الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتوحتب الثالث إلى وادي "الهودي""جنوب شرقي أسوان" لجلب كتل من الأماتيست "وهو حجر نصف كريم"1.
1 Dr. Ahmed Fakhry، "The Inscriptions of The Aniethyst Quarries at wadi – el – Hudi"، Nos 1 ff، pp، 19-25.
الأسرة الثانية عشر
ة:
أشرنا إلى عدم الاستقرار الذي حدث قبل اعتلاء "منتوحتب الثالث" على العرش؛ ولكن يظهر أن هذا الأخير تمكن من إعادة الأمن والهدوء إلى البلاد خلال حكمه القصير؛ فلما انتهت الأسرة الحادية عشرة بموت هذا الملك لم تتأثر وحدة البلاد التي وضع أسسها "منتوحتب الأول" وعلى ذلك أتيحت الفرصة لمصر كي تقوم بنهضة شاملة جنت ثمارها في عهد الأسرة الثانية عشرة، وربما كانت تلك القلاقل التي ظهرت في أواخر عهد الأسرة السابقة من الأسباب التي أدت إلى ظهور طائفة من الرجال الأقوياء الذين تفانوا في العمل على استتباب الأمن وتهيئة الظروف المواتية للرقي والنهوض، وكان على رأس هؤلاء "أمنمحات الأول" مؤسس الأسرة الثانية عشرة الذي كان وزيرًا في عهد الأسرة السابقة.
أمنمحات الأول:
سبق أن أشرنا إلى نبوءة "نفرتي""انظر ص126"، وهي لا شك تدل على سوء الحالة في أواخر عهد الأسرة الحادية عشرة، وربما بلغت الحالة من السوء حدًّا جعل بعض العناصر الآسيوية تهدد شرق الدلتا، وكان تنظيم الأمور الداخلية في البلاد هو أول ما وجه أمنمحات عنايته إليه؛ فقام بتحديد الحدود بين الأقاليم المختلفة وأبقى كل أمير موالٍ له في منصبه، أما من حاول الوقوف
في سبيله من أمراء؛ فكان ينحيه عن منصبه ويولي بدلًا منه أميرًا آخر ممن يثق بهم، ويبدو أن أمراء الأقاليم قد ارتضوا الوضع الجديد وقبلوا ما فرضه عليهم أمنمحات الأول من شروط؛ فأتيحت الفرصة للحكومة المركزية لأن تشرف على الشئون الداخلية في الأقاليم المختلفة.
وما إن استقر الأمر لأمنمحات الأول حتى قام بتحصين شرق الدلتا وغربها بعد أن حارب جماعات البدو التي كانت تغير عليها، ونقل العاصمة من طيبة إلى عاصمة أخرى في مركز متوسط وأطلق عليها اسم "إيثت تاوي" "أو القابضة على الأرضين أي: المهيمنة عليها" وهي قرب اللشت الحالية في شمال الفيوم، ومع ذلك فقد ظل يهتم بطيبة وأقام بها المعابد تمجيدًا للإله آمون إلهها المحلي وهو الذي أصبح الإله الرسمي للإمبراطورية المصرية في عهد الدولة الحديثة، ولم يقتصر نشاطه المعماري على العاصمة وعلى طيبة؛ بل انتشرت آثاره في كثير من جهات مصر وخاصة في الفيوم وشرق الدلتا وسيناء، وقد بنى لنفسه هرما ومجموعة جنزية في اللشت ولكنه -مع الأسف- استعمل في بناء هرمه كثيرًا من الأحجار التي جاء بها من معابد ومقابر قديمة، ومن بينها أحجار منقوشة لمعابد بعض ملوك الأسرتين الرابعة والخامسة1، رغم أنه نشط في استغلال المحاجر وأرسل البعوث لجلب الأحجار من وادي حمامات2.
هذا وقد أرسل بعض الحملات إلى النوبة، واستطاع أن يخضع جزأها الشمالي لسلطانه3، أما سياسته تجاه أمراء الأقاليم فكانت تختلف باختلاف الأحوال
1 أحمد فخري "مصر الفرعونية" القاهرة 1957 ص172.
2 Couyant & Montet، op. cit.، No. 199.
3 Breasted، A R. I، 472-3.
لأننا نجد أنه من جهة كان يخطب ود الكثيرين من الأمراء "الذين كانوا على الأرجح من الأقوياء" حتى لا يثيروا المتاعب إذا ما غفلت الحكومة المركزية عن نشاطهم بعض الوقت؛ فأبقى على ثرواتهم ونفوذهم بل وربما منحهم بعض الهبات أو المزيد من الامتيازات؛ حيث يبدو أثر هذا واضحًا في المقابر العظيمة التي بنوها لأنفسهم في أقاليمهم، ويتمثل ذلك بصفة خاصة في إقليم بني حسن، ومن جهة أخرى كان لا يتوانى عن استعمال الشدة مع بعض الأمراء الآخرين، والظاهر أن عهده كان لا يخلو من المتاعب وخاصة في الجزء الأخير منه، وربما كان ذلك هو الذي دعا إلى إشراكه ولده "سنوسرت الأول" معه في الحكم ابتداءً من السنة العشرين من عهده بعد أن تقدمت به السن وعجز عن مواصلة نشاطه في الخارج والداخل؛ ولذلك كان ولده هو الذي يتولى أمر الحملات الحربية؛ بينما ظل معظم النفوذ في يد هذا الملك الشيخ، وكان البيت المالك نفسه لا يخلو من وجود بعض الحاقدين على الملك أو الحاسدين لولي العهد كما يستدل على ذلك من النصوص المعروفة باسم "نصائح أمنمحات إلى ولده"؛ إذ إنه يوصيه فيها بما يجب عليه اتباعه في إدارة شئون المملكة ويحذره ممن حوله وألا يثق في أخٍ ولا يعتمد على صديق ويذكره بما تعرض له هو شخصيًّا، ويوضح له كيف أنه على الرغم من عطفه على المحتاجين واليتامى والمساكين لم يسلم من أذى أولئك الذين أحسن إليهم، إذ يقول في هذا الصدد:"الذي أكل طعامي بيده هو نفسه الذي استطاع أن يحدث بواسطتها الفزع"، وتسترسل هذه النصائح في بيان كيفية تدبير مؤامرة اغتياله وهو مستلقٍ على فراشه بعد أن تناول طعام العشاء وكيف تمكن من الدفاع عن نفسه، ولكن يُشْتَمُّ مما ورد في هذه النصوص أن المتآمرين نجحوا في إصابته إصابة قاتلة وإن كان من المرجح أنه لم يمت إلا بعد أن أملى هذه النصائح لكي تبلغ إلى ولده، وفيها نتبين ما كان يساوره من الأسى والألم لعدم تمكنه من القضاء على المتآمرين وهو يعدد ما قام به من جلائل الأعمال التي تتصف