المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى وستين ومائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ١

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌السنة الأولى من الهجرة

- ‌السنة الثانية

- ‌السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة

- ‌السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة

- ‌السنة العاشرة

- ‌السنة الحادية عشر

- ‌تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر شيءمن حيائه

- ‌ذكر شيءمن خلقه

- ‌ذكر شيء من عبادته

- ‌ذكر شيء من بكائه

- ‌ذكر شيء من معجزاته

- ‌ذكر خاتم النبوة

- ‌صفة خاتم كفه وصفة تختمه

- ‌ذكر شعره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكرلباسه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أكله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شربه صلى الله وسلم

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شيء من الوضوء للطعام

- ‌ذكر شيء مما جاء في تطييبه

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم

- ‌مزاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر

- ‌ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌كلامه صلى الله عليه وسلم في السمر

- ‌نومه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حجامته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في سنه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌استخلافه أبا بكر في الصلاة

- ‌في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌السنة الثانية عشرة

- ‌السنة الثالثة عشرة

- ‌السنة الرابعة عشرة

- ‌السنة الخامسة عشرة

- ‌السنة السادسة عشرة

- ‌السنة السابعة عشرة

- ‌السنة الثامنة عشرة

- ‌السنة التاسعة عشرة

- ‌سنة عشرين

- ‌سنة إحدى وعشرين

- ‌سنة اثنتين وعشرين

- ‌سنة ثلاث وعشرين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة إحدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة أربع وثلاثين

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌سنة ست وثلاثين

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلائين

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة أربعين

- ‌ذكر شيء من قصة الخوارج

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌سنة ست وأربعي

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌سنة خمسين

- ‌سنة إحدى وخمسين

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌سنة خمس وخمسين

- ‌سنة ست وخمسين

- ‌سنة سبع وخمسين

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌سنة ستين

- ‌سنة إحدى وستين

- ‌سنة اثنتين وستين

- ‌سنة ثلاث وستين

- ‌سنة أربع وستين

- ‌سنة خمس وستين

- ‌سنة ست وستين

- ‌سنة سبع وستين

- ‌سنة ثمان وستين

- ‌سنة تسع وستين

- ‌سنة سبعين

- ‌سنة إحدى وسبعين

- ‌سنة اثنتين وسبعين

- ‌سنة ثلاث وسبعين

- ‌سنة أربع وسبعين

- ‌سنة خمس وسبعين

- ‌سنة ست وسبعين

- ‌سنة سبع وسبعين

- ‌سنة ثمان وسبعين

- ‌سنة تسع وسبعين

- ‌سنة ثمانين

- ‌سنة إحدى وثمانين

- ‌سنة اثنتين وثمانين

- ‌سنة ثلاث وثمانين

- ‌سنة أربع وثمانين

- ‌سنة خمس وثمانين

- ‌سنة ست وثمانين

- ‌سنة سبع وثمانين

- ‌سنة ثمان وثمانين

- ‌سنة إحدى وتسعين

- ‌سنة تسع وثمانين

- ‌سنة تسعين

- ‌سنة اثنتين وتسعين

- ‌سنة ثلاث وتسعين

- ‌سنة أربع وتسعين

- ‌سنة خمس وتسعين

- ‌سنة ست وتسعين

- ‌سنة سبع وتسعين

- ‌سنة ثمان وتسعين

- ‌سنة تسع وتسعين

- ‌سنة مائة

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر مائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثمان عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة احدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنه إحدى وئلاثين ومائه

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومانة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة احدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة إحدى وستين ومائة

عن الحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة وخلق، وقال ابو حاتم: كان أعلم زمانه بحديث ابن مسعود، رضي الله عنه.

