الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والانتهاء من مشاكل سورية بصفة نهائية؛ إذ استطاع أن يهزم السوريين وكان يعاونهم ملك أورارتو الذي حضر بنفسه على رأس قواته؛ ولكنه اضطر إلى الهرب هربًا مشينًا بعد هزيمة جيشه، وبعد ثلاثة أعوام تمكن ملك أشور من إخضاع بقية سورية وعادت جميع ممالكها إلى ولائها السابق لأشور؛ إلا أن ذلك لم يستمر سوى عامين؛ حيث قامت ثورة جديدة اضطر ملك أشور إزاءها إلى السير لإخمادها وضم سورية إلى أشور ضمًا مباشرًا، وقد اتبع خلفاء تيجلات بلاسر الثالث سياسته التي سار عليها؛ إذ نجد أن "شلمنصر الخامس" و"سرجون الثاني" يستعملان القوة والعنف في ضم بقية الممالك السورية حتى انتهى أمرها في سنة 709 ق. م. وبذلك انتهى تاريخ الممالك الحيثية في شمال سورية حتى إن الرحالة الإغريق عندما زاروا هذه البقاع لم يجدوا إلا مقاطعات الإمبراطورية الأشورية وأصبح اسم حاتي نفسه منسيًّا.
سكان غرب وجنوب هضبة الأناضول "الآخيون والطرواديون
":
يظن أن بلاد الآخيين أو اليونان الميسينية هي التي عرفت في النصوص الحيثية باسم أهياوا "Ahhiyawa" أو أهيا "Ahhiya" وقد ظهر هذا الاسم لأول مرة في عهد سوبيلوليوما، ومن المحتمل أن المقصود في هذه الحالة جزيرة قبرص التي نفي إليها "أورهي تشوب"1، كذلك ذكرت هذه البلاد في حوليات "مورسيليس الثاني" في السنتين الثالثة والرابعة من حكمه، ومنها عرفنا أن تلك البلاد كانت عبر البحر.
1 انظر أعلاه ص317-318.
وحينما مرض الملك مورسيليس؛ بحث الكهنة عن مصدر الغضب الإلهي الذي سبب هذا المرض، ودونت الأسئلة والإجابات المتعلقة بذلك على لوحة كبيرة يفهم منها أن إله أهياوا وإله لازباس قد جلبا على أمل إيجاد علاج له، ويفهم منها كذلك أن علاقات الود كانت قائمة بين حاتي وأهياوا ولازباس التي يحتمل أنها ليزبوس "Lesbos".
ومن الرسائل المهمة في ذلك العهد رسالة تعرف باسم خطاب تاواجالاواس "Tawagalawas"، وقد دونت في ثلاث لوحات، ومنها عرفنا أن شخصًا كان واليًا حيثيًّا أو من الطبقة العليا "واسمه بياما رادوس كان يقيم في ميلاواندا" أصبح قاطع طريق وسبب اضطرابات في بلاد لوكا "ويحتمل أنها ليقيا" التي كانت تكوِّن مقاطعة من الإمبراطورية الحيثية، وكانت مركز عملياته مدينة مجاورة في منطقة خارج ممتلكات الحيثيين وتحت الحكم غير المباشر لملك أهياوا، ولما كانت هذه الرسالة موجهة من أحد ملوك الحيثيين1 إلى ملك أهياوا؛ فإن من المرجح أن الغرض المقصود منها هو تسليم ذلك الثائر وإراحة مقاطعة لوكا من متاعبه، ويبدو أن تاواجالاواس كان قريبًا لملك أهياوا وقد قصده أهالي المقاطعة لمساعدتهم، وبعد أن دعم تاواجالاواس مركزه في بلاد لوكا بعث برسالة إلى الملك الحيثي يطالبه فيها بالاعتراف به كوالٍ من قبله، كما يبدو أن الملك الحيثي وافق على ذلك وأرسل ولده ليصاحب تاواجالاواس إلى حضرته؛ فاستاء هذا الأخير لأن مرافقه لم يكن القائد العام للجيش بنفسه وعلى ذلك انسحب غاضبًا فسار ملك الحيثيين إلى لوكا وقضى على الثورة فيها، وبعدئذ تسلم رسالة من ملك أهيا يخبره فيها بأنه أمر عامله في ميلاواندا بأن يسلمه
1 إما أن يكون هذا الملك هو مورسيليس الثاني أو خلفه موواتاليس.
قاطع الطريق، ولما تقدم الملك نحوها وجد أن ذلك الثائر "ببامارادوس" قد أبيح له الهرب على ظهر سفينة؛ فأرسل ملك الحيثيين رسولًا خاصًّا إلى ملك أهياوا لإقناعه بتسليم الثائر واعدًا إياه بالإبقاء على حياته، ومعلنًا له بأن يترك رسوله الخاص كرهينة من أجل ذلك، ويتبين من سياق النصوص أن العلاقات بين حاتي وأهياوا كانت ودية ومتينة، وبعد مضي بعض الوقت أصبح حاكم ميلاوندا من موالي الملك الحيثي، ومن الرسائل التي تُبُودلت بينهما نتبين أن خلافات عديدة نشبت بينهما وأن ملك أهياوا رضخ في النهاية لطلب الملك الحيثي وسلمه قاطع الطريق.
