الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلطانهم وانفضت هيئتهم الحاكمة سريعًا، وقد يرجع زوال سلطانهم إلى عدم تقبل المصريين هذا النظام من الحكم؛ فقاوموه بشدة إلى أن قضي عليه.
الأسرة الثامنة:
معلوماتنا عن هذه الأسرة ضئيلة تختلف المصادر القديمة في عدد ملوكها، وعلى أي حال فإن أرجح الآراء تدل على أن الأسرة الثامنة لم تحكم أكثر من ثمانية وثلاثين عامًا وكان مقرها منف، ولا نعرف عن حكمها إلا أسماء بعض ملوكها وبعض الإشارات العابرة عن إرسال بعثات لاستغلال المحاجر أو إلى شمال بلاد النوبة.
وبداية الأسرة الثامنة ونهايتها غير معروفتين، ومن المرجح أن ملوكها أخذوا في الضعف إلى درجة أن سلطانهم لم يكن ليتجاوز حدود إقليم عاصمتهم إلا اسميًّا، وقد نازعتهم في نهاية الأمر أسرة قوية في إهناسيا وأسرة أخرى في طيبة، وقدر لأمراء إهناسيا أن يدعوا الملكية واعتبرهم المؤرخون مكونين للأسرة التاسعة ثم للأسرة العاشرة وكان يعاصرهم حكام طيبة الذين أسسوا الأسرة الحادية عشرة فيما بعد.
ملوك إهناسيا "الأسرتان التاسعة والعاشرة"
ملوك إهناسيا "الأسرتان التاسعة والعاشرة
":
أ- الأسرة التاسعة:
من المرجح أن أمراء إهناسيا كانوا على صلة بالبيت المالك في منف أي: بملوك الأسرة الثامنة؛ فلما وجدوا أن ملوك هذه الأسرة قد ازدادوا ضعفًا؛ في حين أنهم أصبحوا من القوة بحيث يمكنهم الوقوف أمامهم نازعهم هؤلاء سلطانهم، ولما استفحل الأمر بين هذين البيتين الكبيرين انتهز الفرصة "خيتي الأول" وأعلن نفسه ملكًا في إهناسيا مؤسسًا بذلك الأسرة التاسعة، ويروي مانيثون عن هذا
الملك أنه كان ظالمًا طاغية، أصيب في أواخر أيامه بالجنون، وانتثت حياته بأن فتك به أحد التماسيح.
ولا نعرف شيئًا عن ملوك الأسرة التاسعة ولا كيف بدأ النزاع بينها وبين الأسرة الثامنة في منف، وكل ما يمكن أن نذكره هو أن عدد ملوك الأسرة التاسعة -كما ورد في بردية تورين- هو ثلاثة عشر ملكًا حكموا ما يقرب من 109 سنة.
والظاهر أن هؤلاء الملوك استعانوا بحكام بعض الأقاليم لمؤازرتهم ولا شك في أنهم كانوا يخطبون ودهم ويزيدون في امتيازاتهم؛ ولذلك نجد أن الحالة تظل كما كانت في عهد الأسرة الثامنة، أي أن حكام الأقاليم كانوا شبه مستقلين يعتمدون على أنفسهم في حماية أقاليمهم، وظلت الدلتا خارج النفوذ المصري، ولم يتمتع الملوك في واقع الأمر بسلطان خارج عاصمتهم إهناسيا؛ اللهم إلا مجرد نفوذ اسمي فقط، وظل الملوك على هذا الضعف إلى أن زال حكم هذه الأسرة وتلتها الأسرة العاشرة.
ب- الأسرة العاشرة:
من المرجح أن ملوك هذه الأسرة كانوا خمسة فقط حكموا ما يقرب من 81 سنة، وأنها وجدت -منذ ظهورها- منافسة قوية من أمراء طيبة، ودارت بينهم وبين هؤلاء الأمراء حروب طاحنة أطاحت بسلطانهم وانفرد أمراء طيبة بالملك.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤرخين ما زالو يختلفون في عدد وترتيب الملوك الذين كانوا يحملون اسم خيتي؛ بل ولم يجمعوا على ترتيب الملك "خيتي" الذي أسدى نصائحه المعروفة "باسم تعليمات الملك خيتي" لولده
"مري كارع"1؛ ولكن يبدو أنه كان مؤسس الأسرة العاشرة، وكان ملكًا نشيطًا أخذ يطهر الدلتا من عصابات البدو ومن النفوذ الآسيوي إلى أن استتبَّ له الأمر ثم أراد أن يتخلص من أمراء طيبة في الجنوب ونشبت الحرب بين الفريقين، وكان أمراء أسيوط يعاونونه فانتصر على الطيبيين في موقعة بالقرب من أبيدوس؛ إلا أن هؤلاء تمكنوا من أن يسترجعوا ما فقدوه وتقدموا شمالًا حتى بلغوا حدود أسيوط.
وفي عهد "مري كارع" خليفة "خيتي" كان يحكم في طيبة حاكم قوي هو "منتوحتب الأول"، استأنف الحرب وقضى على أمراء أسيوط ثم تقدم شمالًا واستولى على الأشمونين.
