى الأصمعي قال وفد اعرابي على معن بن زائدة فمدحه وطال مقامه على بابه ولم تحصل له جائزة، فعزم على الرحيل، فخرج معن راكباً إليه فقام وأمسك عنان دابته فقال:

وما في يديك الخيريا معن كله

وفي الناس معروف وعنك مذاهب

ستدرين بنات العم ما قد أتيته

إذا فتشت عند الإياب الحقائب

فأمر معن باحضار خمس نوق من كرام ابله وأوقرهن له ميرة وبراً وثياباً، وقال انصرف يا ابن أخي في حفظ الله إلى بنات عمك فلئن فتشن الحقائب لتجدن فيها ما يسترهن، فقال: صدقت وبيت الله. ومما يحكى عن معن بن زائدة أنه كان ذات يوم من الأيام جالساً على سرير مملكته، وحوله الوزراء والأمراء والحرفاء والكتاب والمذاكرون في النوادر والغرائب، إذ أقبل أعرابي يتخطى الصفوف صفاًصفاً حتى وقف بين يديه، وقال:

أتعرف إذ قميصك جلد كبش

وإذ نعلاك من جلد البعير

قال نعم اعرف ذلك. قال:

فسبحان الذي أعطاك ملكاً

وعلمك الجلوس على السرير

قال ذاك بحمد الله لا بحمدك قال:

فلست مسلماً لوعشت دهراً

على معن بتسليم الأمير

قال إذن والله لا أبالي بك قال:

ولا آتي بلاداً أنت فيها

ولو جار الزمان على الفقير

ص: 247

قال أفتعلم لك موضعاً تختفي فيه؟ قال:

فمرلي يا بن زائدة بمال

وزاد إذ عزمت على المسير

قال يا غلام أعطه ألف درهم قال:

قليل ما أمرت به وأني

لأطمع منك بالشيء الكثير

قال: يا غلام زيادة ألف درهم.

كأنك إذ ملكت الملك زرنا

بلا عقل ولا جاه خطير

قال يا غلام زيادة ألف درهم قال:

ملكت الجود والأفضال جميعاً

فبذل يديك كالبحر الغزير

قال ضاعف له الحسنات، فضاعف له الحسنات بستة آلاف، ولمعن تروى أشعار جيدة، فمن ذلك قوله في خطاب ابن أخي عبد الجبار وقد رآه يتبختر بين السماطين بعدما لقي الخوارج وفر منهم:

هلا مشيت كذا غداة لقيتهم

وصبرت عند الموت يا خطاب

نجاك خوار العنان كأنه

تحت العجاج إذ كان تحت عقاب

وتركت صحبك والرماح تنوشهم

وكذاك من قعدت به الأحساب

ومما روى الخطيب في تاريخه عن أبي عثمان المازني النحوي قال: حدثني صاحب شرطة معن قال: بينما أنا على رأس معن إذا هو براكب يوضع، فقال معن ما أحسب الرجل يريد غيري، ثم قال لحاجبه لا تحجبه، قال فجاء حتى مثل بين يديه وأنشد.

أصلحك الله قل ما بيدي

فما أطيق العيال إن كثروا

ألح دهر ألقى بكلكلة

فأرسلوني إليك وانتظروا

فقال معن وأخذته أريحية: لا جرم والله لأعجلن أوبتك. ثم قال: يا غلام الناقة الفلانية وألف دينار، فدفعها إليه وهو لا يعرفه، قلت وهذا كله مما يدل على عظم جود معن وشجاعته. ومما يدل على حلمه وشماحته: ما حكي أنه لما طلب أبو جعفر المنصور الإمام سفيان الثوري لينتقم منه بزعمه لما كان سفيان ينكر عليه ويغلظ له القول، سافر إلى أرض اليمن متغيباً عن شره، فلم يزل ينتقل في اليمن من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، وكان يقرأ عليهم حديث الضيافة ليضيفوه ويسلم من سوء الهم، فلما أوى بعض القرى ذات ليلة

