الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض ممتلكاتها مثل مصر وكثير من المدن الساحلية في فلسطين وسورية، كما انفصلت عنها مدن أرمينية، وشن أحد ملوك الميديين هجومًا على أشور فصده الجيش الأشوري وهزم جيشه وقتله، وفي بابل تكونت أسرة جديدة تعرف باسم "الأسرة البابلية الأخيرة" أو "المملكة الكلدانية"، كما انتهز القائد الأشوري فرصة إقامة الملك في نمرود؛ فأعلن تمرده عليه في نينوى وعزله؛ ولكن أخا الملك حارب هذا القائد وقضى عليه ثم استأثر بالسلطة.
وقد أثرت الحرب الداخلية على سمعة المملكة وهيبتها؛ فانفصلت أماكن أخرى كثيرة عنها، واستطاع "كي أخسار Cyaxares" ملك الميديين أن يستولي على شمال إيران وشمال بلاد النهرين، ثم توغل إلى سهول أشور حيث قامت بينه وبين الجيش الأشوري حروب طاحنة، وبعد أن اتفق مع ملك بابل هاجما العاصمة فسقطت في أيديهما بعد حروب عنيفة، واقتسما مملكة أشور؛ حيث تولى استولى الميديون على قسمها الشمالي الشرقي، واستولى البابليون على جنوبها وأرسل ملك بابل ولده "نبوخذ نصر" ليتتبع فلول الجيش الأشوري التي كانت قد هربت إلى "حران"، وانتصر "نبوخذ نصر" وقضى على بقية الجيش الأشوري، ثم واصل سيره غربًا واحتل المقاطعات التي كانت تخضع للأشوريين من قبل، وقد تقابل مع الملك المصري نخاو الذي كان قد تقدم إلى سورية ودارت بين الاثنين معركة حاسمة بالقرب من قرقميش، انتصر فيها نبوخذ نصر وتراجع الجيش المصري إلى بلاده1.
1 انظر أعلاه ص228، 385.
8-
العهد البابلي الأخير "المملكة الكلدانية
":
أشرنا فيما سبق إلى القلاقل التي تعرضت لها الدولة الأشورية قبل انهيارها،
والواقع أن أكثر هذه القلاقل خطورة هي التي قامت في الجنوب؛ حيث انتهز البابليون فرصة تدهور أشور وبدءوا كفاحهم من أجل الاستقلال، وقد بدأ الحاكم البابلي "الذي عينه أشور بانيبال بعد أخيه" الثورة بمجرد تعيينه، وبعد وفاته أصبح حاكم بلاد البحر "نبوبولصر"1 زعيمًا للثورة، ولم تتمكن القوات الأشورية المرابطة في الجنوب "في نيبور" من هزيمته؛ فأعلن نفسه ملكًا على بابل؛ مؤسسًا الأسرة الحادية عشرة البابلية وهي التي تعرف باسم "الأسرة البابلية الأخيرة" أو "المملكة الكلدانية" كما أشرنا.
وقد ظلت الحروب قائمة بين بابل وأشور نحو 11 عامًا استطاع بعدها "نبوبولصر" أن يستولي على نيبور وأن يحرر كل بلاد سومر وأكد، ثم استمر في فتوحاته شمالًا على طول الفرات؛ حتى وصل إلى منطقة حران، ومنها تقدم على طول دجلة إلى كركوك وأشور، وحاصر أشور؛ ولكنه لم ينجح في الاستيلاء عليها، وفي تلك الأثناء طلب الأشوريون المعونة من مصر التي كانت خاضعة لهم فيما سبق؛ ولكن هذه المعونة جاءت متأخرة؛ لأن الميديين كانوا هم أيضًا قد بدءوا غزو الأراضي الأشورية واستولوا على أربخا وأشور، وعند هذه الأخيرة تقابل "كي أخسار Cyaxares" ملك الميديين مع "نبوبولصر" ملك بابل وارتبطا برباط الصداقة والسلام، وأيدا ذلك فيما بعد بزواج "نبوخذ نصر" بن "نبوبولصر" من "أميتس" بنة "كي أخسار"، ومنذ ذلك الوقت ظل الاثنان يحاربان معًا، وتمكنا في النهاية من إسقاط نينوى كما سبق أن أشرنا. وبعد مقتل آخر ملوك أشور اعتلى العرش أحد قواده " وكان يدعى أشور أوبالط" وجمع ما بقي من فلول الجيش الأشوري والمدد المصري الضئيل الذي أرسل إلى أشور واعتصم بهم في منطقة حران؛ فتقدم البابليون والميديون نحوه وسقطت مدينة حران
1 كان من قبيلة الكلدان الآرامية، انظر:
Roux، op، cit.، p. 340.
