الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هذا الأساس يشمل القسم الأول الذي قامت فيه مصر بدورها الإيجابي في معظمه، ثم عاشت في معظم القسم الثاني من تاريخها في دورها السلبي، وهذا التاريخ هو الذي سنقوم بدراسته وفق أدوار القوة والضعف التي سبقت الإشارة إليها.
عهد الدولة القديمة
مدخل
…
1-
عهد الدولة القديمة:
في عصر ما قبل الأسرات اتحدت أقاليم مصر المختلفة في إقليمين كبيرين: أحدهما في الوجه القبلي والآخر في الوجه البحري -وتشير بعض المصادر التي تحدثنا عنها فيما سبق1 إلى حكم ملوك من الآلهة وأنصاف الآلهة لهاتين المملكتين- وقد اختلفت الآراء بشأن التوحيد الذي قامت على أساسه الأسرة الأولى؛ ولكن ما زلنا نأخذ بالرأي القائل بأن مملكة الوجه البحري -قبل بداية العصر التاريخي- استطاعت أن تخضع مملكة الوجه القبلي، ثم انفصلت هذه عنها؛ إلا أن مملكة الوجه البحري عادت إلى القوة من جديد ووحدت البلاد للمرة الثانية؛ ولكن الوجه القبلي انفصل مرة أخرى ثم استطاع أن يظفر بالقوة وأن يقوم هو بإخضاع الوجه البحري، وأن يوحد البلاد التوحيد الثالث والأخير الذي قامت على أثره الأسرة الأولى.
ويبدو أن ملكًا قبل مينا أو نعرمر "الذي اصطلح المؤرخون على جعله مؤسس الأسرة الأولى وتضعه بعض القوائم على رأس الأسرات الفرعونية" حاول توحيد المملكتين وربما نجح في ذلك بعض النجاح ويعرف هذا الملك باسم الملك العقرب؛ إذ كتب اسمه برمز يبين صورة هذا الحيوان إلا أن مينا أو نعرمر
1 انظر أعلاه ص89-91.
كان صاحب الفضل في أول توحيد قام على دعائم ثابتة، ظهرت آثارها في عهد الأسرتين الأولى والثانية.
فالآثار التي اكتشفت من ذلك العهد تدل على أن المصري ظل يستعمل كل ما صادفه من أحجار مناسبة في صنع الأدوات والأواني اللازمة له وطور فيها، كما استعمل النحاس وإن كان ذلك بدرجة محدودة، واستخدم العاج والأصداف في تطعيم مصنوعاته الخشبية، وارتقى بفن النسيج فتوصل إلى صناعة منسوجات دقيقة راقية، وتدل آثارهم كذلك على أنهم تأنقوا في زينتهم وفي طعامهم إلى درجة الترف.
ومع أن مصر ظلت طوال عهودها الفرعونية تنقسم من الناحية الإدارية إلى شطريها القبلي والبحري "إشارة إلى المملكتين اللتين تكونتا في عصر ما قبل الأسرات"؛ فإن الملك خلال عهد هاتين الأسرتين صار مطلق السلطة وله صفة الألوهية؛ إذ كان يعتبر صورة الإله الحية على الأرض وعليه يقع عبء الدفاع عن مصر ورفاهية شعبها فيأمر بحفر الترع وإقامة الجسور وبنشر العدالة بين الناس، يعاونه في ذلك عدد كبير من الموظفين على رأسهم وزير ربما كان أصل اختصاصه أن يكون حلقة الاتصال بين الملك وبين موظفيه الذين كانوا ينقسمون من حيث الاختصاص إلى موظفين مختصين بمملكة الجنوب وآخرين مختصين بمملكة الشمال؛ فمثلًا كان هناك حامل أختام ملك الجنوب وآخر يحمل لقب حامل أختام ملك الشمال وكانا يرأسان بيت المال المزدوج أي: بيت مال الجنوب وبيت مال الشمال. وفضلًا عن ذلك كانت مصر تنقسم إلى عدة مقاطعات يرأسها حكام أو أمراء، يعاونهم على تصريف الأمور فيها عدد من الموظفين الذين كانوا يعنون بتدوين ارتفاع الفيضان لتقدير الضرائب على الزراعة المحتملة، ويقومون بعمل التعداد الذي كان يعمل كل سنتين، وكانت بكل مقاطعة هيئة تشرف على القضاء وعلى سائر الأعمال الإدارية وتشرف على عملية الإحصاء وتراقب
الفيضان؛ فكانت على الأرجح تجمع بين اختصاص المحلفين واختصاص أعضاء مجالس المدن أو المحافظات.
ولا شك أن المصري عرف طريقه إلى بعض البلدان المجاورة منذ أقدم العصور وتبادل معها التجارة، وقد زاد نشاطه في هذا المضمار خلال عصر هاتين الأسرتين، ولم يكن هذا التبادل ليتم طوعًا في كل الأحيان؛ بل ربما كان الحصول على سلع الجيران يتم أحيانًا عن طريق الإغارة عليهم أيضًا.
ويصف بعض المؤرخين الأسرتين الأولى والثانية بأنهما ثينيتان ويضعهما في عهد قائم بذاته أطلقوا عليه اسم "العصر الثيني أو الطيني" نسبة إلى طينه "Thinis" القريبة من أبيدوس؛ وذلك لأنهم شاهدوا اختلافًا واضحًا بين حضارة هاتين الأسرتين وحضارة الأسرة الثالثة، ولأن الاعتقاد كان سائدًا بأن ملوك هاتين الأسرتين قد دفنوا في أبيدوس واحتمال أن عاصمتهم كانت طينه؛ ولكن نظرًا لأن التطور الذي حدث في الأسرة الثالثة وإن كان عظيمًا؛ بحيث يبدو الفرق واضحا بين حضارتها وحضارة الأسرتين السابقتين فإن هذا التطور يعد نتيجة حتمية لحياة الاستقرار التي سادت عصر هاتين الأسرتين ولا داعي لتمييزهما عن العهد التالي الذي يرتبط بهما ارتباطًا وثيقًا. كذلك أصبح من المشكوك فيه الآن أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية قد دفنوا في أبيدوس، وعلى هذا فإن وصفهما بالأسرتين الثينيتين أصبح لا مبرر له، أما إذا دعت الحاجة إلى تمييز عهد هاتين الأسرتين عن العهد التالي له لما شهده هذا الأخير من تطور ضخم في ميدان الحضارة؛ فلا بأس من أن نطلق عليه الاسم الذي اختاره نفر قليل من المؤرخين وهو اسم "عصر الأسرات الباكر" أو "باكورة عصر الأسرات". ومهما يكن من أمر؛ فإننا سنعتبر عهد الدولة القديمة يبدأ من عهد الأسرة الأولى وينتهي بعهد الأسرة السادسة، وسنتناوله بالدراسة على حسب الأسرات كما يلي: