الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع البابليين وأنه نقل بسبب ذلك إلى البحر، وربما كان المقصود أنه نقل إلى قبرص أو إلى قطر أجنبي بحري، ولم يقف نشاطه عند هذا الحد؛ بل إنه اتصل بملك مصر، ومن المحتمل أنه كان يسعى للحصول على مساعدة دولة أجنبية لاسترداد عرشه؛ ولكنه باء بالفشل، وقد اخترع حاتوسيليس قصة مؤداها أنه طرد الملك الشرعي واستأثر بالعرش نظرًا لما لقيه من استفزاز شديد وبناء على أمر من الإلهة "آشتار" إلهة "ساموحا".
وقد توفي حاتوسيليس بعد فترة قصيرة من زواج ابنته من ملك مصر وتولى من بعده ابنه "تود هالياس الرابع" الذي وجه اهتمامه نحو الشئون الدينية، ويمثل الجزء الأول من حكمه عصر سلام وإن كانت بعض الحملات الناجحة في غرب المملكة قد مكنت الحيثيين من ضم إقليم أسووا إلى مملكتهم؛ ولكن لم تلبث أن ساءت الحالة هناك قبل نهاية حكمه، ومع أن الملك كان في حالة من القوة تسمح له بالقضاء على أي عدوان على أجزاء من مملكته؛ إلا أن أيام الإمبراطورية الحيثية أصبحت معدودة؛ ففي عهد الملك التالي وهو "أرنووانداس الثالث" تدهورت الحالة في غرب هضبة الأناضول وحدثت تحركات ضخمة من شعوب هذه المناطق حيث تقدمت واجتاحت الأقاليم الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، واضطرت الحيثيين وشعوب هذه الجهات إلى سورية، ثم اتحدت بعد ذلك مع شعوب البحر في هجوم كبير كان من نتائجه استقرار الفلسطينيين على ساحل فلسطين وحل الفريجيون محل الحيثيين كقوة حاكمة، وأصبح خطر هذه الشعوب يهدد مصر لولا أن "رعمسيس الثالث" نجح في الانتصار عليهم برًّا وبحرًا وأبعد خطرهم.
الممالك الحيثية الجديدة:
استمر الأثر الثقافي للحيثيين في الأجزاء الجنوبية الشرقية من إمبراطوريتهم
بعد سقوطها نحوًا من خمسة قرون، وظلت السجلات الأشورية تشير إلى سورية ومنطقة طوروس على أنهما أرض حاثي وتتحدث عن ملوك يحملون أسماء حيثية، كذلك يشير الكتاب المقدس إلى ملوك المقاطعات السورية كملوك للحيثيين واهتم الكثيرون منهم بإقامة آثار تحمل نقوشًا دونت بخط هيروغليفي لم يمكن تفسيره تمامًا حتى الآن، أي أن تقاليد الثقافة الحيثية ظلت منتشرة في المناطق الممتدة من ملاطيا إلى حدود فلسطين؛ حتى بعد أن تحولت هذه المنطقة إلى جزء من الإمبراطورية الأشورية، ولم تكن لغة تلك النقوش الحيثية الجديدة ولا الديانة التي نصت عليها هي التي استعملت في "حاتوساس"، وليست هي التي استعملها عامة الشعب الذين استوطنوا سورية في عهد الإمبراطورية الحيثية "لأنهم كانوا حوريين". وعلى هذا يبدو أن سورية قد اجتاحها شعب آخر جاء من إحدى المقاطعات الحيثية وكان يتخذ الحضارة الحيثية، ويحتمل أن المقاطعة هي "كزوواتنا" ويرجح أن ذلك لم يكن نتيجة غزو منظم؛ لأنه أدى إلى ظهور عدد كبير من الممالك الصغيرة في القرن 12 ق. م. تدل أسماؤها على أنها لم تكن على الإطلاق مجرد استمرار للممالك الحيثية القديمة التي كانت خاضعة للإمبراطورية في سورية، وأن معظم هذه الأسماء نشأ حديثًا، ونظرًا لأن الخط الهيروغليفي الحيثي يصعب تفسيره حتى الآن؛ فلا يمكن تتبع تاريخ هذه الممالك في إيجاز إلا عن طريق سجلات الدول المجاورة مثل: أشور وأورارتو "آرارات" وإسرائيل.
وأول ملك أشوري يصل إلى غرب الفرات بعد سقوط "حاتوساس" هو "تيجلات بلاسر الأول" الذي ذكر بأنه حارب حاتي العظمى ووصل إلى البحر المتوسط، ولا شك أنه كان يقصد مملكة "ميليد" ويدهشنا أن يذكر أن مملكة أخرى لحاتي العظمى قدمت له عند عودته فروض الطاعة والولاء وربما كان يقصد
بهذه مملكة "قرقيمش" أي أن هاتين المدينتين كونتا مملكتين حيثيتين عند معبر الفرات.