ص: 248

سرق فيها لبعض الناس شيء، فاتهموا سفيان لكونه غريباً عندهم، وأتوا به إلى معن بن زائدة وقالوا له: اصلح الله الأمير، هذا سرق متاعنا وأنكر، فقال له معن: ما تقول؟ قال ما أخذت لهم شيئاً. فقال لمن حوله: فقوموا فلي معه كلام، فلما بعدوا عنه قال ما اسمك؟ قال: أنا عبد الله، قال ابن من؟ قال: ابن عبد الله، قال: قد علمت أن الناس كلهم عبد الله وأبناء عبيد الله، قال ما اسمك الذي سمتك به أمك؟ قال سفيان، قال: ابن من؟ قال ابن سعيد، قال الثوري قال: أبغية أمير المؤمنين؟ قال: فنكت بعود بيده في الأرض ساعة، ثم رفع رأسه لي وقال: اذهب حيث شئت فلو كنت تحت قدمي هذه ما حركتك هذا معنى ما حكي في ذلك إن لم يكن لفظه بعينه، والله تعالى أعلم. وأخبار معن ومحاسنه كثيرة، وكان قد ولي سجستان في آخر أمره، وله آثار وقصده الشعراء بها، فلما كان سنة إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وقيل ثمان وخمسين ومائة بينما هو في داره والصناع يعملون له شغلاً، اندس بينهم قوم من الخوارج فقتلوه وهو يحتجم، ثم تبعهم ابن أخيه يزيد بن مرثد بن زائدة فقتلهم بأسرهم. ولما قتل معن رثاه الشعراء بأحسن المراثي، فمن ذلك قول مروان بن أبي حفصة:

مضى لسبيله معن وأبقى

مكارم لن تبيد ولن تنالا

كأن الشمسس يوم أصيب معن

من الإظلام ملبسة جلالا

هوالجيل الذي كانت نزار

تهد من العدو به الجبالا

فعطلت الثغور لفقد معن

وقد يروى بها الأسل النهالا

وأظلمت العراق وأوترتنا

مصيبه المخللة اختلالا

وظل الشام يرجف جانباه

ويركن العز حين وهي فمالا

وكانت من تهامة كل أرض

ومن نجد تزول غداة زالا

فإن تعل البلاد له خشوع

فقد كانت تطول به اختيالا

أصاب الموت يوم أصاب معناً

من الأحياء أكرمهم فعالا

وكان الناس كلهم لمعن

إلى أن زار حفرته عيالا

إلى آخر ما قاله من قصيدة فيه طويلة من أولها هذه العشرة الأبيات. وقال عبد الله بن المعتز في كتاب طبقات الشعراء: ادخل مروان بن أبي حفصة على جعفر البرمكي، فقال له: ويحك أنشدتي مرثيتك في معن بن زائدة. فقال: بل أنشدك

ص: 249

مدحي فيك، فقال جعفر: أنشدني مرثيتك في معن، فانشأ يقول القصيدة المشهورة الى أن قال:

وكان الناس كلهم لمعن

إلى أن زار حفرته عيال

واستمر حتى فرغ منها، وجعفر يرسل دموعه على خده، فلما فرغ قال له جعفر: هل أثابك على هذه المرثية أحد من ولده وأهله شيئاً؟ قال: لا. قال: فلو كان معن حياً، ثم سمعها كم كان يثيبك عليها؟ قال: أصلح الله الوزير ربع مائة دينار. قال جعفر: فإنا نظن أنه كان لا يرضى لك بذلك، قد أمرنا لك عن معن رحمه الله الضعف بما ظننت، وزدناك مثل ذلك، فاقبض من الحارث ألفاً وست مائة دينار قبل أن تنصرف إلى رحلك، فقال مروان يذكر جعفراً وما سمع به عن معن:

نفخت مكافياًعن قبرمعن

لنامما تجود به سجالا

فعجلت العطية يا بن يحيى

لراثيه ولم ترد المطال

فكأني عن صداء معن جواد

بأجود راحة بذل النوال

بنى لك خالد وأبوك يحيى

بناء في المكارم لن تنال

كأن البرمكي بكل مال

يجود به نداه يفيد مال

ثم قبض المال وانصرف. وحكى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني عن محمد البيذق النديم: أنه دخل على هارون الرشيد قال له: أنشدني مرثية مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة، فأنشده بعضها فبكى الرشيد. ويقال إن مروان بعد هذه المرثية لم ينتفع بشعره، فإنه كان إذا مدح خليفة أو من دونه قال له أنت قلت مرثيتك:

وقلنا أين نرحل بعد معن

وقد ذهب النوال فلا نوالا

فلا يعطيه الممدوح شيئاً ولا يسمع ما يقوله فيه من المدح. وحكى الفضل بن الربيع قال: رأيت مروان بن أبي حفصة وقد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء، فأنشده مديحاً، فقال له: من أنت؟ فقال شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال: ألست القائل: فقلنا أين نرحل بعد معن البيت المذكور؟ وقد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال لا شيء عندنا جروه برجله. قال فجروه برجله حتى آخرجوه.

ص: 250