الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقابض بعض الأدوات مزينة برسوم تمثل غزلانًا أو أرانب، وأجمل ما عثر عليه من هذا العصر قطعة يحتمل أنها كانت مقبض سكين، وهي في هيئة إنسان يلبس قلنسوة ويغطي عورته إزار مثبت بحزام، وتعد من أقدم تماثيل الشرق الأدنى القديم.
وكان أهل هذه الحضارة يدفنون موتاهم تحت أرضية المنازل في وضع مقرفص، ومن المرجح أنهم اعتقدوا في البعث لوجود بعض الأثاث الجنزي والتقدمات مع الموتى.
ويدل وجود المحار -وهو من نوع يوجد على بعد 600 ميل من موقع سيالك- على أن إنسان سيالك "أ" كان على صلات تجارية مع مناطق بعيدة جدًّا، ويرجح بعض الأثريين أنه توصل إلى معرفة النحاس واستخدامه في بعض الأغراض البسيطة مثل عمل الدبابيس؛ فإن صح هذا فإن إيران تكون أول من استخدم النحاس في العالم القديم، ولا يمكن في هذه الحالة أن تعتبر سيالك "أ" ضمن العصر الحجري الحديث.
عصر بداية استخدام المعادن:
سيالك2:
هذه الحضارة تعاصر تقريبًا حضارة البداري في مصر وحضارة العمق "حـ" في سورية، وهي مرحلة متقدمة يبدو أن الأمور استقرت فيها؛ مما أتاح الفرصة للنهوض؛ فقد أخذ الإنسان يستخدم اللبن بدلًا من الكتل الطينية التي كان يستعملها في بناء مأواه، ولم يكن هذا منتظمًا في شكله تماما؛ لأنه لم يصنع بقوالب بل كان يُهَيَّأ باليدين مما جعله يتخذ شكلًا بيضيًّا "أي: إنه كان في وسطه أكثر سمكًا منه في الطرفين"، وكانت المنازل متسعة وأصبحت تطلى باللون الأحمر وتزود بالأبواب أو بمنافذ تغطيها ستر، وكان الموتى يدفنون في أرضيتها كما كان الحال في الحضارة السابقة، وتقدمت
صناعة الأواني الفخارية وزادت زخرفتها حيث زينت بمناظر حيوانات وطيور رسمت بلون أسود على أرضية حمراء، وكثر استخدام النحاس وإن كان ما زال يطرق ولا يصب في قوالب ولم يتعدَّ استخدامه صناعة بعض الأواني والدبابيس، كذلك كثرت أدوات الزينة واستخدمت فيها مواد جديدة مثل العقيق وغيره من الأحجار البراقة، ومن الحيوانات التي استأنسها إنسان هذه الحضارة كلاب الصيد والخيل الصغيرة الحجم؛ بالإضافة إلى الماشية والأغنام التي عُرف استئناسها من العصر السابق.
سيالك3:
يظهر في هذه الحضارة تطور معماري جديد؛ إذ أصبح شكل اللبن منتظمًا بعد أن صار يصب في قوالب، وأصبحت القرى تخترقها ممرات طويلة ضيقة ومتعرجة تفصل بين الملاك المختلفين، وكانت المنازل تزود بأبواب ونوافذ صغيرة ضيقة؛ ولكن كان مما يساعد على زيادة إضاءتها أن جدرانها لم تكن مستقيمة بل كانت ذات مداخل ومخارج أو فجوات على أبعاد منتظمة، وكانت تزينها من الخارج قطع من الأواني الفخارية الكبيرة، ويرجح البعض أنها ثبتت في الجدران لحمايتها من الرطوبة، كذلك كانت تطلى باللون الأحمر كما في العصر السابق أو باللون الأبيض الذي أخذ يظهر في بيوت هذا العصر، وقد ظل الموتى يدفنون تحت أرضية المنازل وفي الوضع المقرفص أيضًا، وزادت كمية الأثاث الجنزي وكثرت التقدمات.
ومن أهم الاختراعات في هذا العصر عجلة الفخار التي ساعدت على خلق كثير من الأشكال في صناعة الأواني، كذلك أدخلت أنواع عديدة من الزخارف "انظر شكل 35"، ونتبين في رسوم الفخار أنها مرت بثلاث مراحل: الأولى: كانت الكائنات فيها ترسم على حقيقتها، والثانية: رسمت فيها الكائنات
بشكل زخرفي مختصر، أما الثالثة: فقد عاد الميل فيها إلى فن الحقيقة من جديد وتميزت المناظر المختلفة فيها بالحيوية والحركة؛ حيث يبدو أن الفنان كان يريد أن يعبر بها عن أفكار يرغب في إبدائها للناظر أي: إنه كان في الواقع يمهد للكتابة، وهذه المرحلة ترجع إلى نفس الزمن الذي ظهرت فيه الكتابة في العراق؛ أي أنها عاصرت نشأة الكتابة هناك، ولم يقتصر التقدم الفني على رسوم الفخار بل كان يتمثل كذلك في أشكاله؛ حيث عملت منه تماثيل صغيرة تمثل آلهة الأمومة وأنواع عديدة من الحيوانات ولعب الأطفال.
"شكل 35" آنية من سيالك3
وقد تطورت صناعة المعادن؛ فأصبح النحاس يصهر ويصب في قوالب لعمل الأدوات المختلفة ولو أن الآلات الحجرية ظلت مستعملة كذلك، وتعددت أدوات الزينة وزاد استخدام الأحجار شبه الكريمة، ومن المرجح أن اتساع نطاق التجارة جعل الصناع يميزون صناعاتهم بعلامات مميزة؛ فاستخدموا ختمًا من الحجر على مخروط كان في بداية الأمر ينقش بزخارف هندسية الشكل
ثم وضعت بعد ذلك رموز أخرى من الكائنات الحية "شكل 36" والنباتات التي كانت تستوحى من رسوم الفخار.
وكان التقدم واضحًا في كل مضمار أثناء هذه المرحلة الحضارية إذ ارتقت الحياة الاجتماعية؛ حيث انتظمت الجماعات المختلفة في مدن كبيرة في مناطق السهول وخاصة في سوسة؛ فقد ظهرت أول حكومة مدنية في عيلام، أما المناطق الأخرى من الهضبة فإن قلة عدد السكان وتفرقهم في أماكن متباعدة كان سببًا في تأخر نمو هذه الجماعات وانتظامها في مدن كبيرة.
"شكل 36" أختام بها زخارف هندسية الشكل
ولم يعثر على ما يمثل هذه المراحل الحضارية الثلاثة سالفة الذكر مجتمعة في أي من الأماكن الأثرية بالهضبة؛ ففي جيان "قرب نهاوند" وتل باكون وسوسة مثلًا لم تستقر الحضارة فيها إلا من نهاية عصر سيالك2 وبعدها أخذت بعض المظاهر الحضارية ومن بينها الفخار الملون تنتشر في كل أنحاء الهضبة وخارجها، ثم أخذت صناعة الفخار والمعادن تخطو في تقدمها خطوات موحدة تقريبًا وإن وجدت مميزات فردية لكل منطقة، حيث أخذ كل مصنع يميل إلى أشكال معينة ويتأثر بمؤثرات خاصة، وقد مهد ذلك إلى تطور الحضارة في منطقة عيلام قبل دخولها في عصرها التاريخي.