وقد انسحبت الجيوش الأشورية على أي حال ومضت عدة سنوات قبل أن يصل أي ملك أشوري آخر إلى غرب الفرات أو أن يعبره، وفي خلال فترة الضعف الأشوري هذه جاء الآراميون البدو من الشرق وأسسوا بدورهم ممالك في سورية كانت أولها وأقواها دمشق1 التي تقع جنوب خط الغزو الحيثي، ولا بد أن الآراميين قد اصطدموا في الشمال مع الإمارات الحيثية الحديثة العهد وهزموا الحيثيين في أماكن متعددة وحل محلهم الآراميون؛ حيث كونوا أسرات حاكمة في عواصم الممالك الحيثية التي استولوا عليها ونقشوا نقوشهم بالكتابة الفينيقية أو بلغتهم الآرامية؛ بينما ظلت الأسر الحيثية الباقية تحافظ على كيانها واستمرت في تدوين نقوشها بالهيروغليفية الحيثية.
ولا نعرف شيئًا عن تاريخ قيليقيا في هذه الفترة؛ لأن نقوش "كاراتيب" لم يمكن تفسيرها بصفة مؤكدة حتى الآن؛ ولكن يستدل من النقوش التي تركها والي "أضنة" أن أضنة كانت العاصمة ولم يكن حاكمها هو الملك؛ بل كان واليًا من قِبَل الملك، وربما كان "الدانيونا" الذين ذكرتهم النصوص المصرية بين شعوب البحر هم سكان هذه البلاد، كما يحتمل أنهم كانوا من جنس يغاير الشعوب المجاورة لهم، وقد عرف الآشوريون قيليقيا منذ عهد شلمناصر الثالث ولكنهم كانوا يطلقون عليها اسم "قوا" ولا يعرف تفسير لهذا الاسم حتى الآن.
وتمتعت الممالك الحيثية الحديثة وجيرانها الآراميون بشيء من الاستقرار والازدهار لمدة يسيرة، وانتشرت الثقافة الحيثية جنوبًا إلى فلسطين، وخدم الجنود المرتزقة الحيثيون في الجيوش اليهودية، وأدخل سليمان الحيثيات في حريمه.
1 انظر أعلاه ص282.
وقد بدأت أشور تستعيد مجدها في عهد "أدادنيراري الثاني" وفي عهد خلفه "توكولتي نينورتا الثاني" ولم تنتبه الممالك السورية لهذا الخطر فاستطاع خليفتهما "أشور ناصر بال" أن يدعم فتوحات أسلافه سريعًا، وفي السنوات السبع الأولى من حكمه استولى على الإقليم الواقع شرق الفرات ولم تقاومه قرقميش عندما فرض عليها الجزية، وحينما عبر الجيش الأشوري الفرات واخترق سورية إلى الساحل لم تقاومه الممالك الحيثية الأخرى؛ حيث فشلت في الاتحاد ضد الغازي، ومع أنها حاولت الاتحاد بعد ذلك بنحو 18 سنة حينما عبر "شلمنصر الثالث" نهر الفرات؛ إلا أنها لم تنجح في المقاومة ووقع شمال سورية مرة أخرى في يد الأشوريين؛ غير أنهم اضطروا للانسحاب أمام المقاومة التي أبداها ملوك حماة ودمشق، التي كان يعاونهم فيها 12 أميرًا من أنصارهم وخاصة من الساحل الفينيقي رغم أن المتحالفين قد تكبدوا خسائر فادحة، ومع هذا فقد عاد "شلمنصر الثالث" إلى الهجوم على دمشق في السنوات التالية حتى ضعفت وتمكن "أدادنيراري الثالث" بمساعدة زاكير الآرامي "الذي كان قد استولى قبل بضع سنوات على حماة الحيثية" من إخضاعها، وبذلك ادعى أدادنيراري السيادة على حاتي وأمورو وبالاشتو جميعها.
وقد ضعفت سلطة الآشوريين بعد ذلك فترة لا تقل عن نصف قرن بسبب ظهور منافس جديد في الجبال الشمالية يتمثل في مملكة أورارتو التي استنفدت الجزء الأكبر من جهود ملوك أشور، ومن المحتمل أن الدولة الحيثية في شمال سورية كانت تشعر بشيء من التقارب الجنسي أو الثقافي مع هذه المملكة الجديدة، أما جنوب سورية فقد أصبح كله آراميًّا، وهكذا انقسمت سورية إلى قسمين: حيثي وآرامي، ثم انتهت هذه الحالة فجأة بنهضة أشور مرة ثانية بقيادة "تيجلات بلاسر الثالث" فقد نجح هذا الملك في السنة الثالثة من حكمه في التقدم غربًا