الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باعتباره خارجًا على عبادة حور وهو المعبود التقليدي الذي ظل الفراعنة في غالبية العهود يدينون له بالولاء.
ومع أن عهد الأسرة الثانية قد حفل بالاختلافات السياسية، وربما بحدوث منافسات على العرش أيضًا؛ إلا أن التقدم في مرافق الدولة لم يقف عند حد؛ فقد استقرت جذور الحضارة المصرية منذ عصر ما قبل الأسرات وأخذ الصناع والفنانون ينهضون بما تخصصوا فيه وبلغوا في ذلك درجة كبيرة من الإتقان والرقي، وقد بدأت صناعة التماثيل الملكية في عهد أحد ملوكها ويدعى خع سخم.
الأسرة الثالثة:
يعد عصر الأسرة الثالثة بداية عصر بناة الأهرام، ومن المحتمل أن زوسر وضع على رأس هذه الأسرة الجديدة "مع أنه كان ابنًا لآخر ملوك الأسرة الثانية"؛ نظرًا لما اشتهر به من همة ونشاط من جهة، ولأن عصره يعد بداية تطور حضاري ضخم وخاصة في فن المعمار الذي تمثل في بناء أول هرم مدرج في التاريخ من جهة أخرى، وكان الفضل في هذا البناء لوزيره إيمحتب الذي يحتمل أنه بدأ تقلده للوظائف منذ أواخر الأسرة الثانية، وقد خلد اسمه في التاريخ إلى درجة أنه أُلِّه ابتداء من القرن السادس قبل الميلاد على الأقل إلى نهاية عهد البطالمة؛ فقد كان إلى جانب شهرته في ميدان الهندسة كبيرًا لكهنة الشمس ورئيسًا للمثالين ومشرفًا على القصر ونابغة في الطب، حتى إن اليونان وحدوه مع إله الطب عندهم "إسكاليبوس". وتتجلى عبقرية إيمحتب في إشرافه على بناء هرم سقارة المدرج الذي شيده لمليكه زوسر، وهو يعد عملًا فريدًا من حيث إنه أول بناء ضخم من الحجر، ويكفي للتدليل على عظمة مهندسه وعلو كعبه في فنه أن نتصور الوسائل البدائية التي كانت تستخدم في البناء وقطع الأحجار ونقلها في هذا العهد السحيق؛ فلا شك أن قدرة إيمحتب على حشد العدد الهائل
من العمال اللازمين للعمل وتنظيمهم قد بلغت أقصى حد، والهرم عبارة عن ست مصاطب بعضها فوق بعض، وارتفاعه ستون مترًا تقريبًا والسور المحيط به وبالمباني الملحقة به يبلغ طوله 544 مترًا وعرضه 270 مترًا، وقد عثر في دهاليزه على أوانٍ من الأحجار مختلفة، معظمها مهشم عن قصد وقد قدر عددها بنحو 30.000 آنية.
شكل "23" منظر تخيلي لما كان عليه هرم زوسر المدرج بسقارة وملحقاته
ولا يقتصر نشاط زوسر المعماري على سقارة؛ بل وجدت له آثار في جهات أخرى، كما يبدو أنه عمل على تأمين البلاد من غارات البدو وأرسل حملة لتأديب بدو سيناء، ومما ينسب إلى عهده أن مجاعة حدثت في البلاد بسبب توقف الفيضان عن الوصول إلى منسوبه المعتاد، وبعد استشارة حاكم الإقليم الجنوبي من مصر أمر زوسر بأن توقف الأراضي الواقعة على جانبي النيل من جزيرة سهيل إلى قرب الدكة في بلاد النوبة للإله خنوم؛ وبذلك عاد الفيضان -كما تشير القصة التي تحدثنا عن هذه المجاعة- إلى سابق عهده، ولكننا لا نستطيع أن نؤكد ما جاء في هذه القصة التي نقشت على صخور جزيرة سهيل؛ لأن كهنة
خنوم هم الذين دونوها في عهد البطالمة1، وربما كان للإشادة بفضل إلههم والدعاية له.
سخم خت "زوسر الثاني":
وجدت لهذا الملك ثلاثة نقوش في وادي مغارة بسيناء، ظل الأثريون إلى عهد قريب ينسبونها خطأً إلى ملك من الأسرة الأولى هو "سمرخت" كما أن اسم سخم خت كان ينطق سانخت؛ ولكن بعد اكتشاف الهرم المدرج لهذا الأخير في سقارة "بالقرب من هرم زوسر" سنة 1954 تمكن الباحثون من قراءة اسمه على سدادات أوانٍ فخارية عثر عليها بالهرم، وعرف أن صحة قراءة اسمه هي "سخم خت"2.
وتاريخ هذه الأسرة يشوبه بعض الغموض، وما زال عدد ملوكها موضع خلاف، وقد قام حوني وهو آخر ملوك الأسرة بتحصين إليفانتين؛ إذ يبدو أن الحالة على الحدود الجنوبية لم تكن مطمئنة في عهده. ومن الشخصيات المهمة التي عاشت في أيام الأسرة الثالثة أحد كبار الموظفين ويدعى "متن" تدرج في عدد كبير من الوظائف، وكان من المعمرين؛ حيث بدأ حياته الوظيفية في عهد زوسر وامتد به العمر إلى أوائل الأسرة الرابعة، وقد نقلت مقبرته بأكملها إلى متحف برلين ومن نقوشها عرف الشيء الكثير عن التنظيم الإداري للبلاد في ذلك العهد.
1 كان النص الذي يشير إلى قصة هذه المجاعة والذي نقش على صخور جزيرة سهيل ينسب إلى عهد بطليموس العاشر؛ ولكن أحدث الآراء تنسبه إلى عهد بطليموس الخامس "إبفان"
انظر: Baraguet، "La Stéle du Famine a sehel""Bibl. D.htm' Etudes، T 24" Le Caire 1953. P، 33 n. 1.
2 Edwards، "The Pyramids of Egypt""Pelican A. 168،" P. 80.