الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاختفت عيلام مرة أخرى، وكان ذلك لمدة ثلاثة قرون تقريبًا اشتد فيها التنافس بين مملكتي بابل وأشور الجديدتين من أجل السيطرة على الأراضي السهلة؛ بينما ظلت الهضبة الإيرانية قليلة الأهمية إلى أن تمكنت بعد بضعة قرون من أن تغير وجه التاريخ.
ثانيًا-
الإيرانيون:
الميديون والفرس:
الإيرانيون:
في بداية الألف الأول قبل الميلاد زاد استخدام الحديد وحدثت هجرة جديدة للشعوب الهندو أوروبية، وكان لهذين الحادثين أكبر الأثر في تاريخ آسيا.
ومن المحتمل أن الهجرة الهندو أوروبية الجديدة كانت تشبه الهجرة السابقة، وربما كانت من نفس المنطقة التي جاءت منها أيضًا؛ ففي سنة 1200 قبل الميلاد تقريبًا اتجهت بعض الشعوب الهندو أوروبية إلى آسيا الصغرى وحطمت إمبراطورية الحيثيين، وكان الفلسطينيون الذين استقروا في فلسطين من بين شعوب هذه الهجرة وما زالت فلسطين تحمل اسمهم إلى اليوم، وقد وصلت هذه الهجرة عبر سورية إلى فلسطين وتقدمت نحو مصر إلا أن رعمسيس الثالث صدها، أما في إيران فإن الشعوب الإيرانية قد اخترقتها في بداية الألف الأول قبل الميلاد وأثرت عليها تأثيرًا مغايرًا لتأثير الغزوة السابقة التي حدثت قبل ذلك بألف سنة تقريبًا1، حيث إنهم لم يندمجوا في السكان الأصليين مثل ما فعله الحوريون والميتانيون والكاشيون من قبل؛ فقد وضعوا أنفسهم في مركز السيادة بعد أن تسللوا تسللًا بطيئًا إلى المنطقة، ثم تمكنوا بعدئذٍ من الخروج لغزو العالم، ولم تتمكن الشعبة الشرقية من هؤلاء الإيرانيين من التوغل جنوب هندكوش فاتجهت نحو الغرب
1 انظر أعلاه ص404.
إلى قلب إيران؛ إلا أنها ظلت تطمح في الوصول إلى بلاد الهند الغنية وأخذت تتحين الفرصة لذلك، أما الذين اتجهوا إلى الغرب فلم تكن السلاسل الموازية لجبال زاجروس هي التي تحول دون تقدمهم؛ بل وقفت أمامهم سدًّا منيعًا هناك ولايات قوية لها ماضٍ وحضارة مستقرة منذ آلاف السنين؛ فالقبائل الإيرانية التي أرادت الاتجاه إلى الجنوب الشرقي على امتداد زاجروس كانت تواجهها من الشمال إلى الجنوب: أشور وبابل وعيلام، وإلى الشمال الشرقي حول بحيرة "وان" توجد جبال القوقاز ومملكة أرارات التي أصبحت فيما بعد ملكة أرمينيا. وعلى هذا ظل الإيرانيون لا يستطيعون اختراق ذلك الحاجز، وأخذوا خلال الأربعة القرون التالية يمتصون السكان الأصليين، ويفرضون ثقافتهم وسلطانهم السياسي في وديان جبال زاجروس.
وكان النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد نقطة التحول في تاريخ البشرية؛ لأن مركز السيادة العالمية أصبح لا يوجد في السهول والوديان الخصبة مثل: وادي النيل ووادي دجلة والفرات؛ بل انتقل إلى المرتفعات حيث وجدت ثلاث قوى في شرق إقليم الشرق الأدنى كانت تتصارع فيما بينها، وهؤلاء هم: الأشوريون ومملكة أرارات والإيرانيون، وبعد كفاح مرير تمكن الأخيرون من الانتصار على خصومهم وأسسوا أول إمبراطورية عالمية، ومن العسير التعرف على تفصيلات حوادث هذه الفترة إلا عن طريق الوثائق الأشورية؛ حيث لا يوجد ما ينير لنا الطريق عن هذا العصر سواها، وإن كان من المحتمل أن نعرف كثيرًا عن حضارة هؤلاء الإيرانيين بعد تقدم التنقيبات التي تجري في إيران وخاصة في منطقة سيالك التي أشير إليها فيما سبق، ومما ساعد على التحول السياسي عن السهول ازدياد استخدام الحديد وهو يوجد بكثرة في جنوب البحر الأسود عبر القوقاز التي تتحكم فيها مملكة أرارات، وهذه قد حولت اهتمامها نحو إيران التي كانت تكثر بها الخيول اللازمة للجيوش وبعض