الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد عاش الإنسان في هذه الفترة في العراء صيادًا متجولًا ينتقل من مكان لآخر؛ إذ كان المناخ دافئًا فلم يلجأ إلى الكهوف إلا حيث يشتد البرد، وكانت قدرته على التفكير محدودة؛ لأنه كان من تلك الأجناس قريبة الشبه بالقردة العليا، ولم يعثر على آثار له إلا في أماكن قليلة من العالم، وربما كان ذلك لقلة أعداده نسبيًّا، ومن المرجح أنه وصل في هذا الدور إلى أوروبا قادما من شمال إفريقية عن طريق جبل طارق ويستدل على ذلك من أن آثاره لم تكتشف في وسط أوروبا وشرقها ولم توجد إلا محطة شيلية واحدة في شمال إيطاليا، أما معظم آثاره فقد وجدت في غرب أوروبا وأسبانيا.
ب-
الحضارة الأشولية:
لا نكاد نجد فارقا كبيرا بين هذه الحضارة وسابقاتها، فقد ظل الإنسان يستعمل الفأس اليدوية ولكنها كانت أكثر إتقانًا من الفأس الشيلية وأصغر منها حجمًا، إذ إن الإنسان الأشولي لم يكتفِ بتهذيب حافة الآلة بل كان يهذب سطحها كله تاركًا أقل مساحة ممكنة من القشرة الأصلية في أسفل الأداة؛ لكي يجعل شكلها متناسقًا "شكل 3". ولم يكتف باستعمال الفأس اليدوية المأخوذة من النواة وحدها بل بدأ يستغل كذلك بعض الشظايا فاتخذ منها بعض أدواته، كما استعمل بعض الآلات الخشبية والعظمية وكثر عدد المكاشط والمثاقيب التى استخدمها.
شكل "3" فئوس يدوية أشولية
ويبدو أن المناخ ظل على حالته السابقة من الدفء وكثرة التساقط؛ ولكنه أخذ بعد ذلك في البرودة والجفاف؛ ولذا نجد أن آلات الإنسان التي عثر عليها من ذلك العصر كانت مختلطة أحيانًا ببقايا حيوانات من التي تعيش في أجواء دفيئة، وفي أحيان أخرى كانت مختلطة ببقايا حيوانات من ذات الفراء، ولكن مع ذلك لم يكن المناخ عمومًا من القسوة؛ بحيث يضطر الإنسان الالتجاء إلى الكهوف؛ ولذا ظل يعيش في العراء صيادًا وكان يفضل القرب من مجاري المياه بدليل وجود معظم آثاره عندها، وربما كان اشتداد البرودة أحيانًا هو الذي أدى به إلى اختراع النار واستعمالها؛ فقد وجدت بين أدواته مخلفات المواقد ولكنها كانت قليلة.
ويرى البعض تسمية صناعات هذه الحضارة بأسماء مختلفة على حسب الأماكن التي عثر فيها على مخلفاتها في بعض جهات أوروبا نظرًا لوجود اختلافات طفيفة فيها1 ولكنها على العموم لا تخرج عن كونها صناعات أشولية.
وقد ظلت السلالات البشرية البدائية تعيش خلال هذه الفترة ويمثلها في أوروبا إنسان هيدلبرج وفي إفريقيا إنسان روديسيا، أما في الشرق فلم يوجد من البقايا العظمية ما يبين نوع إنسان هذا العصر بصفة مؤكدة وإن كان من المرجح أنه من السلالات التي تعد سلفًا للإنسان الحديث وإليها تنسب بقايا عظمية وجدت في فلسطين "في جبل الكرمل"2 وفي بلاد النهرين "في كهف
1 مثل الصناعة الكلاكتونية في إنجلترا والصناعة المسفينية في بلجيكار الليفالوازية في فرنسا.
2 Dorothy A. F. Garrod، The Stone Age of Mount Garmel "Oxford 1937".