الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: إيران
مدخل
…
الفصل الثامن: إيران:
تتلو العراق شرقًا منطقة إيران وتعد النهاية الشرقية لإقليم الشرق الأدنى، وكانت ذات أثر كبير في تاريخه وحضارته؛ لأنها تقع في طريق المواصلات البرية بين الشرق الأقصى وإقليم البحر المتوسط، وكثيرًا ما كانت تستقبل هجرات بين حين وآخر من وسط آسيا، ويعد سكان سهولها من أقدم الشعوب التي توصلت إلى الزراعة والاستقرار، وقد تمكن حكامها في بعض عصورها التاريخية من أن يبسطوا نفوذهم على ما جاورهم وأسسوا إمبراطورية واسعة، ما إن أفل نجمها حتى أخذت تصبح مجالًا لتنازع القوى الكبيرة؛ لما لها من موقع إستراتيجي ممتاز، ولما لثرواتها الطبيعية من أهمية اقتصادية.
وهي في شكلها العام تمثل هضبة مثلثة تنحصر بين منخفضين: الخليج العربي في الجنوب وبحر قزوين وسهل التركمان في الشمال
…
وتغلب عليها الطبيعة الجبلية وكل سلاسل جبالها تمتد حول منخفض في الوسط يمثل منطقة صحراوية كانت في الأصل بحرًا داخليًّا ثم جفت مياهه، وهذه السلاسل هي: جبال زاجروس في الغرب وهي تسير في سلاسل متوازية من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ويفصل فيما بينها عددٌ من الوديان، وجبال البرز في الشمال وهي التي تكاد
تحف بالشاطئ الجنوبي لبحر قزوين وتمتد غربًا؛ بحيث تنتهي في منطقة أذربيجان، "وتعرف أيضًا باسم الخليج الميدي" التي تتوسطها بحيرة أرميا الملحة، وتكاد تكون من أكثر مناطق إيران كثافة في السكان؛ حيث يسهل الدخول إليها من الشمال الغربي والشمال والشمال الشرقي؛ مما كان له أكبر الأثر في تاريخها، وفي الشرق توجد جبال خراسان وهي قليلة الارتفاع سهلة العبور وتعد المنفذ الثاني لدخول إيران، وفي الجنوب توجد جبال مكران، أما الجزء الأوسط من إيران فهو صحراء من أجدب بقاع العالم تنقسم إلى قسمين: الشمالي منهما عبارة عن مسطحات طينية ملحة، لا يعيش فيها كائن؛ إلا حيث تقل نسبة الملوحة في جهات نادرة. أما القسم الجنوبي فعبارة عن منطقة جافة تمامًا تنعدم فيها الحياة "انظر خريطة رقم7" فالحياة في إيران منذ عصورها السحيقة محتملة في الوديان والسهول فقط؛ سواء تلك التي تحف بالهضبة من الخارج أو التي توجد بداخلها.
ويمثل السهول التي تحف بالهضبة من الخارج: "أ" سهل خوزستان في الجنوب الغربي "منطقة سوسة القديمة" وهو يعد امتدادًا لسهول العراق، وكان مقرًّا لمدينة قديمة مستقرة؛ إلا أن أهله تأثروا في تاريخهم بالقبائل البدوية وشبه البدوية التي سكنت الجبال والتلال المجاورة، وحينما اتسعت رقعة الإمبراطورية الإيرانية كان مركزها في وسط هذا السهل "حول سوسة"، "ب" السهل الشمالي الذي ينتهي عند الجبال المطلة على بحر قزوين.
أما السهول الداخلية في الهضبة فلم تلعب إلا دورًا ثانويًّا في حضارة إيران، وكانت الصعوبة الدائمة أمام أهلها تنحصر في عدم توفر مياه الري ومحاولتهم تدبيرها، وقد عثر على ما يشير إلى أن القنوات الصناعية استخدمت بها من أقدم العصور إلى عهد الإخمينيين1، وتقع مدن إيران القديمة وعواصمها في مواجهة
1 انظر فيما بعد ص410 وما بعدها.