‌سنة إحدى وستين ومائة

فيها ظهر عطاء الساحر الشيطان الذي ادعى الربوبية بناحية مرو، واستغوى خلائق لا يحصون، وأري الناس قمراً ثانياً فيئ السماء، كان يرى ذلك إلى مسيرة شهرين. وفيها توفي أبو دلامة بن زند بن الجون، وكان صاحب نوادر وحكايات وأدب ونظم، ذكر ابن الجوزي أنه توفيت لأبي جعفر المنصور ابنة عم فحضر جنازتها وحو متألم لفقدها كئيب، فاقبل أبو دلامة وجلس قريباً فقال له المنصور: ويحك ما أعددت لهذا المكان؟ وأشار إلى القبر، فقال: ابنة عم أمير المؤمنين، فضحك المنصور حتى استلقى، ثم قال له: ويحك فضحتنا بين الناس. ولما قدم المهدي بن منصور من الري إلى بغداد، خل عليه أبو دلامة للسلام والتهنية بقدومه، فقال له المهدي: كيف أنت يا أبا دلامة؟ فأنشد:

إني حلفت لئن رأيتك سالماً

بقرى العراق وأنت ذو وفر

لتصلين على الرسول محمد

ولتملأن دراهماً حجري

فقال له المهدي: اما الأولى فنعم، وأما الثانية فلا، فقال: جعلني الله فداك، انهما كلمتان لا تفرق بينهما، فقال: يملأ حجر أبي دلامة دراهم، فقعد وبسط حجره فملأه دراهم، وقال له: قم الآن يا أبا دلامة، فقال: ينحرق قميصي يا أمير المؤمنين، فردها إلى الاكياس، ثم قام. ومن أخباره: انه مرض ولده فاستدعى طبيباً ليداويه، وشرط له جعلا معلوماً، فلما برأ قال له والله ما عندنا شيء نعطيك، ولكن ادع على فلان اليهودي، وكان ذا مال كثير بمقدار الجعل، وأنا وولدي نشهد بذلك، فمضى الطبيب إلى القاضي يومئذ، وحمل اليهودي إليه، وادعى عليه بذلك المبلغ، فأنكر اليهودي، فقال: ان لي عليه بينة وخرج لاحضار البينة، فأحضر أبا دلامة وولده، فدخلا إلى المجلس، وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية فأنشد في الدهليز قبل دخوله إلى القاضي بحيث يسمع القاضي:

إن الناس غطوني تغطيت عنهم

وإن بحثوا عني ففيهم مباحث

وإن ينبثوا بيري نبثت بيارهم

ليعلم قوم كيف تلك البثائث

ثم حضر بين يدي القاضي وأديا الشهادة، فقال له القاضي: كلامك مسموع وشهادتك

ص: 266

مقبولة، ثم غرم القاضي المبلغ من عنده، واطلق اليهودي، وما امكنه أن يرد شهادتهما خوفاً من لسانه، فجمع بين المصلحتين بتحمل الغرم من ماله، وكان القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقيل عبد الله بن شبرمة. وفي كتاب أخبار البصرة أن أبا دلامة كتب إلى سعيد بن دعلج، وكان يومئذ يتولى الأحداث بالبصرة، وأرسل الكتاب من بغداد مع ابن عم له.

إذا جئت الأمير فقل سلام

عليك ورحمة الله الرحيم

وأما بعد ذاك فلي غريم

من الأعراب قبح من غريم

له ألف علي ونصف أخرى

ونصف النصف في صك قديم

دراهم ما انتفعت بها ولكن

وصلت بها شيوخ بني تميم

فسير له دعلج ما طلب: وكان روح بن حاتم المهلبي والياً على البصرة، فخرج إلى حرب الجيوش الخراسانية ومعه أبو دلامة، فخرج من صف العدو مبارزاً فخرج إليه جماعة، فقتلهم واحداً بعد واحد، فتقدم روح إلى أبي دلامة لمبارزته، فامتنع، فألزمه ذلك فاستعفاه، فلم يعفه، فأنشد:

