الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الحكمة، لذا قال:{إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} أي أنه تعالى عالم بأن مصلحة كل إنسان في أن لا يعطيه إلا ذلك القدر، فهو خبير بصير بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر، فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل، بل لأجل رعاية المصالح،
جاء في الحديث الذي ذكره السيوطي في المسانيد (الجامع الكبير):
وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجا، والفقر عقوبة.
والمقصود بالآية أنه تعالى عرف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كونه ربا، والرب: هو الذي يربي المربوب ويقوم بإصلاح مهماته ودفع حاجاته على مقدار الصلاح والصواب، فيوسع الرزق على البعض، ويضيقه على البعض.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم مما ذكر أن الآيات ترشد إلى الأحكام التالية:
1 -
التوحيد أساس الإيمان، والإشراك رأس الكفر والضلال.
2 -
الإحسان إلى الوالدين فرض لازم واجب، وقد أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال:
{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} وقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
3 -
من البرّ بالأبوين والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبّهما ولا لعقوقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف.
4 -
عقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برّهما موافقتهما على أغراضهما، فتجب طاعتهما في المباح المعروف غير المعصية، ولا تجب طاعتهما في المعصية.
روى الترمذي عن ابن عمر قال: كانت تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلّقها فأبيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
«يا عبد الله بن عمر، طلّق امرأتك» .
5 -
لا يختص برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل يجب برهما ولو كانا كافرين، ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد، قال الله تعالى:{لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة 8/ 60].
وفي صحيح البخاري عن أسماء قالت: «قدمت أمّي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم، إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أبيها، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إن أمي قدمت، وهي راغبة
(1)
، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمّك».
6 -
من الإحسان إلى الأبوين والبرّ بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد الولد إلا بإذنهما.
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال:«أحيّ والداك» ؟ قال: نعم، قال:«ففيهما فجاهد» .
أما الوالدان المشركان فكان الثوري يقول: لا يغزو إلا بإذنهما، وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما.
7 -
من تمام برّ الوالدين: صلة أهل ودّهما،
ففي صحيح مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن من أبرّ البرّ: صلة الرجل أهل ودّ أبيه، بعد أن يولّي» وقد ذكر حديث أبي أسيد الساعدي البدري.
8 -
هناك رقابة خاصة من الله تعالى على معاملة الأبوين؛ لقوله سبحانه:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ} أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما، أو من غير ذلك من العقوق، أو من جعل ظاهر برهما رياء.
(1)
أي راغبة في بري وصلتي.
9 -
وكما أمر الله بالإحسان إلى الوالدين ومراعاة حقهما، أمر أيضا بصلة الرحم، وبالتصدق على المسكين وابن السبيل.
10 -
يحرّم الإسلام التبذير، والتبذير كما قال الشافعي رضي الله عنه: إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. وهذا قول الجمهور. وقال مالك:
التبذير: هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام؛ لقوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} أي أنهم في حكمهم؛ إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين.
11 -
من أنفق ماله في الشهوات زائدا على قدر الحاجات، وعرّضه بذلك للنفاد فهو مبذر، ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه. ومن أنفق ربح ماله في شهواته، مع المحافظة على أصل رأس المال، فليس بمبذر.
12 -
الأدب الرفيع هو رد ذوي القربى بلطف ووعدهم وعدا جميلا بالصلة عند اليسر، والاعتذار إليهم بما هو مقبول وفيه تطييب الخاطر، ولا يعرض الشخص عنهم إعراض مستهين، وهو في حال الغنى والقدرة، فيحرمهم حقهم.
لقوله تعالى: {وَإِمّا تُعْرِضَنَّ} أي إن أعرضت يا محمد عن إعطائهم لضيق يد، فأحسن القول، وابسط العذر، وادع لهم بسعة الرزق، وقل: إذا وجدت فعلت وأكرمت، فإن ذلك يعمل في مسرّة نفسه عمل المواساة.
13 -
الإنفاق في الإسلام: هو التوسط والاعتدال من غير بخل ولا إسراف، ولا تضييع المنفق عياله في المستقبل، أو ألا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له، فإن الإسراف وإتلاف المال بغير حق يوقع المسرف في الحسرة والندامة والملامة.
والملوم: الذي يلام على إتلاف ماله، أو يلومه من لا يعطيه.
14 -
إن الله أعلم بمصالح عباده وبأحوالهم، فيرزق من يشاء، ويمنع من يشاء على وفق الحكمة والمصلحة.