في أيديهم، وبعد محاولات يائسة لمدة عام تقريبًا اختفى "أشور أوبالط" بعد أن اعتلى العرش الأشوري نحو ثلاثة أعوام، ويبدو أن الميديين لم يهتموا بامتلاك أشور فقنعوا بنصيبهم من الغنائم، ثم حولوا أطماعهم إلى أرمينيا وآسيا الصغرى، أما البابليون؛ فقد امتلكوا أشور ولكنهم لم يحتلوها ولم يحاولوا إصلاح ما أتلفوه فيها؛ حيث كرسوا جهودهم لإعادة إحياء المجد الديني والثقافي لجنوب بلاد النهرين.
وحينما وقعت سورية وفلسطين في أيدي المصريين كمحاولة غير ناجحة من "نخاو"1 لمساعدة حلفائه الأشوريين، تقدم البابليون للقائه بقيادة "نبوخذ نصر"؛ لأنهم كانوا يحرصون على إبقاء طريقهم إلى البحر المتوسط مفتوحًا، وانتصر البابليون وفتحوا سورية وفلسطين وتقدموا نحو مصر، ولكن موت "نبوبولصر" أثناء ذلك جعل ولده "نبوخذ نصر" يعود مسرعًا إلى بابل.
وقد تولى "نبوخذ نصر" العرش بعد والده وكانت البلاد قد بدأت في الازدهار واستقرت أمورها السياسية؛ فوجه جهوده نحو تشييد العمائر وترميم المعابد وإن كان قد أرسل جيشًا لتأديب مملكة يهودا حيث احتل بيت المقدس؛ إلا أن اليهود ثاروا بعد مضي عشر سنوات فسار إليهم ودخل بيت المقدس وخربها وفتك بأهلها.
وبعد أن حكم "نبوخذ نصر" نحو 43 سنة خلفه على عرش بابل ملوك ضعاف، فلم يكد ولده يحكم عامين حتى ثار عليه الكهنة لسماحه لليهود بممارسة طقوسهم الدينية بحرية وعلى نطاق واسع، وقتلوه ونصبوا مكانه أحد قواد والده وهو صهره في نفس الوقت، ولم يقم هذا الأخير بما يستحق الذكر ثم مات
1 انظر أعلاه ص228، 385.
بعد أن حكم 4 سنوات، وتبعه ابنه الصغير الذي لم يحكم سوى أسابيع قليلة، ثم تدخل الكهنة ثانيًا وأبعدوه عن الحكم، وعينوا مكانه أحد أبناء طائفتهم ويدعى "نبونهيد"؛ ولكن هذا لم يستطع أن ينهض بأعباء الحكم ولم يقم إلا ببعض النشاط العمراني، وقد تحالف مع الملك الفارسي كورش ضد الميديين ثم غزاهم وغزا شمال بلاد العرب وانشغلت فارس بحروبها في جهات أخرى. وفي عهد خلفه ثار حاكم سوسة وانضم إلى الفرس وبعدئذٍ هاجم ملك الفرس "كورش" بابل ودخلها وأخذ ملكها "نبونهيد" أسيرًا، وهكذا زالت آخر سلالة بابلية وانتهى رمز الحضارة البابلية رغم بعض محاولات الفرس لإحياء مجد مدينة بابل، ومن بعدهم حاول الإسكندر أن يجعلها مركز إمبراطوريته؛ ولكنها سرعان ما أهملت بعد وفاته وتحولت إلى أطلال.