الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكوكب الغابر في أفق السماء» وقال بعضهم: أيها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة، وهي أكبر وأفضل».
وهذه واقعة طريفة معبرة مناسبة للآية، رواها ابن عبد البر عن الحسن البصري قال: حضر جماعة من الناس فيهم الأشراف ومن دونهم من العامة باب عمر رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو القرشي (أحد أشراف مكة) وأبو سفيان بن حرب، ومشايخ من قريش، فأذن لصهيب وبلال وأهل بدر، وكان يحبهم، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه ليؤذّن لهؤلاء العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال سهيل وكان أعقلهم: أيها القوم، إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، إنهم دعوا ودعينا-يعني إلى الإسلام-فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر، فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر، لما أعد الله لهم في الجنة أكبر.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
الناس في مجال العمل في الدنيا صنفان: صنف يريد الدنيا، وصنف يريد الآخرة، أما الصنف الأول: فلا يعطيه الله من الدنيا إلا ما يشاء، ولمن يشاء، ثم يؤاخذه بعمله، وعاقبته دخول النار حال كونه مذموما على سوء تصرفه وصنيعه، إذ اختار الفاني على الباقي، مدحورا مطرودا مبعدا من رحمة الله. قال القرطبي: وهذه صفة المنافقين الفاسقين، والمرائين المداجين، يلبسون الإسلام والطاعة لينالوا عاجل الدنيا من الغنائم وغيرها، فلا يقبل ذلك العمل منهم في الآخرة، ولا يعطون في الدنيا إلا ما قسم لهم
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 235/ 10
وأما الصنف الثاني وهو الذي يريد الدار الآخرة، ويعمل لها عملها من الطاعات، وكان مؤمنا؛ لأن الطاعات لا تقبل إلا من مؤمن، فيكون عمله مقبولا غير مردود.
2 -
اقتضت حكمة الله ورحمته أن يرزق المؤمنين والكافرين، فلا يكون عطاؤه محبوسا ممنوعا عن أحد، غير أن الناس في الدنيا متفاوتون في الرزق، بين مقلّ ومكثر، ولا يرتبط التفاوت في الرزق بالإيمان والكفر، فقد يكون مؤمن غنيا وآخر فقيرا، وقد يكون كافر موسرا مترفا وآخر معسرا معدما.
أما في الآخرة فدرجات تفاضل المؤمنين أكبر وأكثر، فالكافر وإن وسّع عليه في الدنيا مرة، وقتّر على المؤمن مرة، فالآخرة لا تقسم إلا مرة واحدة بأعمالهم، فمن فاته شيء منها لم يستدركه فيها.
3 -
إن هذه الآية: {عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} مقيدة لإطلاق آية هود: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها، وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ} [15] وآية الشورى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [20].
4 -
في الآية نفسها {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} فوائد ثلاث:
الأولى-العقاب مضرة مقرونة بالإهانة والذم الدائمين.
الثانية-إن الرفاهية في الدنيا لا ينبغي أن يستدل بها على رضا الله تعالى؛ لأن الدنيا قد تحصل مع أن عاقبتها المصير إلى عذاب الله وإهانته، وهذا تنبيه للجهال الذين يغترون بالدنيا إذا أقبلت عليهم، ويظنون أن ذلك لأجل كرامتهم على الله تعالى.