الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفة الأولى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْها، وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} أي لا أحد أظلم ممن أعرض عن آيات الله، ونسي ما قدم من الكفر والمعصية، أو لا ظلم أعظم من كفر من يشاهد الآيات والبينات الدالة على الحق والإيمان، ثم يعرض عنها، ومع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يده من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة، وعلى رأسها الكفر بالله، والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم.
الصفة الثانية:
{إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ، وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً} أي وعلة إعراضهم ونسيانهم بسبب جعل أغطية وغشاوة على قلوب هؤلاء، لئلا يفهموا هذا القرآن والبيان، وجعل صمم معنوي في آذانهم عن الرشاد وسماع الحق وتدبره.
{وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} أي وإن دعوت يا محمد هؤلاء إلى دعوة الحق والهداية والاستقامة، فلن تجد منهم استجابة، ولن يهتدوا بهديك هدي القرآن أبدا مهما قدمت من الدلائل وتأملت الخير منهم.
وذلك كله لفقدهم الاستعداد لقبول الإيمان والرشاد، بما أصروا عليه من الكفر والعصيان، كما جاء في آيات أخرى مثل قوله تعالى:{كَلاّ، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين 14/ 83] وقوله: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ، وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [البقرة 7/ 2]. وهذه الآيات هي في قوم علم الله أنهم سيموتون على الكفر من مشركي مكة.
ثم ذكر الله تعالى ما يتصف به من رحمة وحلم وإرجاء للعقاب عن العصاة، وأنه لا يعجل لهم العذاب، تاركا الفرصة لهم ليتوبوا، فقال:
{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ} أي
وربك يا محمد غفور ستّار، ذو رحمة واسعة، لو يؤاخذ الناس فورا بما كسبوا من السيئات واقترفوا من الخطيئات، لعجل لهم العذاب في الدنيا، على وفق أعمالهم. والغفور: البليغ المغفرة، فهي صيغة مبالغة، وذو الرحمة: الموصوف بالرحمة.
ونظير الآية قوله: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر 45/ 35] وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ} [الرعد 6/ 13].
ثم استشهد تعالى بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلا من غير إمهال، مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:
{بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} أي إن الله أراد غير ذلك من تعجيل العذاب، وجعل للعذاب موعدا حدده وهو إما يوم القيامة، وإما في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح، لن يجدوا عنه ملجأ ومنجى، وليس له محيد ولا معدل عنه، والخلاصة: أن تأخير العقاب أو العذاب إمهال لا إهمال.
وشاهد آخر: {وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُوا..} . أي وتلك القرى، أي أهلها من الأمم الغابرة، كعاد وثمود ومدين وقوم لوط، أهلكناهم لما ظلموا بسبب كفرهم وعنادهم، وجعلنا لهلاكهم موعدا لا محيد عنه، ومدة معلومة لا تزيد ولا تنقص، أي وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم رسولكم، ولستم بأعز علينا منهم. والمهلك: الإهلاك أو وقته، والموعد: وقت أو مصدر. والمراد: إنا عجلنا هلاكهم، ومع ذلك حددنا له وقتا، رجاء أن يتوبوا.