الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعة العدوية البصرية، على خلاف ما تقدم في سنة خمس وثلاثين ومائة، وذكر شيء مما يتعلق بفضلها.
سنة احدى وثمانين ومائة
فيها توفي الإمام محدث الشام ومفتي أهل حمص إسماعيل بن عياش بالشين المعجمة العنسي قال يزيد بن هارون: ما رأيت شامياً ولا عراقياً أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما الثوري، وقال أبو اليمان: كان إسماعيل جارنا وكان يحيي الليل كله. وقال داود بن عمرو: ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظ، وكان يحفظ عشرين ألف أو قال أكثر من عشرين ألف حديث. وفيها توفي قاضي مصر أبو معاوية، ومفضل بن فضالة القتباني كان زاهداً ورعاً قانتاً مجاب الدعوة عاش أربعاً وسبعين سنة. وفيها في شهر رمضان توفي الإمام العالم العامل مقر المحاسن والفضائل أبوعبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه الحافظ الزاهد العابد ذو المناقب العديدة والسيرة الحميدة، تفقه بسفيان الثوري ومالك بن أنس، وروى عنه الموطأ، وكان كثير الانقطاع محباً للخلوة شديد التورع، كذلك كان أبوه ورعاً. يحكى عنه أنه كان يعمل في بستان لمولاه، اقام فيه زماناً طويلاً، ثم إن مولاه جاءه يوماً وقال له: اريد رماناً حلواً، فمضى إلى بعض الشجر وأحضر منها رماناً وكسره فوجده حامضاً، فحرد عليه وقال: اكلت الحلو وأحضرت لي الحامض، هات حلواً، فمضى وقطع من شجرة آخرى، فلما كسره وجده حامضاً، فاشتد حرده عليه، ثم كذلك مرة ثالثة، فقال له بعد ذلك: انت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال: لا فقال: وكيف ذلك؟ فقال: لأني ما أكلت منه شيئاً حتى أعرفه، فقال: ولم لا تأكل؟ فقال: لأنك ما أذنت لي، فكشف عن ذلك فوجد قوله حقاً، فعظم في عينه وزوجه ابنته، قيل إن عبد الله بن المبارك من تلك الابنة فظهرت عليه بركة أبيه. قلت هكذا ذكر بعض أصحاب التواريخ، والذي كنا نعرفه، وذكرته في بعض كتبي
أن سبب زواجه إياها: ان سيده استشاره، وكانت له بنت قد خطبت إليه، ورغب فيها كثير من الناس، فقال له: يا مبارك، من ترى أن تزوجه هذه البنية؟ فقال له: يا سيدي الناس مختلفون في الأغراض فأما أهل الجاهلية فكانوا يزوجون للحسب، وأما اليهود فيزوجون
للمال، وأما النصارى فيزوجون للجمال، وأما هذه الأمة فيزوجون للدين، يعني الأخيارمنهم الدينين قلت والى هذه الأربع الخصال أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " تنكح المرأة لأربع " وذكرها ثم قال:" فاظفر بذات الدين " الحديث الصحيح، فلما سمع منه ذلك أعجبه عقله، فقال لأمها: والله ما لها زوج غيره، فزوجها منه، فجاءت له بهذه الدرة الفاخرة المشتملة على نفائس المحاسن الباطنة والظاهرة، وفي شيء من مناقبه المشتملة على فضائله ومحاسنه في ظاهره وباطنه، كتاب مستقل لبعض العلماء، وإلى وصفه الحسن أشار القائل وصدق وأحسن:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة
…
فقد سار عنها نورها وجمالها
وقد تتبع أصحابه ما ظهر لهم من مناقبه، فبلغت خمساً وعشرين من العلوم والصلاح والكرم والشجاعة في سبيل الله وحسن الخلق والعبادة والنجابة والفصاحة وحسن اللفظ في النثر والنظم. ومن شجاعته وصلاح سريرته ما روي عنه: خرج مرةً في بعض الغزوات، فبرز بعض العلوج ودعا المسلمين إلى المبارزة، فخرج إليه جماعة من المسلمين واحد بعد واحد، فقتل الجميع، فبرز إليه إنسان مثلهم، فقتل ذلك العلج، قال الراوي: فدنوت منه وتأملته، فإذا هو ابن المبارك، رضي الله عنه. ومن كرمه وشفقته على إخوانه وحسن صحبته ما اشتهر عنه أنه كان إذا أراد الحج يأتيه اخوانه، ويكلمونه في الصحبة، فينعم لهم، ويقول هاتوا ما أعددتم لذلك من النفقة، فاذا أتوه بها قبضها وكتب على كل نفقة اسم صاحبها، وأقفل على الجميع في صندوق، ثم يحج بهم وينفق عليهم ذهاباً وإياباً من أطيب الأطعمة، ويشتري لهم الهدية من مكة والمدينة، زادهما الله شرفاً، ثم إذا وصل إلى الموطن صنع لهم طعاماً نفيساً، ومد سماطاً عظيماً، قيل عد ما في سماط له من جفان الفالوذج وحده فبلغت خمساً وعشرين جفنة، ثم يناديهم من شاء الله من الفقراء والصلحاء فإذا فرغوا من. أكل الطعام جمع إخوانه الذين حجوا معه، فكساهم لباساً جديداً، ثم استدعى بالصندوق ففتحه، ورد إلى كل واحد منهم نفقته التي عليها اسمه. قلت وهذا مختصر ما روي في ذلك، معنى القصة إن لم يكن لفظ جميعه والفالوذج بالفاء والذال المعجمة وهو نوع من الحلواء ويحتمل أنه الخبيصة قال في الصحاح وقيل الأعرابي أتعرف الفالوذج قال اصفر رعديد. وذكر الجوهري أن الرعديد الرخص ويقال ذلك للمرأة الرخصة ويقال أيضاً للجبان