الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
وقال المشركون منكر والبعث والمعاد استفهام إنكار لذلك حين سماع القرآن وسماع أمر البعث: أإذا كنّا عظاما بالية في قبورنا، ورفاتا أي ترابا بسبب تكسر العظام وصيرورتها كالتّراب، أإنا لمبعوثون عائدون يوم القيامة بعد ما بلينا وصرنا عدما لا نذكر خلقا صحيحا جديدا كما كنّا قبل الممات، كما أخبر عنهم القرآن في موضع آخر:{يَقُولُونَ: أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ؟ أَإِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً، قالُوا: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} [النازعات 10/ 79 - 12]. وقوله تعالى:
{وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ، وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ:}
{يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس 78/ 36 - 79].
فأمر الله تعالى نبيّه أن يجيبهم بقوله:
{قُلْ: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً..} . أي قل يا محمد لهم: إن إعادة الميت إلى الحياة أمر يسير سهل، وهو أهون على الله من الخلق أول مرة، أي أهون في تصورنا وحكمنا على الأشياء وإلا فالخلق لأي شيء على الله يسير في أي حال؛ لأن المادة المركبة إذا وجدت عناصرها وعرفت خواصها يسهل إحداث أشياء مماثلة لها، ولو فرض أنكم أيها المشركون كنتم أبعد شيء من الحياة، وأشدّ الأشياء صلابة من حجارة أو حديد؛ إذ هما أشدّ امتناعا من العظام والرّفات عن قبول الحياة، أو أي خلق يعظم في تصوّركم وعقولكم كالسّماء والأرض والجبال عن قبول الحياة، فإن الله قادر على إحيائه وبعثه من جديد؛ لأن المواد الجامدة متساوية في قبولها ما يطرأ عليها من حياة أو عقل؛ إذ لو لم يكن هذا القبول والاحتمال قائما حاصلا، لما حصل العقل والحياة لها في أول الأمر، والله قادر على كل الممكنات، وعالم بجميع الجزئيات، فإعادة الحياة إلى تلك الأجزاء المادية ممكن قطعا، سواء صارت عظاما ورفاتا، أو صارت شيئا أبعد في تصور الحياة وقبولها، وهي أن تصير حجارة أو حديدا.
وهذا من قبيل المبالغة وربط الأشياء بأقصى ما يمكن تصوره في الدّلالة على قدرة الله تعالى على الإحياء والإعادة.
وبعد استبعاد الإعادة استبعدوا حدوثها كما قال تعالى:
{فَسَيَقُولُونَ: مَنْ يُعِيدُنا؟.} . أي فسيقولون لك يا محمد: من يعيدنا إلى الحياة إذا كنّا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر شديدا، فقل لهم: المعيد هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا مذكورا، ثم صرتم بشرا عديدين منتشرين في الدّنيا، فإنه سبحانه وتعالى قادر على إعادتكم، ولو صرتم إلى أي حال:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم 27/ 30].
والمتوقع حين سماع ذلك هو كما قال تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ} أي لتأصل إنكار البعث في نفوسهم سيحركون رؤوسهم استهزاء وتكذيبا.
{وَيَقُولُونَ: مَتى هُوَ؟} أي يقولون: متى هذا البعث والإعادة؟ عنّا الحزن [فاطر 34/ 35] وهي رواية ضعيفة، والمراد من الحمد في الأصح كما نحا الطبري: هو حمد الله من النبي على صدق خبره بحدوث القيامة.
{قُلْ: عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} أي إن ذلك قريب منكم سيأتيكم لا محالة، فكلّ ما هو آت قريب، كما قال سبحانه:{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً} [المعارج 6/ 70 - 7]. و
قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد والشيخان والترمذي عن أنس:
«بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى. فقوله تعالى: {عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} معناه أنه هو قريب؛ لأن {عَسى} واجب، نظيره:
{لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى 17/ 42].
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي يكون ذلك البعث يوم يدعوكم الرّب تبارك وتعالى، فتستجيبون له من قبوركم حامدين طائعين منقادين، وتقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث فقوله تعالى: