الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} أي ومن كان في الدنيا أعمى فليس المراد بالعمى الحقيقة، وإنما المجاز هو عمى البصيرة، فقد أستعير الأعمى لأعمى القلب أو البصيرة عن حجة الله وبيناته، أو من لا يهتدي إلى طريق النجاة، وهو دليل على وقوع المجاز في القرآن. {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أبعد طريقا عنه.
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى أنواعا من كرامات الإنسان وأفضاله عليه في الدنيا، ذكر من أحوال الآخرة وما فيها من تفاوت شديد بين أهل السعادة وأهل الضلال والانحراف عن معالم الهدى الإلهي وأنه تعالى يحاسب كل أمة بإمامهم، أي بنبيهم فيقال: يا أمة إبراهيم، يا أمة موسى، يا أمة عيسى، يا أمة محمد؛ أو بكتابهم الذي أنزل على نبيهم؛ أو بكتبهم التي فيها رصد أعمالهم، وهو الأرجح.
التفسير والبيان:
اذكر يا محمد ذلك اليوم الذي نحاسب فيه كل أمة بإمامهم أي بكتاب أعمالهم، وهو القول الأرجح كما ذكر ابن كثير؛ لقوله تعالى:{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ} [يس 12/ 36] وقوله سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتابُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ} [الكهف 49/ 18] فالكتاب يسمى إماما لأنه يرجع إليه في تعرّف أعمالهم.
ويحتمل أن المراد {بِإِمامِهِمْ} أي بقائدهم الذي يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهم السلام، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم، كما قال تعالى:
{وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ} [القصص 41/ 28]. إلا أن الراجح هو ما ذكر ابن كثير، بدليل قوله تعالى بعده:
{فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ} أي فمن أعطي من هؤلاء المدعوين كتابه بيمينه، فأولئك يقرءونه بفرح وسرور بما فيه من العمل
الصالح، كما قال تعالى:{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَقُولُ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ} [الحاقة 19/ 69].
{وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} أي ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء، والفتيل:
هو الخيط المستطيل في شق النواة، ونحو الآية:{وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم 60/ 19] وآية {فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه 112/ 20].
أخرج الترمذي والحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} قال: «يدعى أحدهم، فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه، ويبيّض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد، فيقولون:
اللهم أتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم فيقول لهم: أبشروا، فإن لكل رجل منكم مثل هذا. وأما الكافر فيسودّ وجهه، ويمدّ له في جسمه، ويراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من هذا أو من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم فيقولون: اللهم أخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا».
وعاقبة الحساب معروفة في الدنيا قبل الآخرة، فقال سبحانه:
{وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أي ومن كان في الحياة الدنيا أعمى عن حجج الله وبيناته وآياته التي أبانها في الكون، فهو يكون كذلك أعمى في الآخرة، لا يجد طريق النجاة، بل وأضل سبيلا من الأعمى في الدنيا. وليس المراد بالأعمى عمى البصر، بل المراد منه عمى القلب.
والأعمى مستعار لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة، أما في الدنيا فلفقد النظر، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه.