الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ستر عورته بيد غيره فإنه يكفى (قطعًا)(1)، وإن فعل محرمًا، كما نبه عليه ابن الرفعة فى الكفاية. ومقتضى كلامهم أن السجود على كف الغير يكفى، وجميع ما سبق محله فيما إذا كان العضو متصلًا. فإن انفصل - جاز، إذا قلنا بطهارته.
ومن فروع (هذا المدرك)(2) ما إذا استنجى بيده. والأصح فيه: أنه لا يجوز ولا يجزئ.
واعلم أن القاضي "أبو الطيب"(3) وابن الصّباغ قد نصا فى باب الإستنجاء على أن الشعر حكمه حكم (اليد)(4) فى ذلك، وقياسه أن يكون كذلك فى تلك المسائل.
مسألة:
14 -
المعروف عندنا أنه يكره السواك بعد الزوال للصائم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لخُلُوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك" رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة (5). والخلوف -بضم الخاء- هو التغير. ووجه الدلالة -كما قاله الرافعى- أنه أثر عبادة مشهود له بالطيب، فكره إزالته.
وإنما احترزنا عنه ما قبل الزوال؛ لأن التغير فيه غالبًا يكون من أثر الطعام لا (من الصوم)(6) هكذا ذكره الرافعى. ويلزم منه أن يفرقوا (بين من يتسحر وبين)(7) من
(1) فى "أ"، "ب"، "د": مطلقا، والأولى بالنص ما أثبتناه. وهو الموافق لما فى "جـ" ولما فى الكفاية: 1/ 468، والروضة: 1/ 56.
(2)
فى "د": وهذه المسألة، ولعله من تصرف الناسخ.
(3)
هو: الحسين بن على بن الحسين الطبرى الشافعى، صاحب "العدة" شرح إبانة الفورانى "ولد سنة 418 هـ - 1027 م. تفقه على أبى إسحاق الشيرازى ولازمه. توفى سنة 498 هـ - 1105 م. وراجع طبقات السبكى: 4/ 349.
(4)
فى "أ": البدن، وهو تحريف.
(5)
البخارى بشرح عمدة القارى: 9/ 78، ومسلم بشرح النووى: 8/ 29.
(6)
فى "جـ": ينام، وهو تحريف.
(7)
فى "د" سقط.
لم يتسحر. وبين من يتناول بالليل شيئا، وبين من لم يتناول لعجز أو مرض، ولهذا قال الطبرى شارح "التنبيه" (1): لو تغير فمه بعد الزوال لسبب آخر، كنوم أو غيره، لم يكره السواك.
وقيل: لا يكره السواك للصائم إلّا بعد العصر - حكاه الطبرى المذكور. وقيل: لا يكره مطلقًا. حكاه فى الروضة هنا، واختاره فى شرح "المهذب". وقيل: لا يكره فى النفل؛ خوفا من الرياء، ويكره فى الفرض. حكاه الرافعى فى كتاب الصيام عن القاضى الحسين (2). وستعرف فى كتاب الجنائز أن إزالة دم الشهيد حرام بالشروط المذكورة هناك، وحكمته ما أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم "أنهم يأتون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دمًا، اللون لون الدم والريح ريح المسك"(3).
وحينئذ فيقال: ما الفرق بين التحريم هناك -مع كون رائحته كرائحة المسك- وكراهته هنا، مع أنها أطيب منه، أى: من ريح المسك.
ولعل الفرق: تأكُّد ذلك الباب، واستعظام أمره، لما فيه من تعريض النفوس للقتل بسبب إعزاز الدين، فتحريم إزالة أثره تنبيهًا على عظم قدره ليكون بقاؤه حاملًا على استحضار حقيقته لمن جهلها أو ذهل عنها (4).
(1) هو: أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن أبى بكر الطبرى المكى الشافعى، أبو العباس، شيخ الحرم، محدث فقيه. من تصانيفه: الرياض النضرة، وشرح التنبيه للشيرازى فى عشرة أسفار كبار، وغير ذلك. توفى بمكة فى جمادى الآخرة سنة 694 هـ. والطبرى نسبة إلى طبرستان، وهو إقليم مجاور لخراسان. وراجع معجم المؤلفين: 1/ 198، وشذرات الذهب: 5/ 425، وتذكرة الحفاظ: 4/ 255.
(2)
هو: الحسين بن محمد بن أحمد المروزى. المعروف بالقاضى الحسين، فقيه أصولى، من تصانيفه: تلخيص التهذيب للبغوى، وسماه "لباب التهذيب"، وشرح فروع ابن الحداد، وأسرار الفقه، والتعليق الكبير، والفتاوى، وغير ذلك. توفى بعد صلاة العشاء ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من المحرم سنة 462 هـ - 1070 م. وراجع طبقات الأسنوى: خ 1/ 66، وطبقات السبكى: 4/ 356، ومعجم المؤلفين: 4/ 45.
(3)
هذا جزء من حديث أخرجه البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"والذى نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل اللَّه -واللَّه أعلم بمن يكلم فى سبيله- إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك" وانظر البخارى 12/ 107.
(4)
جاء بهامش النسخة "ب" الفرق بآمر آخر، وهو: أن إزالة دم الشهيد لما كانت إزالة فضيلة من الغير للغير حرم على الغير. وبذلك فارق السواك، ويؤخذ منه أن الشخص لو سوّك غيره حرم عليه، وهو كذلك فى "أ"، "هـ". وهو فرق حسن.