الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الحج
مسألة:
186 -
يستحب أن يدخل مكة من الثَّنيَّة العليا ويخرج من الثَّنيَّة السفلى. ثبت ذلك في الصحيحين (1) من رواية عائشة وابن عمر. ولأنه قاصد عبادة، فاستحب الدخول من طريق والرجوع من أخرى ليشهد له الطريقان لما قلناه في الصيد. وهذا المعنى قد نبه عليه النووي في "رياض الصالحين" في ضمن ترجمة من تراجم أبواب الكتاب، وقال: إن سائر العبادات كالجمعة، والصلاة، وغيرهما يستحب الذهاب إليها من طريق والرجوع من أخرى. وذكر الماوردى في "الأحكام السلطانية"(2) أن القاصد إلى عرفات يستحب ذهابه إليها من طريق "ضب" - بالضاد المعجمة والباء الموحّدة - ورجوعه عن طريق "المازمين" اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وليكن ذاهبًا في طريق وعائدًا من أخرى كالعيد. وذكر الأزرقيُّ (3) نحوه أيضًا.
فإن قيل فلم اختص العليا بالدخول والسفلى بالخروج، وهذا المعنى حاصل بمغايرة الذهاب للإياب كيف اتفق؟ فالجواب أن الداخل يقصد موضعًا شريفًا عالي المقدار، فناسب الدخول من العليا، (والخارج)(4) عكسه، فناسب السفلى. وأيضًا فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام حين دعا فقال:
(1) في البخاري: 8/ 100 عن ابن عمر، 101 عن عائشة، وفي مسلم: 9/ 403.
(2)
انظر: ص 110.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن الوليد صاحب "تاريخ مكة". روى عنه البخاري وأيو جعفر الترمذي، شيخ الشافعية، توفي سنة 222 هـ. وانظر: طبقات السبكي: 2/ 64.
(4)
في "أ": الخروج، والظاهر أنه تحريف.
{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ} (1) كان على "كداء" بفتح الكلاف والمد، وهو الجبل الذى فيه هذه الثَّنيَّة. فلذلك استحب الدخول منه. قاله السهيلى (2).
ثم اختلف الأصحاب، فذهب جماعة منهم إلى أن الدخول من الثنية العليا إنما يستحب لمن جاء من طريق المدينة. وبه جزم الرافعى فى "المحرر"(3). ونقله فى "الشرحين"(4) عن الأصحاب. وإنهم عللوا عدم الاستحباب لغيره بما فيه من المشقة، قالوا: وإنما دخل عليه الصلاة والسلام منها لكونها فى طريقه. وصحح النووى فى كتبه (5) استحباب (الدخول)(6) منها لكل واحد، ومنع كون الثنية على (طريق) (7) النبى صلى الله عليه وسلم. والمنع صحيح. وقيل: إن الدخول منها لا يتعلق به استحباب لا للآتى من طريق المدينة ولا لغيره.
إذا علمت ذلك - فقد ثبت فى الصحيحين (8) عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل أدنى الحل أمسك (عن)(9) التلبية، ثم يبيت بذى طوى، ثم يصلى به الصبح ويغتسل، ويحدث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. والحكمة فى المبيت هى الاستراحة، (ليتلقى الأعمال)(10) بنشاط. ويلزم الأصحاب أن يقولوا باستحباب ترك التلبية، ولم يقولوا به. وذو طوى: هو
(1) سورة إبراهيم الآية: 37.
(2)
هو: معين الدين: أبو حامد محمد بن إبراهيم السهلى الشافعى. فقيه بارع. سكن نيسابور ودرس بها، توفى سنة 613 هـ فى رجب. من تصانيفه: الكفاية، وإيضاح الوجيز، والقواعد، وكلها فى فروع الفقه الشافعى. وشرح أحاديث المهذب، وغير ذلك. وانظر: معجم المؤلفين: 8/ 212، ووفيات الأعيان: 1/ 603 وما بعدها.
(3)
انظر: مخطوط رقم 243 فقه بدار الكتب المصرية.
(4)
انظر: الشرح الكبير: 7/ 278، 269.
(5)
انظر: شرح المهذب: 8/ 5.
(6)
فى "جـ" سقط.
(7)
فى "جـ" سقط.
(8)
فى البخارى: 2/ 177 طبعة الشعب.
(9)
فى "أ"، "ب" سقط. وانظر: المرجع السابق.
(10)
فى "أ": لنلقى أعمال بنشاط، والظاهر أنه تصحيف.