المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع ومائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة أربع ومائة

أبا خالد نادت حراسان بعدكم

وقال ذووالحاجات أين يزيد

فلا نظر الراؤون بعدك منظراً

ولا اخضر بالمروين بعدك عود

فما السرير الملك بعدك بهجة

ولا الجواد بعد جودك جود

قال: فأعطاه المائة الألف، فبلغ ذلك الحجاج فدعى به وقال: أكل هذا الكرم وأنت بهذه الحالة؟! قد وهبت لك عذاب يومك وما بعده.

‌سنة ثلاث ومائة

فيها توفي عطاء بن يسار المدني الفقيه مولى ميمونة أم المؤمنين، كان إماماً روى عن كبار الصحابة، وفيها توفي الإمام أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي عن نيف وثمانين سنة، قيل: وكان أعلمهم بالتفسير، قال: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وقال لي ابن عمر: وودت أن نافعاً يحفظ حفظك، وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً أراد لهذا العلم وجه الله إلا عطاء وطاوساً ومجاهداً. وفيها توفي مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، كان فاضلاً كثير الحديث. وفيها توفي موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، روى عن عثمان ووالده، وقال أبوحاتم: هو أفضل إخوته بعد محمد، وكان يسمى في زمانه المهدي. وفيها توفي مقرئ الكوفة يحيى بن وثاب الأسدي مولاهم، اخذ عن ابن عباس وطائفة، قال الأعمش: اذا رأيته قد جاء قلت هذا قد وقف للحساب يعد ذنوبه، رحمهما الله تعالى. وفيها توفي يزيد بن الأصم العامري ابن خالة ابن العباس، روى عن خالته عن ميمونة وطائفة.

‌سنة أربع ومائة

توفي فيها وقيل في التي قبلها وقيل بعدها فجأة الحبر العلامة أبو عمرو، وعامر بن

ص: 170

شراحيل السعبي الكوفي، وله بضع وثمانون سنة. قال ابن المديني: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه وسفيان الثوري في زمانه، قيل جد الشعبي من إقبال اليمن من حمير، وهو تابعي جليل القدر وافي العلم، روي أن ابن عمر مر به يوماً وهو يحدث بالمغازي وقال: شهدت القوم وهو أعلم بها مني. وحكى الشعبي قال أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت جعل لا يسألني إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل عنده فحبسني أياماً كثيرة حتى استحببت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا ولكنني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فرفعت إلي رقعة وقال: اذا أديت الرسائل إلى صاحبك فأوصل إليه هذه الرقعة، قال: فأديت الرسالة عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج تذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فقال: قرأها وقال لي: اقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك، قلت: نعم. قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا ولكني من العرب في الجملة ثم خرجت من عنده، فلما بلغت الباب رددت، قال لي: اتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا. قال: فاقرأها، فقرأتها، فإذا فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك. قال: افتدري لم كتبها قلت: لا. قال: حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك، فتأدى ذلك إلى ملك الروم وقال: ما أردت إلا ما قال. قلت وقول الشعبي وإنما قال هذه لأنه لم يرك صدر عن بلاغة فهم ثاقب، واق من الوقوع في المغاضب أعني أنه مدح عبد الملك بما سكن به ثوران الغضب المؤدي عنذ هيجانه إلى سفك الدماء والعطب، وذلك أن مدح ملك الروم للإمام الشعبي مشتمل على أمرين خطيرين: احدهما أنه رفعه رفعاً ينحط به فضل عبد الملك، وحينئذ يكره أن يبقى مرفوعاً، ويقتضي أن يكون في جنبه موضوعاً، فلما مدحه الشعبي فكأنه قال: لو رأى فضلك لاحتقر فضلي في جنب فضلك، وكان ذلك سبباً لتسكين عبد الملك وحقن دم الشعبي. والثاني أن الرومي أوهم عبد الملك أن الشعبي أحق بالملك منه، فخشي أن يؤول الأمر إلى انتقال الملك منه إليه، كما خشي هارون الرشيد أن ينتقل ملكه إلى الأمام الشافعي لما جرى من الفضائل فجرى له معه ما جرى كما هو معررف في سيرة الشافعي. فلما مدح الشعبي عبد الملك، وخلع عن نفسه خلعة الفضل وألبسها إياه، وكأنه قال: تاج الملك لا

ص: 171

يصلح إلا لك، فعند ذلك سحكنت نفس عبد الملك، وسلم الشعبي من الوقوع في المهالك. وقال الزهري: العلماء أربعة ابن المسيب بالمدينة، والحسن بالبصرة، والشعبي بالكوفة، ومكحول بالشام. وذكر بعض المؤريخين أن الحجاج قال له يوماً: كم عطاك في السنة؟ قال: الفين، فقال: كم عطاؤك؟ قال: الفان. فقال: كيف لحنت أولاً؟ قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يلحن الأمير وأعرب أنا، فاستحسن ذلك منه وأجازه، قلت وأراد بقوله لحن الأمير: قول الحجاج.