إني أعوذ بروح أن يقدمني

إلى القتال فيخزي بي بنو أسد

إن المهاب حب الموت أورثكم

ولم أورث قط حب الموت من أحد

إن الدنو إلى الأعداء أعلمه

مما يفرق بين الروح والجسد

فاقسم عليه ليخرجن، وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال: لأقاتل عنه. قال: فما بالك الآن لا تبرز إلى العدو؟ فقال: ايها الأمير إن خرجت إليه لحقت بمن مضى، وما الشرط أن أقتل عن السلطان بل أقاتل عنه، فحلف روح ليخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: ايها الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة ولا بد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك فأخذ رغيفاً على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئاً من بقل، وشهر سيفه وحمل، وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح وكان مليحاً في الميدان والفارس لا يلحظه، ويطلب منه غرة حتى إذا وجدها حمل عليه، والغبار كالليل فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل، واسمع مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله، وقال: ما هو المهم؟ قال أتعرفني؟ قال: لا. قال: انا أبو دلامة. قال: قد سمعت بك، حياك الله، فكيف برزت إلي وطمعت في بعد من قتلت من أصحابك ممن رأيت؟ قال: ما خرجت لأقتلك ولا أقاتلك ولكني رأيت لياقتك وشهامتك فاشتهيت أن تكون لي صديقاً، وإني لأدلك على ما هو أحسن

ص: 267

من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد تعبت وأنت سقيان ظمآن قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق. إن معي خبزاً ولحماً وشراباً وبقلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء تميز بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح، وأترنم إليك بشيء من إحدى الأعراب، فقال: هذا غاية أملي، قال: فها أنا انتظر ذلك فاتبعني حتى تخرج من حلقة النضال، ففعلا وروح يتطلب صاحبه. فلا يجده، والخراسانية تتطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: ان روحاً كما علمت من أبناء الكرام، وحسبك يا بن المهلب جوداً، وأنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً وسيفاً محداً ورمحاً طويلاً وجارية بربرية، وأنه ينزلك في أكبر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، فقال: ويحك وما أصنع بأهلي وعيالي، قال: استخر الله تعالى وأسرع معي ودع أهلك فالكل يخلف عليك، فقال سر بنا على بركة الله تعالى فسارا حتى قدما من وراء العسكر، فهجما على روح، فقال يا أبا دلامة، اين كنت؟ قال في حاجتك، اما قتل الرجل فما أطيقه، وأما سفك دمي فما طبت به نفساً وأما الرجوع خائباً فلم أقدم عليه، وقد تلطفت وأتيتك بالرجل أسير كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: يمضي إذا وثق لي. قال بماذا؟ قال: ينقل أهله فقال الرجل: اهلي على بعد ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن أمدد يديك أصافحك وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أف إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده ووفى بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه، وانقلب الخراساني معهم يقاتل الخراسانية وينكأ فيهم أشد نكاية، وكان أكثر أسباب ظفر روح وكان المنصور قد أمر بهدم دور كثيرة منها دار أبي دلامة فكتب إلى المنصور:

يا ابن عم النبي دعوة شيخ

قد دنا هدم داره وبواره

فهو كالماخض الذي اعتادها

الطلق، وما تقر قراره

لكم الأرض كلها فأعيروا

عبدكم ما أحتوى عليه جداره

وفي شعبان منها توفي الإمام العالم أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً وورعاً وزهداً وعمره ست وستون سنة. روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب وخلق كثير. قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين فى الحديث، وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم سفيان في قلبي أحد، وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أحداً احفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء، وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني، وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه، وقال الشيخ أبو اسحاق في الطبقات: قال عبد الله بن المبارك: لا نعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان، قال: وقال علي بن

