الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوله فرجة وكنا نقول فرجة من الفرج وغيره وبالضم فرجة الحائط وفي رواية قال يقال فرجة بالفتح بين الأمرين وبالضم بين الجبلين يعني بالفتح والضم في الفاء وقال أبو عمرو: وحججنا سنة فمررنا ذات ليلة بواد، فقال لنا المكري: ان هذا واد كثير الجن فأقلوا الكلام حتى تقطعوه، قال: مررنا بهم في الرمل مخبتين يتبين منهم الرؤوس واللحى، نسمع حسهم ولا نراهم، فسمعنا منهم هاتفاً يقول:
وإن امرءاً دنياه أكبر همه
…
لمستمسك منها بحبل غرور
قال فوالله لقد ذهب عنا ما كنا فيه من الغم، وأخبار أبي عمرو كثيرة وفضائله شهيرة، وكانت ولادته سنة سبعين وقيل ثمان وستين وقيل خمس وستين من الهجرة بمكة، وتوفي سنة أربع وقيل ست وقيل تسع وخمسين ومائة بالكوفة، وقال ابن قتيبة مات في طريق الشام ونسب في ذلك إلى الغلط، فقد ذكر بعض الرواة أنه رأى قبر أبي عمرو بالكوفة مكتوباً عليه هذا قبر أبي عمرو بن العلاء، فلما حضرته الوفاة كان يغشى عليه ويفيق، فأفاق من غشيته فإذا ابنه بشر يبكي، فقال: وما يبكيك وقد أتت على أربع وثمانون سنة، ورثاه بعضهم بقوله:
رزينا أبا عمرو ولا حي مثله
…
فلله ريب الحادثات بمن فجع
فإن تك قد فارقتنا وتركتنا
…
ذوي حلة ما في انسداد لها طمع
فقد جز نفعاً فقدنا لك أننا
…
أمنا على كل الرزايا من الجزع
قيل رثاه بها عبد الله بن المقنع، وقيل يحيى بن زياد الشاعر المشهور خال السفاح، وقيل غير من ذكر.
سنة خمس وخمسين ومائة
فيها فتح يزيد بن حاتم إفريقية، واستعادها من الخوارج، وهزمهم وقتل كبارهم، ومهد قواعدها أميراً من جهة المنصور.
وفيها توفي الراوية حماد بن أبي ليلى الديلمي الكوفي، وقال ابن قتيبة: انه مولى لابن زيد الخيل الطائي الصحابي، كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها، هو الذي جمع السبع الطوال، فيها ذكره أبو جعفر بن النحاس، وكانت ملوك بنى أمية تقدمه وتؤثره وتستزيره، فيفيد عليهم وينال منهم، ويسألونه عن أيام العرب وعلومها. وقال له الوليد بن يزيد الأموي يوماً وقد حضر مجلسه: بما استحققت هذا الاسم فقيل
لك الراوية؟ فقال: اني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي الأكثر منهم ممن تعرف أنك لا تعرفه ولا أسمعت به، ثم لا ينشدني أحد شعراً قديماً ولا حديثاً إلا ميزت القديم من الحديث، فقال له: فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ فقال: كثير، ولكنني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام، فقال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد فأنشد حتى ضجر الوليد، ثم وكل به من استخلفه إن يصدقه عنه ويستوفي عليه، فأنشده ألفين وتسع مائة قصيدة جاهلية، فأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم. وذكر الحريري صاحب المقامات في كتابه درة الغواص ما مثاله: قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك بخلافته، وكان أخوه هشام يحقدني لذلك، فلما مات يزيد وتولى هشام خفته، ومكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا إلى من أثق به من إخواني سراً فلما لم أسمع أحداً ذكرني في السنة أمنت فخرجت يوماً أصلي الجمعة بالرصافة، فإذا شرطيان قد وقفا علي، وقالا يا حماد، اجب الأمير، فقلت في نفسي: من هذا كنت أخاف، ثم قلت لهما: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودعهم وداع من لا يرجع إليهم ثم أسير معكما؟ فقالا: ما إلى ذلك سبيل، فاستسلمت في أيديهما، فمثلت إلى الأمير على العراق، وهو في الإيوان الأحمر، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ورمى إلي كتاباً فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عند هشام أمير المؤمنين إلى فلان ابن فلان أمير العراق. أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به من غير ترويع، وادفع له خمس مائة دينار وجملاً مهرياً يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق، قال: فأخذت الدنانير، ونظرت فإذا جمل مر حول، فركبته وسرت، حتى وافيت دمشق في اثنتي ليلة، فنزلت على باب هشام واستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام وبين كل رخامتين قضيب ذهب، وهشام جالس على طنفسة حمراء، وعليه ثياب حمر من الخز، وقد تضمخ بالمسك والعنبر، فسلمت عليه فرد علي السلام، فاسدناني فدنوت منه حتى قبلت رجله، فإذا جاريتان لم أر مثلهما قط في أذن كل جارية حلقتان فيهما لؤلؤتان تتقدان، فقال: كيف أنت يا حماد؟ وكيف حالك؟ فقلت: بخير يا أمير المؤمنين، فقال: اتدري فيما بعثت إليك؟ قلت: لا فقال: بسبب بيت خطر ببالي لا أعرف قائله،
قلت: وما هو؟ قال:
ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت
…
قينة في يمينها إبريق
قلت يقوله عدي بن يزيد العبادي في قصيدة، فقال: انشدنيها، فأنشدته:
بكر العاذلون في وضح الصبح
…
يقولون لي أما تستفيق
ويلومون فيك يا ابنة عبد
…
الله والقلب عندكم موثوق
لست أدري إذا كثر العذل فيها
…
أعدو يلومني أم صديق
قال: فأنشدته حتى انتهيت إلى قوله:
ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت
…
قينة في يمينها إبريق
مع أبيات أخر يطول ذكرها، قال: فطرب هشام، ثم قال: احسنت يا حماد. قال ابن خلكان: وفي هذه الحكاية زيادة قال اسقيه يا جارية فسقتني، قال: وهذا ليس بصحيح، فإن هشاماً لم يشرب، ثم قال: يا حماد سل حاجتك، فقلت كائنة ما كانت، قال: نعم. قلت: احدى الجاريتين، قال: هما جميعاً لك بما عليهما وما لهما، وأنزله في داره، ثم نقله إلى دار أعدها له، فوجد فيها جاريتين وكل ما لهما وكل ما يحتاج إليه، وأقام عنده مدة، وصله بمائة ألف درهم، ولما مات حماد رثاه عبد الأعلى المعروف بابن كناسة:
لو كان نجي من الردى حذر
…
نجاك مما أصابك الحذر
يرحمك الله من أخي ثقة
…
لم يك في صفو وده كدر
فهكذا يفسد الزمان ويفنى
…
العلم وتدرس الأثر
ودفن بقرية من أعمال ماسبدان، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة شعراً منه هذا البيتان، وقد غيرت المصراع الأول من الأول منهما ليكون عدولاً عما لا يجوز من لفظ:
سقى الله قبراً من سحائب رحمة
…
ثوى فيه حماد بماسبدان
عجبت لأيد هالت الترب فوقه
…
ضحى، كيف لم ترجع بغير بنان
ولفظه الذي غيرته هو قوله:
وأكرم قبر بعد قبر محمد
…
نبي الهدى قبر بما سبدان
فقد فضله كما ترى على جميع الأولياء، بل على جمع الأنبياء غير نبينا، صلى الله عليه