ولاكم عطاك أولا

بغير واو ولا مد بين الألف والكاف وكان مزحاً. وقد اشتهر عن الشعبي أنه قال: ما أروي شيئاً أو قل ما أحفظ أقل من الشعر، ولوشئت أن أنشده شهراً ولا أعيد بيتاً لفعلت. وقال أبو بكر الهذلي للشعبي: اتحب الشعر؟ قال: نعم. فقال: اما إنه يحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثهم. وقال الشعبي ما أودعت قلبي شيئاً فخانني، وقال الشعبي: انما الفقيه من ورع عن محارم الله تعالى، والعالم من خاف الله عز وجل، وقال: اتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين. قال: ولقد أدركت خمس مائة أو أكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم عمر وعلي رضي الله عنهم. وحكي أنه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: انشدني أحكم ما قالته العرب وأوجزه، فقال قول امرىء القيس:

صبت عليه وما تنصب عن أمم

إن الشفاء على الأشقين مكتوب

وقول زهير:

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يقره ومن لا يتقي الشتم يشتم

وقول النابغة:

ولست بمستبق أخاً لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

ص: 172

وقول عدي بن زيد:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه

فإن القرين بالمقارن مقتد

وقوله طرفة بن العبد:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

وقول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه

لا يذهب الخير بين الله والناس

مع أبيات أخرى من أشعار العرب، رغبت في حذفها أختصاراً. وقال الشعبي: وقد قيل له: ما تقول في النابغة؟ فقال: خرج عمر بن الخطاب وببابه وفد غطفان، فقال يا معشرغطفان أي شعرائكم الذي يقول:

حلفت قلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لأن كنت قد بلغت عني رسالة

لمبلغك الواشي أغش وأكذب

ولست بمستبق أخاً لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين. قال: فأيكم الذي يقول:

وإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

مع أبيات أخرى سأل عن قائلها، فقالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، فقال: هذا أشعر شعرائكم. انتهى مختصراً. وقال أبو العيناء: دخل الشعبي على الحجاج فقال: يا شعبي أدب وافر وعقل فاخر. قال: صدقت أيها الأمير، العقل عزيزة والأدب تكلف، ولولا أنتم معشر الملوك ما تأدبنا، قال: فالمنة لنا في ذلك دونكم، قال: صدقت أيها الأمير. قال: وكنا مع المغيرة بظهرالكوفة، فقيل له هذا دير هند، فقال: لو دخلناه فدخلنا فإذا هي جالسة عليها ثياب صوف سود لم أر قط أجمل منها، فقال لها المغيرة: هل لك فيما أحل الله تعالى؟ فقالت: كأنك أردت أن يقال تزوج المغيرة هند ابنة النعمان، ان ذلك غير كائن إليك فاخرج. قال: وخرجنا مع زياد بعد ذلك إلى ظاهر الكوفة، فمر بدير هند، فقيل له هذا دير هند، فقال: ادخلوا بنا فدخلنا فإذا هند وأختها جالستان عليهما ثياب صوف سود. قال الشعي فما أنسى جمالها فقال زياد: يا هند حدثيني عن ملككم، وما كنتم فيه، فقالت: اجمل أم أفسر؟ قال: اجملي قالت: اصبحنا وكل من رأيت لنا عبيد، وأمسينا وعدونا يرحمنا.

قلت لقد أبدعت في بلاغة هذا الإيجاز، وضمنت بمختصره المعاني الكثيرات الغزار،

ص: 173

فانظر إلى ما أدرجت تحت مملكة انقاد لها الإنام عبيداً وطوت تحت زوال نعم يرثي من زوالها من كان حسوداً، وقصرت طول زمان ملك طال أشهراً وسنينا يقولها عند وصف ذلك: فأصبحنا وأمسينا فانظر إلى بعد التفاوت بين هذه الأطراف وما جمعت في ذلك من الحسن المقابل بالاعتراف، ولعل مراد الإمام الشعبي رحمه الله تعالى بقوله: فما أنسى جمالها أي في هذا الخطاب المشتمل على أحسن الجواب، ومما يدل على ذلك أن انسياق الكلام كان في حكاية الشعبي: الإيجاز في الخطاب وحسن النظام، وقد صرحت في بعض قصائدي أن المحاسن المعنوية تفضل على المحاسن الجسمية. وقال المغيرة استقضى الشعبي والحسن في أيام عمر بن عبد العزيز، فشكيا جميعاً فعزلا: قلت هذا النقل غريب لا يكاد يعرف، والشعبي نسبة إلى شعب بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة، قال ابن خلكان بطن من همدان، وقال الجوهري في الصحاح هذه النسبة إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمرو الحميري هو وولده ودفن به، قلت: وشعب في بلاد اليمن مكان معروف بالقرب من موضعنا، والله اعلم أي لك هو. وفي السنة المذكورة توفي خالد بن معدان الكلاعي الفقيه العابد، قيل إنه كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة، وأنه قال لقيت سبعين من الصحابة. وفيها وقيل قبل المائة توفي عامر بن سعد بن أبي وقاص، وكان ثقة كثير العلم. وفيها وقيل في سنة سبع توفي أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد الإمام البصري وقد طلب للقضاء فهرب، وقدم الشام فنزل بداريا، وكان رأساً في العلم والعمل، وفيها وقيل في التي قبلها وقيل في ست أو سبع ومائة توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري قاضي الكوفة، كان أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قدم علمه من اليمن مع الأشعريين فأسلموا، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صوته:" لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود " وقد تقدم هذا مع غيره في ترجمته، ثم صار ابنه المذكور قاضياً على الكوفة، وليها بعد القاضي شريح على ما ذكر بعضهم في الطبقات، وله مكارم ومآثر مشهورة، وتولى ولده بلا قضاء البصرة، وهم الذين يقال فيهم ثلاثة قضاة في نسق. وفيهم قلت:

ثلاثة أمجاد قضاة جميعهم

على نسق للاشعري انتسابهم

وأعي أبا موسى الصحابي ذا العلا

فتى صوته مزمارهم وربابهم

وبيان النسق المذكور أن أبا موسى قضى بالبصرة لعمر. ثم بالكوفة لعثمان رضي الله

ص: 174