ص: 268

المديني: سألت يحيى بن سعيد فقلت أيما أحب إليك؟ رأي مالك أو رأي سفيان؟ فقال: سفيان لا نشك في هذا، ثم قال يحيى: سفيان فوق مالك في كل شيء. قال وقال أحمد بن حنبل: دخل الأوزاعي وسفيان على مالك فلما خرجا قال مالك: احدهما أكبر علماً من صاحبه، ولا يصلح للإمامة، والآخر يصلح للإمامة، فسأل من الذي عنى مالك أنه علم الرجلين، اهو سفيان؟ قال: نعم. سفيان أوسعهما علماً. وعن أبي صالح شعيب بن حرب المدائني، وكان أحد السادة الأئمة الكبار في الحفظ والدين أنه قال: اني لأحسب يجاء سفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله على الخلق، يقال لهم إن لم تدركوا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فقد أدركتم سفيان الثوري ألا اقتديتم به. وكان سفيان كثير الحظ على المنصور، فهم به وأراد قتله، فما أقدره الله تعالى على ذلك قلت وقصتهم معه مشهورة أعني في أمر المنصور يلزم سفيان في مكة لما قرب المنصور من دخولها، واقسام سفيان رضي الله تعالى عنه في الملتزم برب الكعبة أنه لا يدخلها، فلم يدخلها، بل مات خارجاً عنها، وقد اجتمع الناس على جلالة سفيان وإمامته وصلاحه وزهادته وورعه وعبادته. ويقال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأس الناس في زمانه، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعده الشعبي في زمانه، وكان بعده الثوري في زمانه، سمع الحديث من أبي إسحاق السبيعي والأعمش ومن في طبقتهما من الجلة، وسمع منه الجلة كمالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك والأوزاعي وابن جريج ومحمد بن اسحاق ومن في طبقتهم. وذكر المسعودي في مروج الذهب ما مثاله قال القعقاع بن الحكم: كنت عند المهدي فأتى سفيان الثوري فلما دخل عليه سلم تسليم العامة، ولم يسلم عليه بالخلافة، والربيع قائم على رأسه، متكىء على سيفه، يرقب أمره، فاقبل عليه المهدي بوجه طلق، وقال: يا سفيان تفر منا هاهنا وهاهنا، وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، فما عسى أن نحكم فيك بهواناً، فقال سفيان: ان تحكم في يحكم فيك ملك قادرعادل، يفرق في حكمه بين الحق والباطل. فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟ ائذن لي أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويحك، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن تقتلهم فتشقى بسعادتهم أو قال لسعادتهم؟ اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم، فكتب عهده ودفعه إليه فأخذوه وخرج، فرمى به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد، ولما امتنع من قضاء الكوفة وتولاه

ص: 269

شريك بن عبد الله النخعي قال الشاعر:

تحرز سفيان وفز بدينه

وأمسى شريك مرصداً للدراهم

وحكي عن أبي صالح شعيب بن حرب المدائني وكان أحد الأئمة الكبار السادة المشهورين بالحفظ والدين أنه قال: اني لأحسب يجاء بسفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله تعالى على الخلق. توفي رحمه الله تعالى بالبصرة سنة إحدى. وقيل اثنتين وستين ومائة متوارياً من السلطان، ومولده في سنة خمس. وقيل ست. وقيل سبع وتسعين من الهجرة، وله رضي الله تعالى عنه من المناقب والمحاسن الجميلات ما لا يسعه إلا مجلدات، قلت وهو القائل رضي الله عنه لمن رآه بعد موته فسأله عن حاله فيما رآه كثير من الشيوخ العارفين والأئمة الهادين:

نظرت إلى ربي عياناً فقال لي

هنياً رضاي عنك يا بن سعيد

لقد كنت قواماً إذا ظلم الدجى

بعبرة مشتاق وقلب عميد

فدونك فاختر أي قصر تريده

وزرني فإني عنك غير بعيد

وفي أول السنة المذكورة توفي أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ. قيل وفي السنة المذكورة توفي أبو بشر عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه إمام النحو الحارثي مولاهم، اخذ النحوعن عيسى بن عمر ويونس بن حبيب وخليل بن أحمد، واللغة عن أبي الخطاب الأخفش وغيره، وقال المبرد: لم يقرأ أحد كتاب سيبويه عليه، وإنما قرىء بعده على ابن الحسين سعيد بن مسعدة الأخفش، وكان ممن قرأه على الأخفش صالح بن إسحاق الجرمي. وقال أبو زيد النحوي: كلما حكى سيبويه في كتابه بقوله أخبرني الثقة فأنا أخبرته، يفتخر بذلك، وقال الأخفش: جاءنا الكسائي إلى البصرة، وسألني أن أقرئه كتاب سيبويه، ففعلت، فوجه إلي خمسين ألف ديناراً، قيل وكان الأخفش أسن من سيبويه، وقال ابن سلام: سألت سيبويه عن قوله عز وجل: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس " - يونس: 98 - على أي شيء نصبت إلا؟ قال: الا إذا كانت بمعنى لكن نصبت.

ص: 270