ولدينا خطاب من عهد حاتوسيليس يبين أن ملك أهياوا أرسل إلى ملك حاتي يطلب نصيبه من الهدايا التي أرسلت إليه، ولا تعرف طبيعة هذه الهدايا، وهناك نص آخر يشير إلى الوقائع الخاصة بانقلاب "حاتوسيليس"1 ولكنه مهشم وإن كان البعض يرى أن هناك ما يدعو إلى ربط اسم "أورهي تشوب" مع أهياوا؛ ولكن لا يوجد ما يؤيد ذلك.
وفي إحدى فقرات معاهدة أبرمت بين "تود هالياس الرابع2" وبين ملك أمورو نتبين أن ملك أهياوا ذكر على قدم المساواة مع ملوك مصر وبابل وأشور، أي: إنه كان يمثل إحدى القوى الكبرى في ذلك الوقت وإن كان القصر الحيثي لم يعترف بهذه الحقيقة رسميًّا بدليل إزالة اسم أهياوا من النص؛ ولكن العلامات المتخلفة تدل على وجود اسمها فيه من قبل، وهناك نص مهشم ربما كان
1 انظر أعلاه ص317.
2 انظر أعلاه ص318.
من عصر "تود هالياس الرابع"، كذلك يشير إلى أن ملك أهياوا قد انسحب؛ مما يوحي بأنه كان موجودًا في آسيا الصغرى وأن بلاده كانت ولاية على حدود الإمبراطورية الحيثية وأنه كان قد استولى على بعض أراضيها ثم انسحب بعد ذلك.
والخلاصة التي يمكن أن نستنتجها أن العلاقات بين حاتي وبين أهياوا كانت طيبة في أول الأمر حتى إن أقارب ملك أهياوا كانوا يرسلون إلى حاتي لدراسة فن قيادة العربات، كما كانت ترسل آلهة أهياوا إلى حاتي لعلاج الملك في مرضه، ثم نسمع بعد ذلك بازدياد الأعمال العدوانية التي يرتكبها عمال أهياوا على حدود الممتلكات الحيثية، وقد بلغت هذه أشدها أثناء حكم "تود هالياس الرابع" و"أرنووانداس الثالث"، ورغم أن هذا النشاط بدأ في عهد مورسيليس؛ فقد ظلت العلاقات الرسمية بين الملوك ودية في الظاهر على الأقل حتى نهاية عهد مورسيليس، ثم ترد بعض الإشارات عن تدخل ملك أهياوا بصورة عدائية في إقليم موالٍ للحيثيين ولا يوجد بعدئذٍ ما يدل على وجود علاقات رسمية ودية.
ومن الواضح أن أهل أهياوا كانوا بحارة ممتازين وصلت سفنهم حتى ساحل سورية "أمورو" وقد اعتدوا على الإمبراطورية الحيثية في أربع مناطق على الأقل، ولا شك في أن الحيثيين قد أخطئوا في نطق اسمهم وحرفوه إلى أهياوا بعد أن عرفوهم واتصلوا بهم، ولا بد أن هؤلاء كانوا يعيشون في أقصى غرب شبه الجزيرة وسيطروا مثل المقدونيين على البحار؛ فابتداء من سقوط كنوسس حوالي سنة 1400 ق. م. إلى الغزو الدوري في القرن الثاني عشر كانت السيادة العليا في البحار متركزة في أيدي الإغريق الميسينيين وقد وجدت منتجاتهم بكثرة في مختلف الجزر، وخاصة قبرص وكريت ورودس التي لا بد أن كان
في كل منها مستعمرة مهمة للآخيين، كما وجدت مستعمراتهم بكثرة في بعض الأماكن السورية وفي قيليقيا وفي أماكن مختلفة من السواحل الجنوبية الغربية لآسيا الصغرى. وبما أن الحيثيين لم يعرفوا إلا مملكة واحدة باسم أهياوا، وبما أن العالم الميسيني لم يشمل وحدة سياسية واحدة؛ فإننا لا ندري هل كانت أهياوا تدل على ميسينا بأكملها أم أنها كانت إحدى الممالك التي تنقسم إليها بلاد ميسينا، سواء في شبه الجزيرة الإغريقية نفسها أم مملكة في إحدى الجزر مثل كريت وقبرص وغيرهما؟.
أما طروادة فقد ذكرت في النصوص الحيثية بأسماء كثيرة وذكرت في إحدى المرات ضمن مناطق بلاد آسووا؛ ومعنى ذلك أن هذه الأخيرة تقع على الساحل الغربي لآسيا الصغرى، ويرى البعض أن اسمها هو الذي حرف فيما بعد إلى آسيا، ويبدو أن أول ملك حيثي زار هذه الأنحاء هو "تود هالياس الرابع".
ويحاول الكثيرون أن يقربوا بين الأسماء التي وردت في النصوص الحيثية وبين الأسماء التي ذكرت في أشعار هومر والأساطير اليونانية التي يمكن ربطها بطروادة؛ ولكن هذه المحاولات ما زالت مبنية على أسس غير مؤكدة؛ ومن ذلك مثلًا محاولة استنتاج أن مملكة تسمى في النصوص الحيثية إلوسينا أو "ولوسيا" وكانت موالية للحيثيين هي نفسها التي تعرف في شعر هومر باسم وليوس التي يظن أنها طروادة، وكان ملكها يدعى "الكساندوس" في عهد موواتاليس الحيثي "حوالي سنة 1300 ق. م.". ويرى البعض أن هذا الملك ليس إلا "Alaxandres Aliaé Paris" بارس أمير طروادة، وتشير أسطورة بيزنطية إلى أن موتيلوس "Motylos" هو الذي استقبل هيلين وبارس "في رحلتهما من إسبرطة إلى طروادة" ويظن بعض المؤرخين أن هذه الأسطورة تشير