الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً} أي وإذا أخرجوك لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانا قليلا، فإن الله مهلكهم، وحدث هذا الوعيد كما قال، فقد أهلكهم الله ببدر بعد إخراجه بقليل، وهو ثمانية عشر شهرا بعد الهجرة أو الإخراج.
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا.} . أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم أن يأتيهم العذاب، بخروج الرسول من بينهم، فكل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فسنة الله أن يهلكهم، ولولا أنه صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة المهداة، لجاءهم من النقم في الدنيا ما لا قبل لأحد به، قال تعالى:{وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال 33/ 8].
{وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً} أي لا تغيير لسنة الله ونظامه وعادته، ولا خلف في وعده.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدتنا الآيات إلى العبر والعظات والأحكام التالية:
1 -
تعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنواع شتى من مكائد المشركين في مكة وألوان خداعهم ومساوماتهم، ومن أخطرها محاولات افتراء تغيير الوحي وتبديله، وإخراجه وطرده من مكة موطنه الأصلي.
أما محاولة تبديل الوحي وإقرارهم على شيء من قواعد شركهم وجاهليتهم فباءت بالفشل والخيبة، ولم يتم لهم ما أرادوا، لا قليلا ولا غيره بتأييد الله وعصمته.
وأما محاولة الإخراج من مكة فتم لهم مرادهم حينما أمره الله بالخروج، ولكنهم بعدها تعرضوا للقتل في بدر، وإلى فتح مكة موطنهم، وإسلام بعض
زعمائهم، وانتشار الإسلام فيها وفي أنحاء الجزيرة العربية، فتداعت معاقل الشرك، وتهدمت حصون الوثنية، وحل الإسلام محلها.
2 -
لا يشكن أحد في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوم، وأنه لم يهادن الكفر والكفار والشرك والمشركين، بل ولم يهمّ في ذلك، وإنما كانت الآيات تهييجا له، وتهديدا على مجرد الاحتمال والافتراض.
فقوله تعالى: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} يدل على قرب وقوعه في الفتنة، لا على الوقوع في تلك الفتنة، فلو قلنا: كاد الأمير أن يضرب فلانا، لا يفهم منه أنه ضربه.
وقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ} لا يدل على قرب ركونه إلى دينهم والميل إلى مذهبهم؛ لأن كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره، تقول:
لولا علي لهلك عمر، معناه أن وجود علي منع من حصول الهلاك لعمر، فكذلك معنى الآية: أنه حصل تثبيت الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكان حصول ذلك التثبيت مانعا من حصول ذلك الركون.
والوعيد الشديد في قوله تعالى: {إِذاً لَأَذَقْناكَ.} . لا يدل على سبق وجود جرم وجناية؛ لأن التهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها، كما في آيات أخرى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة 44/ 69 - 46]. {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر 65/ 39]. {وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ.} . [الأحزاب 48/ 33].
3 -
احتج أهل السنة بقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} على أنه لا عصمة عن المعاصي إلا بتوفيق الله تعالى، فالله عاصمه وناصره ومؤيده ومثبّته.
4 -
منع الله أهل مكة من إخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة، ولو فعلوا ذلك