الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا فالهيكل الأساسي لما نعرفه عن عصر النحاس يمكن تلخيصه في سطور قليلة؛ ففي حوالي سنة 2300 ق. م. تغيرت مميزات الحضارة في الأناضول نظرًا لدخول طائفة من الناس تميل إلى الفخار الملون الأجنبي الذي ينتمي إلى كبادوشيا، وهنا نصل إلى نهاية العصر قبل التاريخي في هضبة الأناضول.
العصر التاريخي
مدخل
…
العصر التاريخي:
أشارت التوراة إلى الحيثيين في عدد من أسفارها1، كما أشارت النصوص المصرية إلى علاقاتهم مع ملوك الدولة الحديثة -الذين أطلقوا على بلادهم اسم "خيتا" كذلك ذكرها الأشوريون "من عهد تجلات بلاسر الأول" باسم خاتي- وظل أمرهم مجهولًا إلى أن أخذ الرحالة والمبشرون يجوبون شمال سورية وآسيا الصغرى؛ حيث عثر على أحجار وتماثيل منقوشة برموز غريبة لا تشبه الهيروغليفية المصرية، أطلق عليها الهيروغليفية الحيثية.
وفي سنة 1880 ألقى "A. H. Syce" محاضرة أمام جمعية الآثار الإنجيلية بلندن قرر فيها أن هذه من آثار الحيثيين، وحينما قامت بعثة من المتحف البريطاني بالتنقيب في قرقميش كشفت عن نقوش عدة بهذه الكتابة، كذلك عثرت بعثة تنقيب ألمانية على نقوش مماثلة في سنجرلي فيما بين 1888، 1892.
ولما عثر على خطابات "تل العمارنة" المكتوبة بالخط المسماري في مصر سنة 1887 أمكن التعرف على قدر لا بأس به من تاريخ الحيثيين، وكان من بينها خطابان مكتوبان بلغة مغايرة اتضح أنها ذات صلة باللغات الهندو أوروبية.
وفي سنة 1906 بدأت بعثة ألمانية بإشراف هوجوفنكلر بالتنقيب في بوغاز كوي
1 التكوين، يشوع، حزقيال، الأعداد، الملوك الأول، الملوك الثاني، أخبار الأيام الثاني.
وكشفت عن آلاف من الألواح المسمارية الكتابة، بعضها باللغة الأكدية التي كانت قد عرفت، والغالبية بنفس لغة الخطابين اللذين عثر عليهما في تل العمارنة، وأمكن استنتاج أن هذه الألواح سجلات ملكية وأن بوغاز كوي كانت عاصمة الحيثيين؛ ومما أيد ذلك العثور على الأصل الحيثي للمعاهدة التي أبرمت بين شوبيلوليوما وبين رعمسيس الثاني1.
وقد عكف الألمان على دراسة النصوص المسمارية الحيثية ونجحت محاولاتهم إلى حد كبير في تفسيرها؛ وخاصة بعد العثور على نصوص أشورية تشير إلى عدد من الأماكن والشخصيات الحيثية أمكن مطابقتها في النصوص الحيثية، كما عثر على أجزاء من معاجم لغوية دونت فيها كلمات سومرية وأكدية وحيثية في جداول متوازية، كذلك وجدت كلمات سومرية وأكدية في بعض النصوص الحيثية؛ مما ساعد كثيرًا على نجاح المحاولات التي بذلت في تقسيم المسمارية الحيثية.
ومن جهة أخرى بذل الإنجليز وغيرهم محاولات وجهودًا مضنية في سبيل تفسير الهيروغليفية الحيثية؛ ولكن يمكن القول: إن النجاح في تفسيرها ما زال محدودًا وإن كان قد ثبت أنها تمت إلى الكتابة المسمارية بصلة.
ومما هو جدير بالذكر أن النصوص المسمارية التي عثر عليها في الأناضول شملت تسع لغات مختلفة، منها أربع تمثل كل منها لغة مستقلة وهي: الأكدية والسومرية والحورية والآرية، وأربع أخرى حوت عناصر متشابهة ولكن كلًّا منها استعمل في إقليم مختلف من آسيا الصغرى، أما اللغة الباقية فكانت تنفرد بمميزات تختلف عن سائر اللغات الأخرى، وهي تعرف حاليا باسم "ما قبل الحيثية" أو "الحاتية".
1 انظر أعلاه ص189.
ومهما كان الأمر؛ فإن الكتابات المسمارية كانت أهم ما اعتمد عليه المؤرخون في التعرف على تاريخ الحيثيين من مصادره الأصلية.
وقد اصطلح المؤرخون على أن العصر التاريخي في هضبة الأناضول يبدأ بوصول تجار أشوريين إليها، وكان هؤلاء يتراسلون مع أوطانهم الأصلية باللغة البابلية؛ حيث عثر على ألواح رسائلهم الطينية في كول تبة وغيرها، وهي لا تمدنا إلا بالقليل من المعلومات عن السكان الأصليين وتاريخهم؛ غير أننا نتبين فيها كثيرًا من الأسماء الهندو أوروبية مما يوحي بأن الهندو أوروبيين كانوا قد استقروا في المنطقة قبل ذلك، كما تحدثنا هذه الألواح عن الأمراء المحليين وقصورهم، ومن ذلك نستنتج أن البلاد كانت مقسمة إلى عشر مقاطعات صغيرة على الأقل، من بينها مدينة بوروش خاندا التي تمتعت بالسلطان في بادئ الأمر؛ لأن حاكمها كان مميزًا عن حكام المدن الأخرى بلقب الأمير العظيم، ومدينة كوسارا1 التي ترك أميرها أنيتا بن بتخانا نصًّا يشير إلى كفاحه وكفاح أبيه من أجل السلطان ضد بعض المدن المنافسة ومن بينها حاتي، كما يذكر أنه قد تم إخضاع هذه المدن بنجاح وأن حاتوساس دمرت تدميرًا تامًا، وبعد أن تم له قهر جميع الأعداء نقل مقر حكمه إلى نيسا "Nesa". ويظهر أن هذا الملك قد تمكن في أواخر عهده من الاستيلاء على الجزء الأكبر من هضبة كبادوشيا.
ولا يعرف متى أدخلت الكتابة الحيثية بالخط المسماري؛ إذ إنها تختلف اختلافًا بينًا عن الأسلوب الذي استعمله التجار الأشوريون في كتابة لغتهم، وخاصة لأن النصوص الحيثية المتأخرة تشير إلى أن الأمراء المحليين في العصور المبكرة كانوا يستعملون اللغة الأكدية في كتاباتهم.
1 يحتمل أن كوسارا كانت إلى جنوب حاتوساس "بوغاز كوي الحالية" عاصمة دولة حاتي، التي كانت تتركز في منطقة كبادوشيا.