وفي عهد آخر ملوك الأسرة، وكان يدعى خيتي أيضًا، عاودت طيبة هجومها على مملكة إهناسيا إلى أن قضت عليها وأخضعت مصر كلها لسلطانها؛ فعادت الوحدة القديمة إلى البلاد، وقد تم ذلك في عهد منتوحتب الأول ملك طيبة؛ ولذا يمكن اعتباره المؤسس الحقيقي للدولة الوسطى.
ومن الملاحظ أنه لم يعثر على مقابر لملوك الأسرتين التاسعة والعاشرة في إهناسيا، ومن المرجح أن "منف" ظلت العاصمة الإدارية للبلاد؛ بينما كانت إهناسيا تمثل مقر الملك فقط؛ ولذلك دفن كثير من الملوك ورجال البلاط في جبانة منف، أما أمراء الأقاليم فقد ظلوا يدفنون بالقرب من عواصم أقاليمهم في مقابر منحوتة في الصخر.
1 انظر أعلاه ص126.
وظائفهم تورث لأبنائهم، وقد اشتهرت من بيوت هؤلاء الحكام أسر في مناطق مختلفة، منها أسرة نشأت في طيبة كان مؤسسها يدعى أنتف.
أنتف الأول1:
لا يعرف الكثير عن هذا الملك قبل أن يعلن نفسه ملكًا ويتخذ الألقاب الملكية؛ ولكن من المرجح أنه حينما كان مجرد حاكم لإقليم طيبة على صلات طيبة مع ملوك الشمال، وكان إلى جانب إمارته للإقليم كبيرًا للكهنة كما كان مسئولًا عن حماية الحدود الجنوبية لمصر؛ لأنه كان يلقب "حارس الحدود الجنوبية"؛ حيث يبدو أن الأقاليم الجنوبية من مصر كانت تكوِّن اتحادًا فيما بينها بزعامة طيبة، وربما كان هذا هو السبب الذي من أجله منح هذا اللقب، ولا شك في أن انتقال الملك من الأسرة التاسعة إلى الأسرة العاشرة وضعف هذه الأخيرة جعلا أنتف يرى أنه لا يقل قوة وأحقية في الملك عن ملوك الشمال؛ فادعى الملك ووضع اسمه في خانة ملكية وأحاط نفسه بحاشية ملكية ودفن في مقبرة كبيرة نحتت في الصخر بجهة الطارف في البر الغربي للأقصر، ولا بد أنه حظي بمكانة عظيمة بين معاصريه؛ مما كان له أثر كبير في تبجيله وتقديس ذكراه فيما بعد؛ حتى إن سنوسرت الأول2 أقام تمثالًا لتخليده في معبد الكرنك ونسب نفسه إليه على اعتبار أنه سلفه العظيم، ومع أنه أصبح يعرف في التاريخ باسم "أنتف الأول" فإن اسمه ورد في قائمة الكرنك دون أن يوضع في خانة ملكية؛ ولكن أشير إلى أنه "الحاكم والأمير الوراثي أنتف المبجل" أي: إنه في هذه الحالة ذكر على اعتبار أنه مؤسس الأسرة الحادية عشرة فحسب.
1 في الاتجاه الجديد في نطق الأسماء أصبح هذا الاسم يقرأ Iniotef.
2 ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة.
أنتف الثاني:
تولى الحكم بعد والده، وكانت الأقاليم الخمسة الجنوبية من مصر خاضعة لسلطانه، وظل في الحكم نحو خمسين عامًا حاول خلالها أن يتوسع شمالًا؛ ولكن بيت إهناسيا استطاع أن يحدَّ من جهوده وخاصة لأن أمراء أسيوط كانوا حلفاء لهذا البيت، ولا شك أنهم اشتركوا فيما نشب من حروب بين الفريقين كما نستدل على ذلك من نقوش أمير أسيوط "خيتي" الذي افتخر في مقبرته بأنه جمع الجنود وأعد فرق الرماة وأشاد بالأسطول، ومع هذا لا نجد في العبارات المنقوشة بالمقبرة؛ ما يدل على حرب صريحة أو وقائع معينة بين صاحبها "خيتي" والطيبيين.
ويمكن تلخيص الحالة في مصر في تلك الأثناء بأن السيادة فيها كانت تتنازعها مملكتان: شمالية يحكمها بيت إهناسيا وجنوبية يحكمها بيت طيبة؛ بينما كان بعض الأمراء الذين يحكمون أقاليم داخل نطاق المملكة "وقد أحسوا بضعف ملوك إهناسيا" يؤرخون الحوادث بتاريخ حكمهم لأقاليمهم أي: إنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مستقلين في أقاليمهم، ومن هؤلاء أمراء بني حسن وأمراء البرشة.
ويبدو أن أطماع بيت طيبة في التوسع شمالًا ظلت قائمة وتوالت محاولاتها في هذا السبيل؛ حيث نجد أن "تف إيب" الذي أعقب والده "خيتي" في إمارة أسيوط قد نقش في مقبرته؛ ما يدل على حروبه مع الطيبيين أعداء الملك بالقرب من أبيدوس، وادعى بأن زعيم الطيبيين وقع في الماء وتفرقت سفنه؛ إلا أن معلوماتنا من مصادر أخرى كثيرة تدل على أن طيبة قد انتصرت في هذه الحرب واستولت على الإقليم السادس1؛ وبذلك وسعت رقعتها شمالًا.
1 الإقليم السادس في الوجه القبلي كانت عاصمته دندرة غربي النيل أمام قنا.